حامد الضبياني
الحوار المتمدن-العدد: 8493 - 2025 / 10 / 12 - 12:36
المحور:
قضايا ثقافية
اعذريني...
فأنا رجل لا يتقن معارك النساء،
ولا يعرف كيف يُناور في خنادق العيون،
ولا يجيد الرقص على أنغام الغيرة،
ولا يفهم لغة الأنوثة حين تتحول إلى سيفٍ من حرير.
أنا المقاتلُ الذي تمرغ بالتراب،
سجد للوطن لا للقبل،
ضمّد جرحه بحفنات من الغبار،
وأوقد ليله بالرصاص،
لم يعرف من الحب سوى طعم الموت في المعركة،
ولا من النساء سوى صورةٍ باهتةٍ في ذاكرة النار.
قاتلت كثيرًا...
حررت القرى من دخانها،
وحررت المدن من ذلّها،
لكني ما استطعت أن أحرر قلبي منكِ،
حين غزوتِني بضحكتكِ،
كأنكِ جيشٌ من الغزلان يطاردُ أسدي الجريح.
أعرف رائحة البارود،
وصوتَ المدافع حين تُغني،
وأعرف كيف تُعانق بندقيتي كتفي كعاشقةٍ مخلصة،
لكنني لا أعرف كيف أُعانق امرأةً لا تؤمن إلا بالمرايا.
كنتُ أقاتل لأجل علمٍ،
لأجل وطنٍ،
لأجل حفنة ترابٍ تزرع فيها أمي الورد،
فإذا بي اليوم أقاتلُ لأجل دمعةٍ في عينيكِ،
وأخسرُ الحربَ كلَّ مساء.
اعذريني،
فأنا لا أجيد السجود لسريرٍ أبيض،
ولا أرتلُ الشعر في حضن الشهوة،
ولا أبيعُ النخيلَ لأشتري زهرَ العطر.
أنا من سلالة الرجال الذين يكتبون أسماء حبيباتهم على سبطانة البندقية،
ويزرعون قلوبهم في حقول الرصاص،
ويحملون حبهم كجنديٍ في معركةٍ خاسرة.
أحببتكِ كما يُحبُّ الجائعُ رغيفه،
كما يُحبُّ المقاتلُ ظلال شجرةٍ في ظهيرة النار،
لكنّكِ... بنتُ الحرير،
تخافين من رائحة الطين،
ومن وخز الشوك،
ومن لون الدم على أصابع العشق.
أنا ابنُ الشوك،
أعيش على رائحة الأرض،
أتنفس الغبار وأغسل وجهي بالعرق،
لا أملك عطرًا،
ولا خاتمًا من ذهب،
ولا وعدًا أعلقه على عنقكِ كتميمةٍ فرنسية،
لكنني أملك قلبًا قاتلَ ألفَ جيشٍ
ولم يسقط إلا أمامكِ.
أنتِ مدينةٌ من حريرٍ وأنا راعٍ من صحراء،
بيننا بحرٌ من الكبرياء،
وسفنُ الهوى تغرق في منتصف الطريق.
اعذريني...
فقد خُذلتُ من الحرب،
ومن السلم،
ومن النساء،
وخُذلتُ من قلبي حين صدّقَ أنّ حبّكِ وطنٌ،
فإذا به منفى.
اعذريني يا بنت الحرير،
فكلّ حروبي انتصرت،
إلا الحرب التي أشعلتها نظرتكِ الأولى،
كانت رصاصةً في قلبي،
وخاتمتها... دمعة.
#حامد_الضبياني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟