أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية














المزيد.....

تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 10:05
المحور: قضايا ثقافية
    


في الأزمنة التي يتشابك فيها الفكر بالوجدان، ويغدو الأدب مرآة للفلسفة وصرخة للروح، تظهر السيكولوجيا الأدبية الفلسفية كميدانٍ تتقاطع فيه العلوم والخيال، ويجتمع فيه العقل بالعاطفة ليبحثا معًا عن جوهر الإنسان ومعنى وجوده. إنّها ليست علماً يُدرّس ولا فرعاً من فروع النقد الأدبي فحسب، بل هي نافذة عميقة تفتحها النفس على ذاتها عبر النصّ، وتكشف لنا كيف يصبح الأدب أداةً لتحليل الإنسان، والفلسفة وسيلةً لتفكيك الحلم والوجع والرمز. إنّها الرحلة التي يسير فيها المفكر والشاعر والطبيب النفسي في طريقٍ واحدٍ نحو غايةٍ واحدة: فهم الإنسان.إن اللاوعي هو النبع الأول الذي يتفجر منه الإبداع، فالشاعر لا يكتب من وعيه الصافي بل من عتمةٍ يسكنها الحلم والرغبة والخوف والحنين. إنّ كل استعارةٍ هي قناعٌ لرغبةٍ دفينة، وكل مجازٍ هو ظلّ لذكرى بعيدة. وهكذا تتبدّى القصيدة كأنّها حلمٌ يُكتب بوعيٍ متيقظ، ومناجاةٌ بين العقل واللاشعور، بين الرغبة في البوح والخشية من الفضح. الأدب بهذا المعنى علاجٌ للنفس، ووسيلة للتوازن بين الفوضى الداخلية والعالم الخارجي. يكتب الكاتب ليشفى من صمته، ويقرأ القارئ ليشفى من وحدته، وبين الاثنين تمتدّ خيوطٌ غير مرئية من الفهم والمواساة.وحين نغوص في النصوص الكبرى، نجد القلق الوجوديّ حاضرًا كظلٍّ لا يفارق الإبداع. إنّ هذا القلق ليس مرضًا، بل هو علامة الحياة الواعية، فكلّ إنسانٍ تساءل يومًا عن معنى وجوده صار فيلسوفًا صغيرًا وشاعرًا خفيًّا. إنّ دوستويفسكي، وكافكا، وسارتر، كتبوا من أعماق القلق لا ليُعلّموا، بل ليشهدوا على معاناة الكائن البشري وهو يتأمل عبث الوجود، ويحاول أن يصنع من هشاشته معنى. في هذا المدى المأزوم بين الحرية والقدر، بين الإيمان والشك، يولد الأدب كحالة من المقاومة، وكبحثٍ عن الضوء في قلب العدم.
غير أن الإنسان لا يعيش في ذاته وحدها، فوجوده لا يكتمل إلا بمرآة الآخر. كلّ علاقةٍ في الأدب هي تجربة سيكولوجية تكشف عن صراع الذات بين حبّها وخوفها، بين أن تمتلك وأن تُمتلك. الحبّ، الغيرة، الخيانة، كلها وجوه مختلفة لذلك الحوار السرّي بين الأنا والعالم. ولعلّ الرواية هي المختبر الأكثر صدقًا لهذه الجدلية؛ ففيها تتواجه النفس مع مراياها، وتكشف رغباتها التي تخفيها خلف الأقنعة. كما أن الشعر، في جوهره، محاولة لمصالحة الذات مع ظلّها، واللغة هي الجسر الذي يعبر عليه الإنسان من جرحه إلى خلاصه.أما اللغة ذاتها فهي كائنٌ حيٌّ يحمل ذاكرة الجماعة وأحلامها، وليست مجرد وسيلةٍ للتعبير. إنّها جسد الروح وبيت الوجدان، كما وصفها هايدغر حين قال إنّ اللغة هي بيت الوجود. وكل كلمةٍ يكتبها الكاتب تحمل بصمةً من لاوعيه، وطبقةً من ذاكرته، ولهذا يصبح النص الأدبي خريطةً للنفس البشرية في أدقّ تفاصيلها. فالكاتب لا يصف العالم بل يعيد خلقه من جديد داخل ذاته، يعيد ترتيب الفوضى بالحروف، ويحوّل الألم إلى نظامٍ جماليّ، فيغدو الحرف طريقًا للشفاء.وفي نهاية هذا الطريق الطويل، يقف الجمال بوصفه الخلاص الأخير. فالفنّ لا يجمّل القبح بل يتجاوزه، ولا يهرب من الحقيقة بل يواجهها بالضوء. الجمال هو طمأنينة النفس أمام فوضى الوجود، وهو المعنى الذي يجعل الحياة محتملة رغم قسوتها. لذلك قال نيتشه: "لدينا الفن كي لا نموت من الحقيقة"، ولعلّه كان يعني أن الجمال ليس ترفًا بل ضرورة نفسية وروحية تحفظ للإنسان اتزانه وسط عبث الحياة. الأدب هنا يصبح صلاةً بلا معبد، وبوحًا بلا كاهن، وصرخةً في وجه العدم تقول: ما زلتُ أبحث عن المعنى، وما زال في القلب ما يستحقّ البقاء.هكذا تتجلى السيكولوجيا الأدبية الفلسفية كمرآةٍ للإنسان في أعمق طبقاته؛ في وجعه وفرحه، في حنينه وصمته، في حبّه ومخاوفه. إنّها قراءة للروح بلغة الجمال، وفلسفة للحياة بلغة الشعر، وحوارٌ طويل بين الذات وظلها. في هذا الحقل العجيب يولد الأدب من رحم الفلسفة، وتتنفس الفلسفة من رئة الشعر، فيصير النص الإبداعي كائنًا نابضًا بالحياة، يبحث مثلنا عن خلاصٍ في عالمٍ تتناسل فيه الأسئلة أكثر مما تولد فيه الإجابات.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت


المزيد.....




- عدد قياسي من المصابيح يُضاء احتفالًا بمهرجان ديوالي في الهند ...
- قرقاش يوضح معنى الضربة الإسرائيلية في قطر بالنسبة للإمارات و ...
- معبر رفح بعد الحرب.. فلسطينيون عالقون بين حلم العبور والتمسك ...
- واشنطن تضغط على إسرائيل وحماس لتفادي انهيار اتفاق غزة.. و-مه ...
- من بينها -داعش- وحماس ـ أموال ألمانية لدعم منظمات إرهابية!
- كل ساعة تأخير عن موعد نومك تزيد من نسبة الدهون في جسمك
- الإخبارية السورية: إنزال لقوات التحالف في دير الزور
- رئيس البيرو يعلن حالة الطوارئ للتصدي لأعمال العنف
- ترسانة المسيّرات الروسية.. من الإرث السوفياتي إلى المنظومة ا ...
- قتيلان بهجوم صاروخي على كييف وأوكرانيا تضرب مصنع كيميائيات ب ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية