أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم














المزيد.....

أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8489 - 2025 / 10 / 8 - 16:08
المحور: قضايا ثقافية
    


التاريخ ليس دفترًا جامدًا نطوي صفحاته ونركنه فوق الرفوف، بل هو كائنٌ حيٌّ يتنفس في كل لحظة، يعود ليتحدث إلينا حين نظن أننا تجاوزناه. والعراق، مذ خرج من رحم الملكية إلى ساحات الجمهوريات، كان دائمًا مرآةً تعكس مزيجًا من القوة والاضطراب، من البناء والهدم، من الهيبة والانكسار.
كان العهد الملكي، على ما فيه من نفوذ خارجي، صورةً لدولةٍ فتية تتعلم الوقوف على قدميها. كانت هناك مؤسسات تُبنى وقوانين تُسنّ وحياة سياسية تتشكل بخطوات متعثرة لكنها تمضي إلى الأمام. ثم جاء تموز 1958 ليقلب الصفحة، فسقط التاج وارتفعت رايات جديدة، وابتدأت قصة الجمهورية بدماء لا تزال تسكن الذاكرة. لم تكن الرحلة سهلة، لكنها زرعت في وجدان الناس فكرة أن العراق قادر أن يقف وحده دون وصاية.ثم تعاقبت الانقلابات حتى استقر الأمر على عهدٍ عرف الناس فيه الحزم والصرامة، عهدٌ فيه حضور الدولة صار أوضح من أي وقت مضى. كان النظام شديدًا، نعم، لكن العراق في تلك الحقبة كان له صوتٌ مسموع وهيبةٌ لا تُنكر. قد يختلف الناس في تقييم التفاصيل، إلا أنهم لم يختلفوا أن العراق يومها كان دولةً بمؤسساتها وحدودها وصورتها الماثلة في العالم. كان الأطفال يتعلمون معنى الانتماء من وجوهٍ مطبوعة على دفاترهم، وكان الشعراء يرفعون أصواتهم تحت ظلالٍ قوية، هيبة السلطة فيها بقدر ما هيبة الوطن. وربما بالغت السلطة في حضورها، لكن ذلك الحضور لم يمنع النهر من أن يجري ولا الدولة من أن تبقى متماسكة.غير أن الانكسار الحقيقي لم يكن في الماضي، بل في الحاضر الذي تداعى بعد عام 2003. حين دخل العراق فصلًا جديدًا قيل إنه فصل الحرية، فإذا به يتحول إلى مسرحٍ للفوضى. تحولت الديمقراطية إلى واجهةٍ تُدار من خلفها صفقات المحاصصة، وصارت الدولة أشلاءً تتقاسمها الأحزاب، كل حزبٍ يظن أنه وريث الوطن، بينما الوطن يتآكل من الداخل. لم يعد النفط للشعب، بل صار للدوائر المغلقة. لم تعد الكرامة محفوظة، بل صارت ورقةً يتلاعب بها الساسة كما يتلاعب اللاعبون بأقدامهم على طاولة النرد.
ومن هنا خرجت تلك العبارة التي تتردد في أزقة المدن: "أنتخبهم". ليست كلمة عابرة، بل نشيدٌ ساخرٌ يتردد في حياة الناس. أنتخبهم حتى أدفع دم قلبي على دواء ابني. أنتخبهم حتى أُسلخ كل صيف بحرٍّ خانق وأدفع للمولدة كجزيةٍ شهرية. أنتخبهم حتى أشرب من نهرٍ صار مرقدًا للسموم. أنتخبهم حتى يكبر قصرهم ويصغر بيتي. أنتخبهم حتى تتبخر الموازنة وتبقى ديوني حاضرةً على باب كل مؤسسة. أنتخبهم حتى يزدهر وهمهم وأظل أبحث عن رغيفٍ أشتريه بثمنٍ مضاعف.هكذا تحولت الديمقراطية إلى صفقةٍ مكشوفة: يبيعونك شعاراتٍ ويشترون بها صوتك، يمنحونك وعودًا صغيرة ليسرقوا وطنًا كاملًا. ليست الكارثة أنهم كذبوا، بل أن الكذب صار نظامًا. ليست المصيبة أنهم أخطأوا، بل أن الخطأ صار دستورًا مكتوبًا بدماء الناس.إن ما بعد 2003 لم يكن انفتاحًا على الحرية بقدر ما كان انفتاحًا على أبوابٍ مشرعة للفوضى. لم تعد الدولة مظلةً للجميع، بل صارت حصصًا في سوقٍ يتقاسمه تجار السياسة. صار المواطن لا يعرف إن كان مواطنًا بحق، أم مجرد رقمٍ في دفتر انتخابي، يُستدعى كل أربع سنوات ليهتف ثم يُلقى به إلى طابور النسيان.وها هو السؤال الفلسفي يطل برأسه: أكان الماضي بخيره وشره أكثر رحمةً من حاضرٍ أضاع معناه؟ وهل الحرية الموعودة التي جاءت بعد 2003 حررتنا حقًا، أم قيدتنا بقيودٍ أعمق وأثقل؟ إن الحرية بلا مؤسسات صلبة تتحول إلى وهم، والديمقراطية بلا نزاهة تتحول إلى أداة للفساد، والوطن بلا عدالة يتحول إلى أرضٍ معروضة في المزاد.
أكتب لأقول إن العراق لم يفقد ماءه وكهرباءه فحسب، بل فقد المعنى: معنى الدولة، معنى الانتماء، معنى أن تكون للمواطنة قيمة. وإذا كانت الأوطان لا تُباع، فإننا نراها تُباع اليوم في سوق الوهم بأثمانٍ بخسة.وهنا يصير العنوان صرخةً لا مجرد جملة: "أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم."لأن الوهم صار سلعةً رائجة، والسياسي صار تاجرًا بارعًا، والشعب — للأسف — صار الزبون الأكثر وفاءً.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة
- البؤس العربي وفقدان الحياء: صرخة في وجه الرذيلة
- -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسا ...
- نهداكِ… حين يغنّي البنفسج


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يكشف لـCNN ما تُركّز عليه مفاوضات شرم الشيخ
- من هي جورجيا ميلوني التي أعلنت اتهامها بالتواطؤ في ارتكاب -إ ...
- نقاط التعثر المحتملة في صفقة تحرير الرهائن في غزة - مقال في ...
- السيسي متفائل بالتوصل لاتفاق نهائي بشأن غزة وحماس تريد ضمانا ...
- الإفراج عن الفرنسي الألماني لينارت مونتيرلوس المحتجز في إيرا ...
- مسؤولون أمريكيون وأتراك وقطريون ينضمون للمباحثات بشأن غزة.. ...
- فلسطينيو الضفة الغربية: حياة تحت التهديد والاعتداءات ومصادرة ...
- 252 صحافيا قتلوا قي غزة منذ السابع من أكتوبر 2023
- فرنسا تقترب من توافق ينهي أسوأ أزمة سياسية منذ عقود
- دمار وقتلى بقصف روسي أوكراني متبادل وتبدد زخم جهود ترامب للس ...


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم