أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟














المزيد.....

لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:36
المحور: قضايا ثقافية
    


إنه السؤال المسموم الذي يجرح فينا شريان الحقيقة ويعيدنا كل مرة إلى مرايا مكسورة من تاريخٍ صنعناه بجباهنا المثقوبة، ثم زيّناه بالذهب الكاذب لنبيعه للناس على أنه مجد. منذ قرون والأمة العربية تعيش على أوهام النصر المزوّر، كمن يلبس ثوبًا مرقّعًا ويصرّ أن يقنع العالم بأنه منسوج من حرير دمشق، فيما يراه العابر مجرد قماش بالٍ لا يستر عورة. نحن شعوبٌ تتقن البكاء وتتعلم الإنشاد في المآتم، ثم نخرج من المقبرة ونحن نرفع أصابع النصر، وكأننا لم ندفن قبل لحظة طفلًا اسمه "الكرامة" أو أمًا اسمها "العزّة".في بدرٍ كنّا النور، وفي اليرموك كنّا الطوفان، لكن ما لبثنا أن خسرنا الأندلس ثم غطّينا خيبتنا بعباءة الشعر والقصائد، وكأن بيتًا من قصيدة المتنبي يُعيد لنا فردوسًا مفقودًا. سقطت بغداد مرتين، الأولى تحت سيوف المغول والثانية تحت دبابات الغرب، وفي المرتين خرجنا نهتف: "لم يُهزم العرب". أيُّ عبثٍ هذا؟ أيُّ خداعٍ نمارسه على أنفسنا؟ ألسنا نحن الذين فتحنا الأبواب للغزاة ثم ادّعينا البطولة؟ ألسنا نحن الذين باعوا القدس ثم علّقوا مفاتيحها على صدورهم كقلادة مقدسة وهم يعلمون أنهم لن يعودوا إليها؟..التاريخ يوجعنا لأنه مرآة لا تعرف التجميل. فكلما سقطت عاصمة لنا، صنعنا منها ملحمة وهمية وكتبنا في كتب المدارس: "لقد انتصرنا"، بينما يعرف أطفالنا أن مدينتهم تحت الاحتلال، وأن أباهم مقتول، وأن أمهم تنتظر إعاشة من المنظمات الدولية. نعيش في أكاذيب تشبه أفيونًا تاريخيًا نتعاطاه لكي لا نصحو على حجم الخسارة. نصنع من كل طعنة غدر وسامًا للشرف، ومن كل مذلة عرشًا نتباهى به، ومن كل احتلال "مرحلة انتقالية" نحو التحرر، لكنها انتقالية دائمة لا تعرف وصولًا.
من مصلحة من أن نُسَوّق لخساراتنا على أنها فوز؟ من المستفيد من جعل الخراب عيدًا، والجوع بطولة، والذل حكمة سياسية؟ الحكّام الذين لا يريدون أن يواجهوا شعوبهم بالحقيقة، المثقفون المزيفون الذين يكتبون للمجدورين قصائد في جمال وجوههم، والشعوب التي فضّلت أن تصدق الكذبة لأنها أقل وجعًا من مواجهة الحقيقة. إنها لعبة متقنة، لعبة تحويل العار إلى قصيدة، وتحويل الخيانة إلى دهاء، وتحويل الانبطاح إلى سياسة.في كل مرة نُهزم فيها، نفتح أبواب الإعلام لنغرق الناس بخطابات الانتصار. نسمّي الانسحاب "إعادة تموضع"، نسمي الهزيمة "تكتيكًا استراتيجيًا"، نسمي القتل "تضحيات من أجل المستقبل"، ثم نخرج إلى الشارع لنصفق لأننا صمدنا. هل الصمود أن نبقى أحياء بعد أن فقدنا الأرض والعرض؟ هل النصر أن نُسلّم مدننا ونكتب عنها في كتب التاريخ كأنها عروس في ثوب أبيض؟ إننا أمة استسلمت للفقد ثم قررت أن تعيش في وهم الانتصار، لأن الحقيقة مرة، ولأن الاعتراف بالهزيمة يحتاج إلى شجاعة نحن نفتقدها.كل الأمم حين تنهزم تعترف بخسارتها لتتعلم منها وتنهض، إلا نحن، نحمل الهزيمة على أكتافنا ونرفعها فوق الرؤوس كما تُرفع راية العرس. نصير أضحوكة أمام العالم، وأبناء جلدتنا يركضون وراء السراب الذي نصنعه. هكذا تحولت هزائمنا في 1948 و1967 و2003 وما بعدها إلى انتصارات وهمية في إعلامنا، بينما يعرف كل طفل فلسطيني وعراقي وسوري أن الحقيقة أبشع من أن تُقال.
الجرأة الحقيقية ليست في تزيين الخيبة، بل في تسميتها باسمها. الهزيمة هزيمة، والعار عار، والانكسار انكسار. نحن لا نحتاج إلى شاعر يكتب لنا نصًا يغطّي به عورة السقوط، بل نحتاج إلى جيل يواجه الحقيقة العارية ويصرخ: كفى. نحتاج إلى أن نكسر هذه الدورة الجهنمية التي تجعل منّا مهزومين دائمًا ومحتفلين دائمًا، وكأننا مرضى بمتلازمة "الفرح بالهزيمة".إن من يبيع هزيمته على أنها نصر لا يضحك على الآخرين، بل يضحك على نفسه أولًا. ومن يسوّق للضعف على أنه قوة، يكرّس الاستعباد أكثر. نحن نصنع قيودنا بأيدينا، ونصبغها بألوان زاهية، ونقول للناس: انظروا، هذه أساور ذهبية، بينما هي سلاسل العبودية.
وحدها الحقيقة المؤلمة هي التي تحرّر. الهزيمة يجب أن تُعاش كجرح مفتوح حتى نتعلم كيف نمنع نزيفه في المستقبل. لكننا أمة تتقن إغلاق التوابيت بالزهور، ثم تقول: ها نحن انتصرنا.فإلى متى سنظل نرقص في جنازاتنا وننشد للنصر الكاذب؟ إلى متى سنظل نحيا على فتات الخداع، ونسوّق لهواننا وضعفنا على أنه بطولة؟ وإلى متى سيظل أطفالنا يرثون الخراب ونحن نسلّمهم مفاتيح قلاع لم تعد موجودة؟..إن الهزيمة التي نعترف بها أشرف من النصر الذي نزيفه. والدمعة الصادقة أنقى من ابتسامة زائفة. فلتكن لنا شجاعة أن ننظر في المرايا المكسورة دون أن نبحث عن زجاج يلمع في الوهم. فالتاريخ لا يرحم، والكذب لا يبني أوطانًا، والمهزوم لا يصير منتصرًا إلا إذا واجه نفسه بالحقيقة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة


المزيد.....




- لحظة إعلان فوز الفنزويلية ماريا كورينا ماتشادو بجائزة نوبل ل ...
- المشاركة إلزامية.. كوريا الشمالية تُقيم احتفالاً ضخمًا في ذك ...
- من أبرز الموجودين والغائبين؟.. إسرائيل تنشر قائمة كاملة بـ25 ...
- الناتو يُجري مناورات نووية واسعة النطاق بمشاركة 14 دولة وأكث ...
- -انتهى الأمر، لكن الغزيين ما زالوا يخشون المستقبل- – مقال في ...
- وزير الخارجية السوري في لبنان في أول زيارة لمسؤول كبير منذ س ...
- بعد تصويت وبالإجماع.. البرلمان في البيرو يعزل رئيسة البلاد د ...
- زمن الأزمات والحروب.. كيف تحمي نفسك من الأمراض النفسية؟
- هكذا علق البيت الأبيض على عدم فوز ترامب بجائزة نوبل للسلام
- الشرطة الإسرائيلية تكشف الموعد المتوقع لزيارة ترامب والإجراء ...


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟