أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان














المزيد.....

حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 07:52
المحور: قضايا ثقافية
    


في كل عصرٍ تخرج الفتنة من مكمنها كحيةٍ غافيةٍ على صدر التاريخ، ترفع رأسها حين تتصادم المصالح وحين تشتد شهية الساسة إلى دماءٍ جديدة يسكبونها باسم الإيمان وباسم الوطن وباسم الطائفة التي لم تطلب يومًا أن تُجعل سيفًا على رقاب الآخرين. ليست الفتنة بنت اليوم، ولكنها ابنةُ عائلةٍ قديمةٍ في دهاليز الحكم، تتغذّى من لحم الشعوب وتشرب من نهر الدموع. كل من لبس عباءة السلطة وجد نفسه بين خيارين: أن يكون نبيًّا زاهدًا في الكرسي، أو أن يصبح تاجرًا بدماء الناس، وغالبًا ينتصر السوق على الزهد وينكسر المبدأ أمام دنانير النفوذ.
يتحدثون باسم الدين والدين منهم براء، يبكون على الحسين في النهار ويقتلون الحسين في الليل، يتغنون بعدل عليٍّ ثم يطعنون في عدل من أحبّ عليًّا، يقدّسون فاطمة ثم ينسون أن فاطمة كانت أمًّا قبل أن تكون رمزًا، وأنها تبكي اليوم من خلف الغيم على أمةٍ أحرقت بيتها المعنوي لا بيد عدوٍّ خارجي بل بأيدٍ تلوّنت بلون المذهب وراية العصبية.من الذي أجاز للسانهم أن يتحدث باسم الله بينما يُخرسون ألسنة الآخرين إذا ما تكلّمت عن وجعٍ بسيط؟ من منحهم إذن القول في الطهارة والرجس وهم يغرقون حتى أكتافهم في مستنقع السياسة؟ يتحدثون عن الجنة والنار كأنهما مزرعتان تابعتان لحزبٍ حاكم، يدخلون من يشاؤون ويُخرجون من يشاؤون، يوزّعون صكوك الغفران على طريقتهم ويستوردون الوطنية من الشرق والديمقراطية من الغرب ثم يجلدون بها ظهور الناس.الذين أوقدوا الفتنة لم يكونوا عوامّ الناس بل هم الذين يعرفون مفاتيح الخطاب ومخارج الحروف، يعرفون أن الكلمة حين تخرج من فم رجل سلطة تصبح رصاصةً إن لم يزنها بميزان الضمير، ومع ذلك يُطلقونها بلا حساب لأن الدماء عندهم أقل ثمنًا من الكرسي، ولأن الذاكرة الجمعية عند الشعوب تُغسل كل أربع سنوات بصندوق اقتراعٍ مشوبٍ بمداد الخوف.
من الغريب أن من يُذكّر بالعدل يُتّهم، ومن يُنادي بالمساواة يُخوَّن، ومن يقول إننا جميعًا أبناء محمدٍ وآل محمدٍ يُصنَّف في خانة المشبوه، أما من يشتم الصحابة علنًا أو يقدّس القتلة سرًّا فهو صوت مقاوم! هذه هي المفارقة التي تعيشها الأمة: ميزان مقلوب وسيف مكسور وضميرٌ يُباع في المزاد السياسي بأسماءٍ مقدسة.نحن لا نكره أحدًا ولا نطعن في طهارة من طهرهم الله، نحن فقط نرفض أن يتحول الحب إلى أداة تحريض، وأن يصبح الدفاع عن أهل البيت غطاءً لنهب بيت الأمة، نحن نعشق عليًّا الذي كان إذا قاتل في سبيل الله عاد ليخيط ثوبه بيده، نحب عمر الذي أقام دولةً بلا قصور، ونقدّس فاطمة التي علّمتنا أن الطهر لا يُكتسب من النسب بل من الفعل، ونجِلّ عائشة التي بكى لها الوحي لا كما يصورها الحاقدون حين يعجزون عن فهم النور.إنها ليست معركة بين سنة وشيعة بل بين من فهم الدين روحًا ومن جعله مؤسسة سياسية، بين من أراد من الإسلام سلوكًا ومن أراده سلطة، بين من رفع راية المحبة ومن نصب أعواد الكراهية.أما نحن فنبقى أبناء المزيج الذي أراده الله للأمة: نورٌ من بيت محمد، وعدلٌ من سيف عليٍّ، وصدقٌ من أبي بكر، وحزمٌ من عمر، وحكمةٌ من عثمان، ورحمةٌ من الحسين. نحن لا نُشبه أحدًا، نحن نُشبه الإسلام كما نزل لا كما فُسِّر بعد الفتنة الأولى.في النهاية، الفتنة لا تسكن في النصوص بل في النفوس، وما دام هناك سلطانٌ يعتاش على الخوف سيبقى يشعل النار في قلوب الناس ليصنع منها دخانًا يغطي عوراته، لكن الشمس لا تختبئ خلف الغبار طويلًا، والتاريخ لا يرحم من جعل من الدين تجارة ولا من الطائفة رايةً للذبح.
وسيبقى الوعي – وإن تأخر – هو الصرخة الأخيرة في وجه المعبد السياسي الذي تكلّست في جدرانه أصوات المساكين، وحين ينهض هذا الوعي ستسقط الأقنعة ويعود الإسلام كما وُلد أول مرة: نورًا لا يُقسم، وحبًّا لا يُستعار، وبيتًا يسكنه الجميع دون مفاتيح.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...


المزيد.....




- فيديو يظهر كيف غيّر ترامب مواقفه باستمرار بشأن أوكرانيا
- التعرف على هوية جثة الرهينة العاشر الذي عاد إلى إسرائيل من غ ...
- العراق يستعد لانتخابات برلمانية وسط مقاطعة التيار الصدري وتح ...
- الولايات المتحدة: توقيف فلسطيني متهم بالمساعدة في تنفيذ هجوم ...
- عاجل | مسؤول حكومي أفغاني للجزيرة: 17 قتيلا و14 جريحا إثر غا ...
- ما حقيقة الحرس الوطني ومدى تحكمه بمفاصل السويداء؟
- لا ملوك في أميركا.. ترامب على موعد مع -زحف غاضب-
- أجنحة عارضة الأزياء من أصول فلسطينية بيلا حديد تشعل تفاعلا ب ...
- الأردن: توقيف51 طالبا على خلفية مشاجرة واسعة في جامعة
- إليكم 3 مؤشرات على سبب استمرار صمود وقف إطلاق النار في غزة ح ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان