أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم














المزيد.....

أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8501 - 2025 / 10 / 20 - 19:01
المحور: قضايا ثقافية
    


يبدو أن العالم لم يعد يفرّق بين النسب الشريف والتجارة به، فصار كل من امتلك منبرًا أو شعارًا يزعم أنه الناطق الرسمي باسم السماء ووريث الحق في الأرض، يتحدث عن الورع بلسانٍ مملوءٍ بالذهب، وعن الفضيلة بيدٍ ملوّثةٍ بصفقات السياسة والمخدرات والدم. والناس بين مصدّقٍ ومأجورٍ وصامتٍ خائف، يمرّون في الأزقة التي تُباع فيها القداسة بأرخص من حنطة الخريف، بينما يتحدث السماسرة عن أهل البيت كما يتحدث التجار عن البضائع: كلٌّ يقدّر الربح على قدر الزبون. ما أكثر الذين جعلوا من النسب سلّمًا إلى الغنيمة، ومن التاريخ ذريعةً للسلطة، ومن اسم الطهر سوقًا للعفن. تراهم يلوّحون بالأحقية في الدفاع عن بيتٍ ما عرفوه إلا من أسطرٍ متأخرةٍ كتبتها أيادٍ تريد أن تملك الدنيا باسم الطهارة، ولم تطأ أقدامهم الحجاز يومًا، ولم يعرفوا من ترابه إلا ما يتخيله فكرهم المحمّل بالأوهام، بينما من عاش هناك وعرف طهر الصحراء وصمت النخيل يعلم أن الكرامة ليست إرثًا يُتوارث كالأختام، بل سلوكٌ يُصان بالصدق والعدل والرحمة.إن أخطر ما يصيب الدين ليس الكفر، بل المتديّن الذي يحوّل الإيمان إلى تجارة، والمتعصّب الذي يجعل من الورع درعًا يحتمي به من المساءلة، ثم يرشق الآخرين بالحجارة وهو غارقٌ حتى رأسه في وحل الطمع. أولئك الذين يصرخون بالثأر بعد مئات السنين لا يريدون عدلًا، بل يريدون استمرار السوق، فالثأر عندهم مشروعٌ تجاريٌّ طويل الأجل، يستثمرون فيه آلام البسطاء ويغذّونه بخطب الكراهية كي يبقى رصيدهم مفتوحًا في بنوك الجهل. يتحدثون عن الحسين ولا يعرفون قيمته، يبكون في النهار ويقمعون الناس في الليل، يوزّعون اللطم على الصدور ويُخفون في الجيوب عقود النفط والمخدرات والصفقات. لقد صارت القداسة لديهم شركةً عائليةً شعارها: "نحن الأحقّ"، ورأس مالها الجهل، وسوقها القلوب الخائفة الباحثة عن خلاصٍ بين الأيدي الخطّابة.أيُّ مفارقةٍ أعجب من قومٍ يزعمون حبَّ آل البيت ويقتلون من يحمل اسمهم إذا خالفهم الرأي؟ وأيُّ عبثٍ أشدّ من أن يتحوّل الدين الذي بُعث رحمةً للعالمين إلى مطرقةٍ يضربون بها رقاب خصومهم، ثم يزعمون أن الدم قربانٌ للحقيقة؟ ليتهم سألوا أنفسهم يومًا: من الذي حاصر الطهر في الكهوف؟ ومن الذي استبدل الوحي بخطبٍ تنضحُ كراهيةً؟ إن هؤلاء لم يروا في التاريخ درسًا بل غنيمة، ولم يدركوا أن الحسين لم يُقتل لتُفتح دكاكين البكاء، بل ليعلّم الناس كيف يُصلب الحقُّ في وجه الباطل مهما تنكّر بثوبٍ من الدين.الادعاء بالانتساب إلى بيتٍ كريم لا يجعلُ المدّعي كريمًا، كما أن حملَ اسم السماء لا يجعلُ الأرض طاهرة، فكم من مدّعٍ يلبس العمامة ويطأطئ الرأس ويُخفي خلف تقواه حساباتٍ مصرفيةً ورجالَ ميليشيا، وكم من خطيبٍ يبكي في المجالس بينما يوزّع البنادق على الأطفال، وكم من تاجرٍ باسم الولاية يسرق قوت الفقراء ليبني قصرًا من الذهب فوق جثث الذين صدّقوه. إن المأساة ليست في وجود هؤلاء، فالتاريخ مليءٌ بهم، بل في أن الناس باتت تُصفّق لهم خوفًا من أن تُتّهم بالكفر أو النصب، كأن الحقَّ صار وقفًا على فئةٍ من البشر وكأن الله اختزل رحمته في سلالةٍ تسلّقت أكتاف الناس باسم النور.
لقد نسي هؤلاء أن النسب شرفٌ لا وظيفة، وأن الحجاز الذي خرج منه النور لم يورّث أحدًا مفاتيح السماء، بل تركها لمن يعمل بالعدل. فالسعودي والعراقي والفارسي والمغربي والمصري سواء أمام الحق، لا فضل لأحدٍ إلا بما يقدّمه من خيرٍ وصلاحٍ وعدالة. من أراد الدفاع عن أهل البيت فليدافع عن قيمهم لا عن قبورهم، وليحفظ سيرة النبي بعملٍ يشبهه لا بخطبةٍ تكرّره كالببغاء. كل من يتخذ الدين وسيلةً للابتزاز أو للهيمنة إنما يطعن الدين نفسه، وكل من يجعل من الورع شعارًا للتسلّط إنما يسخر من الله قبل أن يسخر من عباده.يا من ادّعيتم أنكم الأحقَّ بآل البيت، عودوا إلى أنفسكم قبل أن ترفعوا راية الدم، واغتسلوا من زيفكم قبل أن تفتّشوا في خطايا الناس، فأنتم من ذبحتم القيم التي تزعمون الدفاع عنها، وأنتم من صنعتم من الماضي سجنًا لا ذاكرة، ومن المذهب سلطةً لا إيمانًا. أنتم من قتلتم الحسين كل يومٍ بصمتكم ونفاقكم، فاجلدوا ضمائركم قبل أن ترفعوا سوطكم على الآخرين. ليس بينكم وبين الله نسب، ولا بينكم وبين الطهر عقد، فالدين لا يُشترى بالنسب ولا يُباع بالدم.إنني لا أكتب كراهيةً بل ألمًا، ولا أسخر تهكّمًا بل إنصافًا للتاريخ. فلو قام الحسين بينكم اليوم لقال لكم: إن من يسرق باسمنا ليس منّا، وإن من يتاجر بعزائنا أعدى أعدائنا. الدين ليس عمامةً ولا نسبًا ولا شعارًا، بل ضميرٌ يحيا بالصدق ويموت إن تلوّث بالكذب. لذلك، ارفعوا أيديكم عن السماء، فهي لا تبارك التزوير، واغلقوا دكاكين القداسة فقد شبع الناس وعظًا وجاعوا خبزًا. إن الله لا يحتاج متحدثين رسميين، والحق لا يُنطق بلسانٍ مزيف، وأهل البيت لا يدافع عنهم من لم يعرف معنى الطهر، بل من عاشه وسار على أثره ولو لم يحمل اسمًا ولا نسبًا.هكذا تتعرّى الحقيقة بين دفّتي التاريخ، فكل من حوّل الدين إلى أداةٍ للهيمنة خسر الله والناس معًا، وكل من جعل النسب مطيّةً للربح سيبقى ظلًّا باهتًا في مسرحٍ من الأكاذيب. وحدهم الصادقون الذين لا يرفعون صوتهم إلا بقدر ما يعملون هم الذين يبقون في الذاكرة، أمّا أمراء الظلال فسيمرّون كما مرّ قبلهم تجّار الذهب الكاذب، بلا أثرٍ سوى رائحة الرياء.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟
- -الخنجر المتكرر… سردية الغدر عبر العصور-


المزيد.....




- ترامب يهدد بـ-القضاء- على حماس إذا انتهكت اتفاق وقف إطلاق ال ...
- فيديو متداول لـ-جولة عمر البشير في شوارع مروي- بالسودان.. ما ...
- زياد زهر الدين.. قنصل سوري سابق يعلن توقفه عن العمل بالحكومة ...
- بعد الجدل حول تصريحاته عن الهجرة.. ميرتس يتعهد بإبقاء ألماني ...
- ملايين مستحقة لأندية ألمانية.. الديون تثقل كاهل فريق برشلونة ...
- الخط الأصفر.. ذريعة إسرائيل لانتهاك وقف إطلاق النار في غزة
- موريشيوس تجمّد أصول رجل أعمال مرتبط برئيس مدغشقر السابق
- الأوروبيون يناقشون العقوبات على إسرائيل بعد وقف إطلاق النار ...
- قبل سرقة المجوهرات الإمبراطورية.. محطات في تاريخ السرقات الت ...
- -ما خفي أعظم- يكشف أسماء وصور قتلة الطفلة الفلسطينية هند رجب ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم