أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - غزة: أنين الروح المحاصرة














المزيد.....

غزة: أنين الروح المحاصرة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 00:31
المحور: قضايا ثقافية
    


غزة اليوم ليست مدينة، بل جسد يتنفس الجرح، وكل شارع فيها ينبض بالحزن كما لو كان شريانًا مندمجًا في قلب الأرض، والبيوت المهدمة فمٌ يئن من صمت الفقد، والجدران التي انهارت تحكي قصص أطفال لم يعرفوا الحياة، ونساء لم تعرف أيديهن الدفء، والشوارع تتلوى من وطأة الخراب كما لو كانت شعورًا حيًا يرفض الانحناء، وكل نافذة مكسورة تفتح بابًا على صرخة لم تُسمع بعد. الرياح تعزف على أنابيب البيوت المدمرة لحنًا لا يفهمه إلا من عاش الموت مع كل شروق، والضوء الذي يتسلل عبر الشرفات المحطمة يختلط برماد الأيام ليشكّل وجوهًا بلا أسماء وجراحًا بلا بداية أو نهاية، كل رقم في لائحة الموتى ليس مجرد رقم، كل بيت منهار ليس مجرد حجر، كل طفل بلا مأوى ليس مجرد إحصاء، كل شيء هنا دم على صفحات الوجود، خطوط حمراء على جسد الحياة، وسطور من الفقد والخذلان تروي حكايات أرواح تركها العالم تواجه الألم وحدها.حين يفتح الغزي نافذته، لا يرى إلا الرماد بدل السماء، وحين يمد يده، لا يلمس إلا ظل نفسه المنهك، وحين يبحث عن أفق، يلتقي بجدارين متوازيين يلتصقان في زاوية الليل: جدار الاحتلال وجدار الخذلان، لا فرق بينهما سوى في الطريقة التي يطعن بها الحلم. غزة ليست حصارًا فقط، بل تجربة وجودية صارخة، تختبر حدود الحياة والموت، الأمل واليأس، الإنسانية والسياسة، كل شيء فيها سؤال بلا جواب، كل حجر فيها شهادة، وكل نافذة مكسورة مرآة للحياة التي رفضت الاستسلام.
في غزة، الأطفال ينامون قبل أن يُدفنوا، والنساء الثكالى تعلق صورهنّ على جدران الحزن كأنها لافتات للصبر، والشوارع تترنح من وطأة الدمار، والبيت الذي انهار هو حلم لم يولد بعد، والرمل الذي يغطي الأرصفة كأنه دم يغطي أرواحًا تئن، الحصار أشد من القيود، والظل الذي تُلقيه القوى الإقليمية أثقل من الطين، غزة مختبر دم تُجرب فيه الشعارات والأسلحة، الضحايا هنا من لم يختاروا أن يكونوا جزءًا من التجربة، البشر في هذه المدينة تركوا ليواجهوا النار وحدهم، لم يُعطوا غير صمت السماء، ولم تُنصفهم قوة سوى حضورهم المتواصل، كل يوم يُضاف جناح جديد إلى متحف الألم المفتوح على العالم، كل يوم يتراكم دم الأطفال كحروف لم تُكتب بعد، وكل جدار يصبح شاهداً على تجربة الإنسان الذي يُترك وحيدًا بين نارين، نار الاحتلال ونار من يدّعون نصرة القضية، الدم الفلسطيني ورقة مساومة، الطفل في خيمة بلا غطاء هو الخاسر الأبدي في لعبة أكبر من غزة نفسها، الأرض تصرخ باسم أصحابها، والسماء تراقب بصمت، والروح الفلسطينية تصرخ أنا هنا رغم كل الخراب، رغم كل الألم، رغم كل الخذلان.كان حلم الغزيين السماء، فإذا بهم يُساقون إلى سراديب الأرض، كان الأمل أن تكون المقاومة جسرًا للكرامة، فإذا بها عبء ثقيل تُرمى عليه القوى الإقليمية، كل واحدة تبحث عن مصالحها فوق ركام البيوت، غزة اليوم روح عظيمة محاصرة في جسد منهك، تصرخ في وجه العالم: كفى شعارات، كفى وعود، أريد أن أعيش، أريد أن أتنفس، أريد أن أرى السماء ولو للحظة واحدة، أريد أن أمسك بيدي حياة حقيقية لا مجرد رماد وذكريات.غزة ليست مجرد مدينة، بل قصيدة لم تُكتب بعد، نغمة حزن تعزفها الرياح على أوتار حجرها، دمها يُنسج على صفحات العالم كأنه يحاول أن يقول أنا موجودة، أنا أصرخ، أنا أعيش، وكل يوم رغم الخراب، رغم الحصار، رغم كل الجراح، ترفض غزة الانحناء، تصر على أن تكون حضورًا حيًا، شاهدة على أن الحياة أقوى من كل ما يحاول طمسها، كل زاوية فيها، كل شارع، كل صرخة طفل، كل حجر، كل نافذة مكسورة، كلها فلسفة الموت والحياة، صمت الأمل وسط جحيم الحرب، حضور غائب للقيم الإنسانية التي تجاوزتها السياسة، غزة روح تعيش رغم كل شيء، غزة جسد يتنفس الألم، غزة قلب ينبض بالحياة، غزة صرخة صامتة تقول أنا هنا، أنا أصرخ، أنا أعيش.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب
- عطر الكتب القديمة… حوار بين الغبار والخلود
- مكتبة الأسرار الكونية
- بغداد حين تعيد للعتمة صوتها.. مسرح الطيب على ضفاف دجلة
- البؤس العربي وفقدان الحياء: صرخة في وجه الرذيلة
- -بين دم الأرض وحديد السماء: تأملات في صراع القوى ومآل الإنسا ...


المزيد.....




- بعد دعوة السيسي.. أول تصريح لترامب بشأن إمكانية زيارة الشرق ...
- قصف مستشفى في الفاشر.. عشرات القتلى والجرحى ونكبة إنسانية تت ...
- اختطاف أطفال وقتل معلمة: سوريا تغرق في دوامة انفلات أمني
- ألمانيا: نجاة عمدة هيرديكه من الموت والسلطات تشتبه في ابنتها ...
- ما نعرفه عن الرهائن المحتجزين في غزة
- روسيا: زخم لقاء بوتين وترمب تبدد ونعرف كيف نتعامل مع -توماهو ...
- وصول 200 عنصر من الحرس الوطني إلى مقربة من شيكاغو
- رئيس تايوان يغازل ترمب بجائزة نوبل للسلام
- توقيف 8 عاملين بمنظمة إنسانية بينهم 3 أوروبيين في بوركينا فا ...
- إثيوبيا في رسالة إلى غوتيريش: إريتريا تستعد للحرب


المزيد.....

- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - غزة: أنين الروح المحاصرة