أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور














المزيد.....

تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8476 - 2025 / 9 / 25 - 04:36
المحور: قضايا ثقافية
    


يبدو الشرق الأوسط اليوم كما لو أنه مسرح أسطوري يتهيأ لانطفاء ممثلٍ طال جلوسه على الخشبة، ممثلٍ اعتاد ارتداء أقنعة المقاومة والكرامة، لكنه حين اقتربت الأضواء من وجهه ظهر وجه آخر، متعب، متآكل، مثقوب بثقوب اليورانيوم المسروق من خبز الفقراء. لقد خرج المرشد الإيراني ليعلن للعالم أن ورقة النووي ليست للمساومة، كأنه يرفع كأسًا من سمٍّ صافٍ ويقول: هذا شرابي، وهذا دوائي، ولن أنزعه من يدي إلا الموت. اعترف أن التخصيب تجاوز ستين في المئة، وهو يعلم أن الأرقام ليست أرقامًا بريئة، بل هي شياطين نووية تتهيأ للانفلات. المدني لا يحتاج سوى ثلاثة في المئة، لكن ما معنى أن يقفز الرقم إلى حافة الموت إن لم يكن إعلانًا عن نية حمل القبر في الجيب؟
في تلك اللحظة، صارت اللغة النووية سيفًا معلّقًا على جدار المنطقة، وصارت طهران تشبه لاعبًا مقامرًا خسر كل ما يملك، ولم يبقَ في يده إلا ورقة واحدة: أن يهدد الجميع باحتراق الطاولة. وربما لهذا لوّح من جديد بأذرع الظل، ميليشيات وحزبًا في لبنان، كمن يلوّح بأشباح لإخافة جمهور فقد الإيمان بالأساطير. لقد سقطت أسطورة "الرصاص المقاوم"، بعدما صار الرصاص نفسه مطية للابتزاز، ومجرد عملة سوداء يتاجر بها نظام مأزوم يختنق بين جدران عقوبات تتكاثر كالعناكب على سقفٍ متداعٍ.العراق، بدوره، لم يعد سوى مرآة أخرى تعكس الانكسار. حين أُغلق باب البيت الأبيض بوجه رئيس حكومته، لم يكن الرفض مجرد إجراء بروتوكولي، بل كان إعلانًا بأن بغداد فقدت أهلية اللقاء، وأن السلطة فيها غدت جزءًا من المشكلة لا من الحل. أراد أن يزور، فمُنع حتى من الدخول، حتى من حضور الجمعيات الأممية إلا بظلّ بروتوكولي باهت، كظلّ شخص يقف عند حافة الوليمة دون أن يُسمح له بتذوق الخبز. لقد صار رئيس الجمهورية سفير الغياب، يلوّح بالعلم ولا يحمل في يده أي شرعية للحوار.وما بين النووي المسعور والسلطة المأزومة، جاء إدراج الفصائل المسلحة العراقية في قوائم الإرهاب العالمية ليضع النقاط على حروف النهاية. لم تعد المجاملات ممكنة، لم تعد لغة "التفهم" صالحة، لقد بدأ زمن الحساب. الرسائل التي هبطت على بغداد كانت أشبه بصفعات باردة على وجه حالم: لا مجال للتماطل، لا سبيل للخداع، إما أن تقطعوا الحبال مع الميليشيات أو تُقطع رقابكم السياسية.ثم جاء "السناب باك" كعاصفة شتوية أعادت كل عقوبات الأمم المتحدة إلى الواجهة، كأن التاريخ أصرّ أن يذكّر طهران بأنها لا تستطيع أن تهرب من نفسها. حظر السلاح، تجميد الأرصدة، تجفيف النفط، عزل مالي يترك الجسد الإيراني يتنفس بصعوبة في غرفة خانقة بلا نوافذ. أما محاولات التوقيع مع وكالة الطاقة الذرية لاستئناف التعاون الفني، فهي لا تعدو أن تكون محاولة رجل غريق يلوّح بساقية من ورق. المجتمع الدولي فهم أن اللعبة انتهت، وأن المريض لا يُشفى بجرعات المهدئات، بل بالاستئصال الكامل للورم.والمفارقة أن طهران، وهي تواجه هذا الحصار، ما زالت تحاول تسويق ذاتها كدولة قادرة على إدارة التوازنات، بينما الحقيقة أن العالم تجاوز مرحلة الضغط، ودخل مرحلة التصفية. لم يعد الهدف تقليم أظافر المشروع الإيراني، بل بتر يديه وأقدامه. الميليشيات، الح-ش-د، شبكات التهريب، وكل الواجهات التي تبرقعت باسم الدين والسياسة، كلها اليوم تتحول إلى أهداف مكشوفة، إلى علامات حمراء على خريطة عمليات كبرى.في هذا المشهد، يبدو العراق أكثر هشاشة من أي وقت مضى. السلطة التي أهدرت ثرواته عبر عقود النفط والطاقة لم تفعل سوى أنها اشترت الوقت بذهبٍ مسروق، غير أن الزمن لا يُشترى، والزمن الآن يتهيأ ليكون قاضيًا لا تاجراً. سنوات من الاستقواء بالميليشيات والفساد تتحول اليوم إلى سلسلة من الأصفاد الثقيلة، التي ستجرّ الأسماء والوجوه نحو محكمة التاريخ، وربما نحو محاكم أكثر صرامة.إن الشرق الأوسط يقف على عتبة ولادة عسيرة. المشهد لا ينذر بسلام قريب، بل بمفاجآت حبلى بالعاصفة. لكن المفارقة أن هذه العاصفة لا تعني الفوضى هذه المرة، بل تعني إعادة صياغة خرائط، إعادة كتابة النصوص، وكأن المنطقة تدخل فصلًا جديدًا من روايتها الكبرى. شرق أوسط جديد يتشكّل بعيدًا عن اليد الإيرانية، شرق أوسط يطوي صفحة عقودٍ من التمدد المبني على الخوف والفوضى، ليكتب سطرًا آخر بلغة مختلفة، لغة ربما لا تخلو من الدم، لكنها دماء تسبق الولادة لا الموت.فهل يكون انكسار اليورانيوم بداية انكسار الوهم؟ وهل يذبل ليل الميليشيات أخيرًا تحت شمس الحساب؟ أم أن التاريخ سيمنح إيران جولة أخرى من الرقص على حبال الرماد؟ وحدها الأيام، تلك التي تمشي بثقل الألف عام، ستكشف لنا أي مستقبل يُطبخ على نار الشرق الأوسط… نارٌ قد تحرق، لكنها قد تُضيء أيضًا.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشباح الموت في وطن الطوائف
- دول المذهب وعرش الدم
- كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر
- ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-


المزيد.....




- ترامب يهاجم مدير FBI السابق بعد إدانته: -شخص فاسد للغاية-
- ستاربكس تغلق بعض متاجرها في الولايات المتحدة والمملكة المتحد ...
- رئيس وزراء السودان: أطفال ونساء دارفور يموتون وسط صمت دولي
- دراسة تزعم أن حسابات المراهقين على إنستغرام لا تزال تعرض محت ...
- الاحتلال يقتحم نابلس وقلقيلية ومقاومون يستهدفون آلية عسكرية ...
- حماس تستنكر دعوة عباس لتسليم سلاح المقاومة
- جيمس كومي.. توجيه اتهامات لرئيس FBI السابق في تصعيد -غير مسب ...
- ترامب يوقع أمر بيع -تيك توك-.. الرئيس الأميركي: اتفاق وشيك ب ...
- مقتل 5 عناصر من قسد بهجوم مسلح نفذته خلايا تنظيم -داعش- في ر ...
- إسرائيل تشن أوسع هجوم على صنعاء -انتقاما من مسيّرة إيلات-


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تراتيل الرماد فوق معبد اليورانيوم المكسور