أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-














المزيد.....

-مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8473 - 2025 / 9 / 22 - 22:16
المحور: قضايا ثقافية
    


أيّها السادة الذين تصفقون اليوم حتى تنقلب الأكفّ إلى طبلٍ أجوف، وتنتشون في قاعاتٍ فارغة كأنكم تشاهدون عرضًا لخيال الظل، دعوني أسألكم: على أيّ شريط سينمائيّ تضحكون؟ أهو شريط الذكريات التي دفنتموها بأيديكم، أم هو شريط الخيبات التي نسجتموها بأنفسكم حين حوّلتم السينما العراقيّة إلى مقبرةٍ بلا شاهد قبر؟ إنكم اليوم تحتفلون بموت السينما كما يحتفل الورثة بتركَةٍ لم يتركها الميت أصلًا، تلتقطون الصور على "البساط الأسود" الملطّخ بلون دم المبدعين الذين رحلوا مغاضبين، وتسمّونه مهرجانًا.أين أنتم من "المسألة الكبرى" ذلك العمل الذي هزّ الوجدان العربي حين صاغ مأساة الاستعمار بعدسةٍ عراقية واعية؟ أين أنتم من "الأسوار" الذي حبس المشاهد في زنزانة الواقع وأطلقه في فضاء الحرية، ومن "الحدود الملتهبة" التي حرقت وجوه الزيف وكشفت عبث السياسة بالإنسان؟ أين أنتم من "الحارس" الذي جعل الكاميرا عين الضمير، ومن "قطار الساعة سبعة" الذي اختصر رحلة وطنٍ بأكمله على سكّة من حديدٍ ووجع؟ تلك أفلام لم تكن صورًا متحركة فحسب، بل كانت تاريخًا ينطق وفلسفة تمشي على الشاشة.أما أنتم – يا من تتراقصون اليوم كعرائس خشب – فماذا قدّمتم؟ عشرون عامًا لم تخرجوا فيها بفيلمٍ واحد يستحق أن يُسمّى فيلمًا. ما صنعتموه ليس أكثر من "محاولات ميتة" ماتت خلف الظلال ولم يشيّعها أحد، أفلام أشبه بمسودّاتٍ لم تكتمل، وبكاء على أطلال عدسةٍ لم تُمسح منذ عقود. ومع ذلك، ترفعون الكؤوس في مهرجاناتكم، وتوزّعون الجوائز كما يوزّع الباعة المتجوّلون بطاقات شحن الهاتف، وتتباهون بتكريمٍ لا معنى له.
يا سادة، أنتم لا تحتفلون بالسينما، أنتم تحتفلون بفشلكم المزمن. تصفون أنفسكم بـ"نجوم الفنّ العراقي"، وأنتم لم تتركوا سوى رمادٍ في العيون. تقولون "أقمنا مهرجانًا للسينما"، بينما لا يجرؤ أحد منكم أن يسأل: أين هي السينما أصلاً؟ كأنكم تقيمون عرسًا بلا عروس، وتذبحون الخراف على شرف وليمةٍ لم تُطبخ. إنكم لا تمارسون الفن، بل تمارسون مهنة التهريج على فضائيّات الأحزاب، حيث تتحوّلون إلى "قرقوزات" تتقافز على الأوامر وتصفّق وفق الإيقاع المطلوب.
تاريخ السينما العراقيّة لم يُكتب في كتيّبات المهرجانات، بل كُتب بالدمع والعرق، بالمنفى والخذلان، بأسماء لن تتكرّر: يوسف العاني الذي جعل الكاميرا تنطق بلسان الشعب، فيصل الياسري الذي صاغ من المرارة حكايات، وقاسم حول الذي جعل العدسة تعكس صورة الوطن كما لو كانت مرآة الروح. هؤلاء لم يكونوا مهرّجين، ولم يقفوا على بساط أسود للعرض التلفزيوني، بل صنعوا أعمالًا تليق بالعراق، تليق بالوجع، تليق بالحلم.أما أنتم، فكلّ ما تملكونه هو القدرة على التمثيل الرديء خارج الشاشة: تمثلون أنّكم مبدعون، تمثلون أنّ لديكم أفلامًا، تمثلون أنّ للسينما العراقيّة حاضرًا، بينما حاضرها بين أيديكم لا يتعدّى صورًا في نشرة أخبار. أنتم كومبارس في مسرحٍ فارغ، لا بطولات فيه، ولا قصة، ولا حبكة. ومع ذلك تصرّون على رفع شعار "الفنّ باقٍ" وكأنكم تتحدّون قوانين الطبيعة. لا، أيها السادة، ما تبقى ليس الفنّ بل خيبتكم، وما يدوم ليس الإبداع بل رذيلتكم.
إنّ السينما العراقيّة اليوم لا تحتاج مهرجاناتكم الكاذبة، بل تحتاج صرخة ضمير، تحتاج مَن يعيد لها وهجها، تحتاج من يفتح نوافذها على قصص العراق الحقيقي: الحروب التي لم تنتهِ، المخدرات التي تنهش الشباب، تجارة الأعضاء، النزوح، الجوع، والموت على قارعة الطريق. تلك القصص لو جُسّدت لصارت ملاحم أسطورية تضاهي أعظم ما قدّمته السينما العالمية. لكنّكم أغلقتم الأبواب وفضّلتم النوم على وسادة "التكريمات" الوهمية.
وأخيرًا، اسمحوا لي أن أسألكم بمرارة: أين أنتم حين جرى هدم دور السينما في بغداد والبصرة والموصل وكأنها بيوت من ورق؟ أين كنتم حين تحوّلت القاعات التي شهدت أعظم العروض إلى مخازن بائسة أو مكاتب إدارية خاوية؟ أين ضمائركم حين صارت النقابة التي يفترض بها أن تحمي الفنّ، مجرّد ختمٍ رسميّ، ونقيبها تحوّل إلى مندوب سفر يجوب المهرجانات بحثًا عن صور تذكارية وترفيه شخصي، أكثر مما يجوب هموم الفنّ وهموم المبدعين؟فيا سادة، لا تقولوا بعد اليوم "السينما بخير"، بل قولوا "نحن قتلنا السينما وتركناها جثةً في منتصف الطريق". واحتفلوا بما شئتم، فالتاريخ سيمنحكم وسامًا واحدًا لا غير: درع الفشل الأبدي، ذلك الذي يليق بكم وحدكم، أما السينما العراقيّة الحقيقية، فهي أكبر من أن تُقاس بكم، وأعظم من أن تُدفن معكم.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء
- بين الشكّ والوفاء
- سَنا العيون


المزيد.....




- بيسان إسماعيل -متل الأميرة- ولحظات مؤثرة في حفل الـ - Murex ...
- محمود عباس يدعو -حماس- إلى -تسليم سلاحها-: -نريد دولة بقانون ...
- بمشاركة مستثمرين بينهم أوراكل وسيلفر ليك.. ترامب سيعلن قريبً ...
- ماكرون يعلن اعتراف فرنسا رسميا بـ-دولة فلسطين من أجل السلام- ...
- إسرائيل تؤكد عدم سماحها لسفن -أسطول الصمود- بخرق الحصار على ...
- أحمد الشرع يستبعد انضمام سوريا قريبا إلى -اتفاقات أبراهام- م ...
- إلى أي مدى سيتعمق الشرخ بين أوروبا وإسرائيل بشأن فلسطين؟
- كيف فسّر الأميركيون اعترافات -حلفائهم- بالدولة الفلسطينية؟
- كاتس يقتحم الحرم الإبراهيمي والجيش يهدم منزلَي منفذي هجوم ال ...
- تأجيل محاكمة رياك مشار نائب رئيس جنوب السودان


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-