أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة














المزيد.....

رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 00:06
المحور: قضايا ثقافية
    


يموت بعض الكُتّاب في الجسد، لكنهم يتركون حبرهم حيّاً، يصرّ على البقاء كعطرٍ في ذاكرة الورق. وها هو العراق يودّع واحداً من كبار أبنائه في بلاط الصحافة، الكاتب داود الفرحان، الرجل الذي كان يحوّل المقالة إلى مرآة، والمرآة إلى درس، والدرس إلى ومضة تكشف فساداً أو تفضح استبداداً أو تبتسم في وجه الخراب. لم يكن رحيله خبراً عادياً يمرّ في نشرات المساء، بل هو انطفاء فانوسٍ ظلّ لعقودٍ طويلة يضيء العتمة التي فرضتها الحروب والرقابة والخوف.عرفه القراء بصوته المجلجل في الصحافة العراقية والعربية، وبسخريته الذكية التي تحوّل الوجع إلى ضحكة عميقة تحمل ألف معنى. لم يكتب يوماً ليكون تابعاً، ولم يبع قلمه في سوق الولاءات، بل ظلّ حراً حتى وهو يُحاصر بالقيود. كان كتابه الشهير "بلد صاعد… بلد نازل" صورة مكثفة لرحلة العراق بين النهوض والانكسار، بين الحلم المجهض والواقع المثقل بالخذلان، بين الأمل في وطن يليق بأبنائه وبين الخوف من أن يكون المستقبل مرهوناً بخرائط الآخرين. لم يكن كتاباً فقط، بل شهادة مؤلمة ومرآة جريئة، وضع فيها الفرحان العراق أمام نفسه دون أقنعة.داود الفرحان لم يكن مجرد كاتب مقال يومي، بل كان أشبه بمؤرخ ساخر، يسجل الأحداث بلسان طريف لكنّه يخبّئ خلف الطرافة دمعة صلبة. كل سطر كتبه كان يفضح سلطة غاشمة أو يوقظ وعياً نائماً أو يداوي جرحاً في روح وطن تتنازعه الحروب والمحن. كان القلم في يده عصا الحكيم وسيف المقاوم وضحكة العارف التي لا تخدعها المسرحيات السياسية ولا يدهشها زيف الشعارات.
وحين نكتب عن رحيله، لا نكتب عن غياب جسدٍ وارى الثرى، بل عن حضورٍ ممتد في كل جريدة تصدر، وفي كل سطرٍ يحاول أن يقول الحقيقة رغم أنف الرقيب. رحل الفرحان جسداً، لكنه ترك لنا وصية مكتوبة بالمداد: أن نكون أوفياء للكلمة، وأن لا نستسلم لترويض السلطة ولا لفتاوى المهرجين ولا لأصوات النشاز التي تحاول إسكات القلم الحر.العراق، الذي عاش الفرحان يرصد صعوده وانكساره، يقف اليوم أمام مرآة رحيله ليكتشف أنه فقد شاهداً استثنائياً كان يرى أبعد من اللحظة، ويكتب بروح المثقف الذي لا ينحني إلا للحق. ومع كل وداع لكاتبٍ كبير، يتأكد لنا أن الكلمة أطول عمراً من صاحبها، وأن الموت لا يعرف كيف يطفئ الذاكرة.نم قرير العين يا داود الفرحان… فالقلم الذي علمتنا به شرف الكتابة سيبقى يضيء، حتى في زمنٍ يحاول فيه الظلام أن يكتب التاريخ بمداد الحقد والجهل.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء
- بين الشكّ والوفاء
- سَنا العيون
- يتيم
- السينما الموءودة
- التفاهة والسفاهة: السرطان الذي يأكل الأدب العربي في القرن ال ...


المزيد.....




- الهند تحذر من -عواقب إنسانية- لرسوم ترامب على تأشيرة العمالة ...
- بمشاركة أربعين سفينة.. -أسطول الصمود- يواصل الإبحار نحو قطا ...
- إسرائيل تطلب من ترامب الضغط على مصر بسبب -تعزيزات عسكرية-
- البيت الأبيض: هيمنة أمريكية على مجلس إدارة تيك توك في الولاي ...
- سوريا: مقتل سبعة مدنيين جراء قصف شنته قوات حكومية في شمال ال ...
- لوموند: الاعتراف بدولة فلسطين ضرورة لتفادي حرب لا نهاية لها ...
- ما رسائل نتنياهو من التصعيد بالضفة الغربية؟
- -ما وراء الخبر- يناقش رسائل التصعيد الإسرائيلية بالضفة الغرب ...
- مطار بروكسل يلغي الأحد 50% من الرحلات المغادرة بسبب الهجوم ا ...
- في حال إعادة فرض العقوبات الأممية.. إيران تهدد بهذا الإجراء ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة