أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة














المزيد.....

العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8495 - 2025 / 10 / 14 - 00:37
المحور: قضايا ثقافية
    


في السياسة، كما في الحلم، تتشابه الوجوه حين تختلط الحقيقة بالرمز، ويتحوّل اللقاء المنتظر إلى مشهدٍ من ضوءٍ وظلال، بين يدٍ تمتد للسلام وأخرى تبحث في الجيب عن المفتاح المفقود لسيادةٍ ضاعت بين العناوين.
لقد تحقق الحلم أخيرًا، حلم اللقاء، لكنّه لم يكن كما رسمته المخيلة السياسية، ولا كما انتظرته القاعة الممتلئة بوعود العالم. كان اللقاء أشبه بمرآة مائلة تعكس وجوهًا كثيرة لبلدٍ واحد، تتوزع بين الابتسامة الدبلوماسية والصفعة الرمزية.من على منصة قمة شرم الشيخ للسلام، حيث تتقاطع الأناشيد مع المصالح، وحيث السلام يبدو سلعةً في المزاد، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جملته الساخرة كمن يوقظ نائمًا من حلمٍ جميل:"هذا البلد المليء بالنفط… ستقعون في مشكلة إذا لم تحسنوا التصرف بهذا النفط."لم تكن الجملة مجرّد تعليقٍ عابر، بل كانت صفيرَ إنذارٍ سياسيٍّ يعيد رسم خريطة العلاقة بين القوة والثروة، بين من يملك النفط ومن يُدار بالنفط. كانت رسالةً مقصودةً أكثر من كونها زلّة لسان، كمن يضع إصبعه على الجرح، ويبتسم.في تلك اللحظة، بدا أن حلم اللقاء الذي راود بغداد طويلًا، قد تحقق في الصورة لا في الجوهر. الصورة التي وقف فيها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى جانب ترامب كانت أشبه بتجسيدٍ بصريٍّ لحقيقة العراق السياسية الراهنة: دولة غنية حتى التخمة، وفقيرة حتى العظم. دولة تبحث عن مكانٍ بين الكبار، لكنها لا تملك إلا النفط لتمدّ به يدها في صمتٍ دائم.لقد كانت تلك اللقطة البرتوكولية – التي قد يصفّق لها الإعلام المحلي طويلًا – بمثابة مرثيةٍ ناعمة لسيادةٍ مُهدَرة. فحين تُختصر العلاقة بين الدول في ابتسامةٍ فوتوغرافية، تصبح السياسة نوعًا من التجميل المؤقت لوجهٍ مُرهقٍ بالولاءات.
وما قاله ترامب، بوضوحٍ فجٍّ يليق بالسياسة الأمريكية، لم يكن سوى تذكيرٍ بأن العراق لا يُقاس بما يملكه من ثروات، بل بما يفتقده من إرادة.منذ عقودٍ والعراق يعيش هذا الدور المتحوّل في مسرح السياسة العالمية: مرةً بوابةً للإمبراطوريات، ومرةً ساحةً لتصفية الحسابات، ومرةً أخرى مرآةً لتناقضات الشرق الأوسط.في كل عصرٍ كان للعراق دورٌ، لكنّه في كل مرةٍ يُجَرّد من حقه في كتابة النص.
كان الممثلُ حاضرًا، لكنّ السيناريو يُكتب في مكانٍ آخر.وحين دخل النفط في المعادلة، صار الذهب الأسود لعنةً تلمع في الظلام، تمنح الثراء وتستدعي الاحتلال، تبني المدن وتهدم الأوطان.إن ما قصده ترامب حين قال "العراق بلدٌ في مشكلة، ليس بسبب نفطه بل بسبب من يديره" لم يكن انتقادًا عابرًا، بل تلخيصًا لحقبةٍ طويلةٍ من الاستلاب السياسي.
فالنفط، في منطق القوة، ليس ثروةً وطنيةً فحسب، بل أداة ضبطٍ وإخضاع.ومن يملك قراره يملك نفطه، ومن يبيع إرادته يبيع بئرًا من الكرامة مع كل برميل.لقد أصبحت الدول القوية اليوم لا بما تملك من موارد، بل بما تملك من قرار.الدول لا تضعف حين تفقد سلاحها، بل حين تضع توقيعها في يدٍ أجنبية.
النفط لا يصنع الثراء حين تُدار ثرواته بعقلٍ مرتهنٍ للآخر، تمامًا كما لا يصنع اللقاء الندية إذا كانت اليد التي تصافح ترتجف تحت الطاولة.وهنا، يتبدّى المشهد العراقي كلوحةٍ متناقضةٍ بين الحلم واليقظة.لقاءٌ طال انتظاره، لكنه انقلب سؤالًا عن جدوى الانتظار.
صورةٌ أرادها النظام السياسي عنوانًا للثقة الدولية، فتحولت إلى إعلانٍ عن هشاشة التحالف.كأنّ الحلم حين يتحقق، يُعلن إفلاسه من المعنى.لقد كان على العراق، منذ زمن، أن يعي أن القوة لا تُستورد من واشنطن ولا تُستعار من طهران، وأن الأمم التي تبني مستقبلها بقرارات الآخرين تظلّ عالقةً في منتصف الطريق بين التبعية والخذلان.
فالقوة، في جوهرها، ليست امتلاك النفط ولا السلاح، بل امتلاك الوعي بالمسؤولية.
وحين تتنازل الدولة عن إرادتها، تبدأ بالتحوّل من لاعبٍ إلى ورقة، من قرارٍ إلى رقمٍ في معادلات الآخرين.أما الصورة التي التُقطت في القمة، فقد تبقى معلقةً على جدار مكتبٍ رسمي، لكنها لن تمحو ما قاله ترامب، ولن تُغيّر ما يراه العالم:أن العراق، بكل مجده القديم وثرواته الحاضرة، ما زال يبحث عن ذاته بين قوى تتنازعه كطفلٍ يتيمٍ بين أوصياء كُثر.وهكذا، يتحول اللقاء الحلمي إلى درسٍ في السياسة الواقعية،ويصبح التصفيق الرسمي غطاءً شفافًا لحقيقةٍ أكثر عمقًا:
أن الدول لا تُهان إلا حين تقبل أن تُدار،
ولا تُهزم إلا حين تبيع قرارها بثمن النفط.
في النهاية، سيعود الوفد العراقي من القمة محمّلًا بالصور، بالتصريحات، بالوعود،
لكن التاريخ لن يحتفظ إلا بما وراء العدسات:
نظرة ترامب وهو يقول كلمته الأخيرة،
وصمت العراق وهو يسمعها…ذلك الصمت، لا الصورة، هو الحلم المتحقق حقًا . حلمٌ مرّ، يُعيد إلينا سؤالًا قديمًا بصيغةٍ جديدة:هل يملك العراق نفطه… أم يملكه نفطه؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-
- غزة: أنين الروح المحاصرة
- أنتخبهم… حتى يُباع الوطن في سوق الوهم
- البستان الذي ينام في الخراب
- ريما...
- حين يتكلّم الركام ويصمت العالم
- عندما تعزف طبول الحرب لحن الفلسفة
- إياد الطائي.. حين يترجّل المسرح عن صهوته
- -الأحلام التي لم تعشها البيوت المهجورة-
- أساطيل الحديد وأشباح البحر
- أتعس الخونة من يبيعون الوطن باسم الوطنية
- العراق بين عقدة الماضي وامتحان المستقبل
- انحنى الحجر وظل النور قائماً


المزيد.....




- منهم ميلوني والسوداني.. حوارات -طريفة- لترامب مع زعماء خلال ...
- قوات إسرائيلية تطلق غازًا مسيلًا للدموع على صحفيين أثناء تغط ...
- تونس: مطالب بتفكيك مجمع كيميائي في قابس وسط استمرار الاحتجاج ...
- عاجل | فحوى الوثيقة التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ: ندعم جه ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. اختتام قمة شرم الشيخ والاحتلال يقتحم ...
- أمير قطر: سعداء بنتائج قمة شرم الشيخ الإيجابية
- بالتفصيل.. هذا ما تضمنته وثيقة -اتفاق غزة- للسلام
- عرض مبهر لـ -Anyma- في مصر وانطلاق موسم الرياض.. الأبرز في أ ...
- مصر تتحرك لتعويض فجوة الطاقة.. والسيسي يلتقي ممثلي -أباتشي- ...
- بعد إدانته في قضية التمويل الليبي.. ساركوزي إلى السجن في 21 ...


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة