أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدار القلب














المزيد.....

سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدار القلب


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 10:19
المحور: قضايا ثقافية
    


في البدء كانت البصرة... مدينة النخل والماء، المولودة على ضفة اللغة، والمحمولة على ظهر التاريخ كأنها سفينة نوحٍ للروح العراقية. هناك، بين أسيافها التي تشبه الأوتار، ونسيمها الممزوج برائحة الطين والبحر، كانت البذرة الأولى لروحٍ عراقيةٍ ستكبر لتغدو حكاية من وجعٍ ودهشةٍ ونور.من هناك خرج سامي آغا شامي الجيزاني، ابن العمارة مولدًا عام 1955، وابن البصرة انتماءً، وابن العراق وجعًا وكتابةً ومصيرًا.لم يكن الجيزاني طفلًا عاديًا، كان يشبه أبناء النهر الذين يولدون من رحم الماء ويعودون إليه كلما ضاقت الأرض. منذ صغره حمل ملامح الحالمين، أولئك الذين ينظرون إلى الأفق بعينٍ لا ترى حدودًا، ويقرأون في الموج قصائد لا تُكتب. وعندما انتقل عام 1969 إلى محافظة البصرة، كان كمن يعبر من الطفولة إلى العالم، من ضفة الوجود الأولى إلى اتساع المعنى. هناك تفتّحت في داخله بذور المعرفة الأولى، حتى تخرّج من الإعدادية المركزية عام 1973، ليبدأ رحلته الأكاديمية بين المختبر والخيال.
نال بكالوريوس الطب والجراحة البيطرية عام 1979، لكنه لم يتعامل مع الكائنات بوصفها موضوعات علمية فحسب، بل كان يرى فيها امتدادًا للإنسان في ضعفه وغرائزه وحاجته إلى الحنان. ثم تابع دراسته ليحصل عام 1982 على ماجستير في الفسلجة والأدوية (الفارماكولوجي)، غير أن العراق في تلك السنوات كان يغلي كقدَرٍ فوق نار الحروب، فاختار الهروب لا خوفًا بل بحثًا عن الحياة، عن فسحةٍ تنقذه من ضيق الجغرافيا والموت.عام 1983، قطع الطريق إلى الحرية مشياً على الأقدام عبر جبال كردستان، كمن يعبر الأسطورة. خلفه وطنٌ يشتعل وأمامَه منافٍ بلا أسماء. حمل حقيبته الصغيرة ودفتر ملاحظاته وبعض الصور، وترك خلفه كل شيء إلا صوته الداخلي الذي ظلّ يقول له: "لا تترك العراق، خذه معك".
وصل إلى إيران حيث عمل في وزارة الصحة الإيرانية بين عامي 1983 و1985، لكن الغربة لم تكن مهنةً يمكن التأقلم معها، بل جرحًا يتجدد كل صباح.تلك السنوات كانت امتحانًا قاسيًا، غير أنها أيضاً شكّلت نواة تجربته الإنسانية والفكرية. من هناك بدأت تتكوّن في داخله لغةٌ مختلفة، لغة المنفيين الذين يكتبون بالحنين ويعيشون في الذاكرة. ثم حمله القدر إلى مدينةٍ بعيدة، إلى مانشستر في إنكلترا، حيث استقر ليصبح جزءًا من جغرافيا الغربة الدائمة. ومع ذلك، ظلّ قلبه عراقيًا، دافئًا كفرات السيّاب، صلبًا كطين العمارة، رقيقًا كصوت البصرة حين تنام على كتف الفرات.
في مانشستر لم يبحث الجيزاني عن وطنٍ بديل، بل عن طريقةٍ للبوح، فكانت الكتابة خلاصه الروحي. تحوّل من طبيبٍ إلى كاتبٍ يطبّب الأرواح بالكلمات. كتب القصة كما يكتب المهاجر رسائل مؤجلة إلى أمه، وكما يكتب الحالم وصيته للعالم قبل أن يغفو على كتف الغيم.في عام 2018، شارك في مجموعة “ضفاف النيل” الصادرة عن دار السكرية للطباعة والنشر في القاهرة، بقصته المميزة "الحجر"، التي كانت أكثر من حكايةٍ قصيرة؛ كانت رمزًا للعراقي الصامد أمام التهشيم، للحياة التي ترفض الموت حتى حين تُلقى في الصحراء.
لكن عودته الكبرى إلى الأدب كانت عام 2025، حين أصدر عن دار الورشة للنشر والتوزيع في بغداد أربع مجموعات قصصية، بدت كأنها مرايا متقابلة لرحلته الداخلية:
"ألوان بورتريه رسام": مجموعة تفيض بالصور الإنسانية، يرسم فيها الكاتب شخوصه كأنهم لوحات تتنفس وتشيخ وتبكي.
"أتثاءب ملء حلمي": نصوص قصصية نثرية قصيرة، تجمع بين النعاس والأمل، بين الإرهاق واليقظة، حيث يطل الحلم كنافذة صغيرة في جدار المنفى.
"طيف بلتحف بانوراه": عمل تتقاطع فيه الرؤية الشعرية مع السرد، لتصنع نصًا يتأرجح بين التجريد والواقعية، كأن الكاتب يرسم مشهدًا ضائعًا من ذاكرة الحرب.
"أصداء ترنّ حروفًا": قصص قصيرة جدًا، لكنها تُشعل القارئ بتكثيفها الفلسفي، إذ تختزل الفصول في جملةٍ واحدة، وتحوّل الصمت إلى معنى.
الجيزاني لا يكتب القصة بمعناها التقني، بل يكتب الفلسفة في هيئة حكاية، والوجع في هيئة تأمل. لغته متوترة بالعاطفة، لكنها مشبعة بالوعي، تنبع من عمق التجربة لا من تقنيات الكتابة وحدها. في نصوصه نلمس أثر السيّاب ونازك الملائكة وغائب طعمة فرمان، لكننا نسمع صوته الخاص، صوت الذي كتب نفسه على صخور المنفى كي لا يُنسى.في ملامحه تجد شيئًا من البصرة، في عينيه خضرة الشط، وفي صمته موسيقى السياب حين قال:"الشمس أجمل في بلادي من سواها..."لكن الجيزاني يعرف أن تلك الشمس نفسها قد غربت عنه باكرًا، وأن عليه أن يصنع شمسًا من اللغة.هو طبيبٌ في الجسد وكاتبٌ في الروح، جمع بين علمٍ دقيقٍ كالمشرط وفنٍ طريٍّ كالقصيدة، وبين العقل التجريبي والعاطفة الميتافيزيقية التي تنظر إلى الإنسان كمخلوقٍ يبحث عن ذاته بين المنفى والموت والحلم.من مانشستر، المدينة التي تمطر حنينًا أكثر مما تمطر ماءً، ظلّ سامي آغا شامي الجيزاني يكتب للعراق كما يكتب الحبيب رسائل لا ينتظر جوابها. كل حرفٍ عنده نداءٌ، وكل قصةٍ مرثيةٌ على وطنٍ ما زال حيًا في القلب رغم الخراب.
وحين تسأله اليوم:ما الذي بقي منك بعد كل هذا الرحيل؟..سيبتسم كما لو أنه يهمس:
"بقيت البصرة في قلبي... كل ما عداها عابر".
هكذا تكتمل سيرة رجلٍ لم يخن وطنه رغم أن الوطن خانه، لم يغادره إلا ليعود إليه بالكتابة، ولم يهاجر إلا ليحمل العراق معه في كل نصٍ وكل حلم.إنه سامي آغا شامي الجيزاني... الكاتب الذي جعل من الحنين فلسفة، ومن المنفى وطنًا، ومن القصة صلاةً في معبد الذاكرة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً
- -المذبوحون باسم الله-
- -الطرق التي تبكي تحت أقدام الغائبين-
- دواء الروح بين كأس الحكمة وأفعى المعرفة
- عامل السكراب


المزيد.....




- قادة العالم في الجولة الأخيرة من محادثات الخطوة التالية في غ ...
- غزة: عودة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى بيوتهم المهدّمة رغم ...
- أنظار العالم تتجه لشرم الشيخ.. قمة دولية بحضور ترامب للتوقيع ...
- بدء تطبيق نظام الحدود الرقمية في الاتحاد الأوروبي.. فما هو؟ ...
- وعود فشلت كبرى الشركات التقنية في تنفيذها
- كوبا تنفي المشاركة في حرب أوكرانيا
- قادة إسرائيليون سابقون: الحرب انتهت وحماس حصلت على ما تريد
- هؤلاء القادة والزعماء سيحضرون -قمة شرم الشيخ للسلام- [محدّث] ...
- الهلال الأحمر المصري: 400 شاحنة مساعدات في طريقها إلى غزة
- سفينة -مسكونة-.. هل تجرؤ على خوض أكثر الجولات رعبًا على متنه ...


المزيد.....

- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدار القلب