أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - دول المذهب وعرش الدم














المزيد.....

دول المذهب وعرش الدم


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 09:55
المحور: قضايا ثقافية
    


حين يفتح المرء كتاب التاريخ الإسلامي، يجد نفسه أمام صفحات دامية، كأنها كُتبت بمداد من دماء الأبرياء لا بحبر المؤرخين. هناك تتجلى صورة دولٍ قامت على الولاء لأهل البيت، ولكنها سرعان ما جعلت من ذلك الولاء وسيلة للبطش، ومن المذهب سلّماً إلى الحكم، ومن القداسة غطاءً يبرر كل مجزرة. وكأن القدر أراد أن يكون العرش في تلك العصور لا يستقيم إلا إذا غُمر بالدماء، ولا يُحكم إلا إذا ارتفعت على جانبيه المقاصل، ولا يزدهر إلا حين يذوي الناس في سجونه.لقد بدأ الأمر بصرخة روحية حملت في جوهرها معنى الرحمة والعدل والمساواة، لكنها حين وقعت في أيدي الساسة والطامحين إلى الملك تحولت إلى نقيضها؛ إذ صار الإيمان سوطاً، والمذهب سيفاً، والولاء محكمة تفصل بين من ينجو ومن يهلك. فما كان الإنسان غايةً كما أراد الأصل الأول، بل صار وقوداً لمطامع السلالات، وذريعةً لمد نفوذها، ورقماً في قائمة الجثث التي تحرس العرش.في الشرق، حيث قامت دول عظيمة الأثر على أنقاض مدائن قديمة، بدا المشهد أشبه بمسرح دموي؛ قصور تتزين بشعارات آل البيت، وشوارع يملؤها العويل، ومقابر لا تكف عن الاتساع. كانت الشعائر هناك سياجاً للسلطة، تُستدعى في الخطب لتمنح الحاكم قداسة، لكنها في الواقع لم تمنع سوطاً من أن يلهب ظهر إنسان، ولا سيفاً من أن يقطع رقبة معترض. كل من تردد في الطاعة أو تجرأ على السؤال، كان نصيبه السجون أو المنافي أو الموت. ولقد غدت المدن في ظل تلك الدول خرائط من الخوف، تُضيئها المآذن من الخارج وتظلمها الجدران من الداخل.وفي الغرب، حيث البحر الأبيض المتوسط يعكس وجوه الخلافات، لم يكن الحال أهدأ. هناك برزت خلافة تتوشح بعباءة الدين وتزعم حمل راية الوحدة، لكنها انزلقت هي الأخرى في هوة الانقسام. مرة تتسامح مع خصومها فتفتح لهم باب الحوار، ومرة أخرى تضيق بهم ذرعاً فترفع في وجوههم راية التكفير. وبين المد والجزر كان الناس هم الضحايا، يدفعون ثمن التناقض، يعيشون في خوف دائم من أن تتحول الفتوى في ليلة واحدة إلى سيف يقطع أرزاقهم أو حياتهم.
أما في قلب الجزيرة، فقد خرجت حركة كالعاصفة، لا تعرف حرمةً ولا ترعى قداسةً. هناك طعنت السيوف الحجيج أنفسهم، وداست الأقدام حرمة البيت، وغدت الكعبة، أقدس مكان، ساحة صراع دموي. لم يكن الدين في تلك اللحظة سوى غطاء لمطامع الغزو، ولا الطقوس سوى أقنعة لنهب القوافل وسلب المدن. لقد سقطت الحدود الحمراء، وتحوّل الحج نفسه إلى موسم للقتل، كأن الطواف صار دائرة دم تحيط بالكعبة بدل أن تحيط بها قلوب مؤمنة.
وفي أعالي الجبال، حيث تتناثر القرى بين صخور شاهقة، ولدت طائفة أخرى صنعت لنفسها دولة من الرعب. لم يكن لها جيش جرار ولا عروش مترفة، لكنها امتلكت سلاحاً أشد فتكاً: الاغتيال في الظلام. هناك أصبح الخنجر رسولاً، والسمُّ لغةً، والقتل رسالةً تُحمل على أكتاف الدعاة. لم يكن أحد آمناً، فقد تمتد يدهم إلى قلب القائد في خيمته، أو إلى صدر التاجر في سوقه. كانت تلك الدولة الظل تمشي في الليل، فلا يراها أحد إلا حين يجد نفسه ضحية لها.إن المأساة الحقيقية أن هذه الدول جميعاً تشابهت في خيط واحد: أنها رفعت راية المذهب باسم الولاء لأهل البيت، لكنها لوّثت هذا الولاء بدماء الأبرياء. وهكذا تحولت الرسالة التي بدأت حباً إلى جرح، والدعوة التي انطلقت رحمة إلى مقصلة، والمذهب الذي أراد أن يكون شفاءً للقلوب إلى لعنة تجلد الظهور. وما بين قصور الحكم ومقابر الناس، ظل التاريخ يكتب صفحاته بحروف حمراء لا تجف.ولعل الدرس الأبلغ أن الإيمان حين يُستعمل سلعة في سوق السياسة، يفقد روحه. فالدين لله لا للعرش، والقداسة للرحمة لا للقتل، والولاء للمحبة لا للسيوف. لكن حين دخلت تلك المعاني في حسابات الملوك، صار الدين مطيةً، وصار المذهب أداةً، وصارت القداسة لعنةً، ووجد الناس أنفسهم أسرى لعبة لم يختاروها. وما أكثر ما دفعوا ثمنها من دمائهم وأعمارهم.اليوم، ونحن نقرأ ذلك الماضي، لا نقرأه كحكاية بعيدة، بل كتحذير يطل من أعماق القرون. فالتاريخ ليس ماضياً دفنته المقابر، بل هو جرس يرن في كل عصر ليقول: إياكم أن تجعلوا المذاهب عروشاً، أو تحوّلوا الطقوس إلى سيوف، أو تبيعوا الرحمة في أسواق السياسة. فالأوطان لا تُبنى بالدماء المسفوكة، ولا تُقام بالقبور المفتوحة، بل تُبنى بالعدل، وتزدهر بالرحمة، وتستقيم بالمحبة التي بدأت منها الرسالة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر
- ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم


المزيد.....




- بعد حوالي عام على سقوطه.. تداول صورة معلقة لبشار الأسد بمكتب ...
- إف-35 مقابل التطبيع؟ إسرائيل تضغط على ترامب قبل زيارة بن سلم ...
- قبيل التصويت الأممي.. نتنياهو يرفض دولة فلسطينية
- في مفهومِ القانونِ،
- التشيليون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية تهيمن عليها قضاي ...
- غزة: خطة ترامب للسلام على طاولة مجلس الأمن الإثنين
- غزة: هل يصوت مجلس الأمن لصالح مشروع خطة ترامب للسلام ؟
- بارو يرجح عودة بوعلام صنصال إلى فرنسا -في الأيام المقبلة-
- لا عقود لا قهوة.. -ثورة الكوب الأحمر- لعمال ستاربكس تشعل الم ...
- -تهجير منظم-.. رحلة غامضة من غزة تشعل غضب المنصات


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - دول المذهب وعرش الدم