أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر














المزيد.....

كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 15:13
المحور: قضايا ثقافية
    


في العراق، البلد الذي عُلّق على مشجب الأساطير، وغُمر ببحرٍ من النفط، وزُفَّ للعالم على أنه مهد الحضارة، تنكشف أمامنا فجأة أرقام ليست أرقاماً، بل طعنة في خاصرة التاريخ، طعنة تقول إننا لم نعش دولةً حقيقية منذ عقود، بل عشنا مسرحاً كبيراً يحكمه الوهم ويُديره الأشباح.فالمركزي العراقي بعد "توطين الرواتب" يعلن: هناك مليون وستمئة ألف موظف فضائي من أصل خمسة ملايين. أي نصف جسد الدولة يطفو في الهواء. نصف المؤسسات لم تكن تعمل أصلاً، نصف الأجور كانت تُصرف للعدم. والعدم ــ يا سادتي ــ لا يملأ جيوب الفقراء ولا يعمّر المدارس ولا يبني الجسور، بل يترك الشعب جائعاً في انتظار "المنّة" من نفس السلطة التي تنهب لقمة يومه.ثم يأتي تصريح أحمد الساعدي، مدير التقاعد الأسبق، ليكمل الصورة: مليون متقاعد إيراني ومصري وسوداني يتقاضون رواتب من خزينة العراق. أي أننا ندفع معاشات الغرباء بينما الأرامل هنا يتسولن في الأزقة، والأطفال يبحثون في النفايات عن كسرة يابسة. وهكذا يصبح المشهد أشد فداحة: مليونان وستمئة ألف شبح يعيشون على ظهر الدولة، يلتهمون من المال العام ما لا تلتهمه حرب.تأملوا الرقم: ثلاثون ترليون دينار سنوياً تذهب إلى الهاوية، وهو مبلغ يساوي موازنات سوريا ولبنان والأردن معاً. ولو مددنا الخيط عشرين سنة، لوجدنا أننا أضعنا ستمئة ترليون دينار في بند واحد، هو الرواتب الوهمية. أي أن العراق لم يُنهب فقط، بل أُفرغ كوعاء مثقوب، يُسكب فيه المال ليجري مباشرة نحو السراب.هذه ليست حسابات جافة، بل تراجيديا وطنية، مسرحية عبثية كتلك التي كتبها بيكيت أو يونسكو، لكننا لا نشاهدها على الخشبة، بل نعيشها على الأرض. المواطن هو البطل المصلوب الذي لا نصيب له سوى الانتظار، انتظار راتب لا يكفي، أو خدمة لا تأتي، أو دولة لا تولد.الحل؟ لا يُعقل أن يبقى الحديث عن "مكافحة الفساد" مجرد زينة لغوية في خطب الساسة. العراق يحتاج إلى عملية جراحية كبرى: إغلاق أسواق الوهم. أن تُقفل محلات بيع العمائم البيضاء والسوداء التي تحوّلت إلى تجارة رابحة، أن تُقفل مكاتب المراجع التي صارت مصارف بأسماء دينية، أن تُقفل المواسم التي تُقام باسم الحسين لكنها تُدار كمعارض اقتصادية ضخمة، أن تُقفل المزارات التي تحوّلت إلى مصائد للمال، وأن يُعاد الإنسان إلى معنى العمل والإنتاج.العراق لن ينهض ما دام أسيراً لاقتصاد الطقوس. النهضة الحقيقية أن يتحرر الشعب من عبودية الخرافة ويعود إلى المعمل والمزرعة والمصنع. أن يصبح كاليابان حين خرجت من هيروشيما وناغازاكي: دفنت رماد الحرب، وشيّدت من الصفر أمة تصنع حياتها.
اليوم العراق لا يملك ترف الانتظار. إما أن يتحرر من أشباحه، أو يتحول هو نفسه إلى شبح في ذاكرة الأمم. والحرية هنا ليست شعاراً سياسياً، بل ضرورة بيولوجية، ضرورة للبقاء. فإما أن يقطع الشعب حباله مع الوهم، أو سيظل يدفع كل يوم فاتورة العبودية.إنها ليست أرقاماً فقط، بل مرآة وجودية تقول: الوطن يضيع بين يديك أيها العراقي. والاختيار أمامك، إما أن تبقى رهينة لسراب العمامة والسبحة والمزار، أو تخرج إلى الشمس لتبني بيديك عراقاً يشبهك. عراقاً لا يطعم الغرباء والأشباح، بل يطعم أبناءه ويمنحهم معنى أن يكونوا أحراراً.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ملحمة السيوف والنار… ذكرى الرد العراقي على العدوان الإيراني
- -مهرجان بغداد السينمائي… احتفال بالصدى الفارغ-
- مأساة المبدع بين حياةٍ يُغتال فيها وموتٍ يُستثمر فيه
- موازنة 2025… لمن ذهبت؟ بجيب الفأر أم بجيب الجار
- رحيل داود الفرحان… حين يغادر القلم وتبقى الذاكرة
- العراق: عبث الوجود وفلسفة البقاء
- إلى المجهول… حيث تُساق إيران وحدها
- موتٌ واحد بشرف… ولا حياة بألف خيانة
- حين يغتسل التاريخ في طين الذاكرة
- بين النص والسلطة: حرية الأمة ومصير العقل
- يا ربّ، لا أحتملُ عينيها
- -طقوس الجسد وديانة القبلة-
- العراق بين صناديق الموت وأقنعة الخيانة-.
- المحطات المغبرة… دموع على أطلال الحرب
- -النجوم التي تعبت من الحراسة-
- العالم على شفا الحافة.. سردية النار والظل
- -الصمت وطن الأرواح-
- -مجرّتان في عينيها-
- نوافذ العدم
- العراق بين سُمّ المخدّرات وسوق الأعضاء


المزيد.....




- إطلالات النجمات في اليوم الوطني السعودي بين التراث والحداثة ...
- زي أبيض وورود حمراء..إطلالة رومانسية لكيم كارداشيان في شوارع ...
- شاهد.. رئيس وزراء فرنسا الأسبق يحذر من امتداد حرب غزة ويدعو ...
- اقتلاع أشجار الزيتون وتزايد هجمات المستوطنين على قرية المغير ...
- إعصار راغاسا يضرب الفلبيين ويعطل الحركة جنوب الصين
- فتاة إسرائيلية: لقد حولنا المباني إلى ركام في رفح جنوب غزة و ...
- ديمبيليه -أكثر لاعب ضارب لتوازن- الخصوم في العالم يعانق -الك ...
- شاهد.. رونالدو في مشهد تمثيلي يستحق الأوسكار
- معاريف: اعتراف بريطانيا وكندا وأستراليا بفلسطين تآكل لحصانة ...
- وفاة مفتي السعودية الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - كارثة الأشباح والعبيد في عراق الهدر