أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين














المزيد.....

مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 08:10
المحور: قضايا ثقافية
    


منذ أن أعلنت الإدارة الأميركية عن تعيين مارك سافايا مبعوثًا خاصًا إلى العراق، اشتعلت الأحاديث في المقاهي السياسية، وارتفعت الأصوات في الفضاءات الرقمية، كأنّ الرجل سيحمل معه عصا موسى ليشقّ بحر الميليشيات إلى نصفين، أو لعله سيصبح وجهًا جديدًا في مسرح الصراعات القديمة التي لم تملّ من تبديل الممثلين والإبقاء على النص ذاته. فالعراقيون، الذين أنهكتهم الوعود الدولية والمبعوثون العابرون كغيوم الصيف، ينظرون بعين الريبة إلى كل قادم من وراء الأطلسي، مهما رفع شعار الإصلاح أو أعلن حربًا على الفساد والسلاح المنفلت.لكن سافايا ليس مبعوثًا عاديًا في نظر واشنطن، بل هو حجر آخر في رقعة الشطرنج التي تتحرك عليها القوى الكبرى في العراق منذ سقوط الدولة وتفتت السيادة. مهمته المعلنة ـ القضاء على العناصر المسلحة وإنهاء نفوذ الميليشيات ـ تُخفي خلفها شبكة معقدة من الحسابات السياسية والصفقات المؤجلة، لأنّ العراق لم يعد ساحة معركة بين الدولة والفوضى فحسب، بل ميدانًا لموازين القوى بين الشرق والغرب، بين واشنطن وطهران، بين حلم الدولة الوطنية وكابوس الدولة التابعة.ولأنّ العراقيين مجروحون بالتجارب، يتوجسون من أن يتحول سافايا إلى نسخة أخرى من مبعوثين مرّوا قبله، دخلوا بخطاب الحزم وانتهوا إلى مهادنة الميليشيات أو التحالف معها باسم "الواقعية السياسية". فسرعان ما تسرب إلى الأسماع همسٌ يتحدث عن علاقة محتملة بينه وبين ريان الكلداني، زعيم ميليشيا "بابليون"، وكأنّ التشابه المذهبي بينهما كافٍ لمدّ جسرٍ من الولاءات الطائفية فوق نهرٍ من الدماء. هذا التصور الساذج، وإن بدا شائعًا في أوساط البعض، يكشف هشاشة الوعي العام حين يختزل السياسة في الهوية الدينية، وينسى أنّ واشنطن، التي صنّفت ريان إرهابيًا وفرضت عليه عقوباتٍ قاسية، لا يمكن أن ترسل مبعوثًا يتعاون مع من تضعه على قوائم الإرهاب.مارك سافايا ليس كاردينالًا ولا واعظًا يحمل إنجيل السلام بين الطوائف، بل هو رجل سياسة ومخابرات، مهمته ليست في الكنائس بل في دهاليز السلطة والأمن، في فكّ عقدة السلاح التي باتت تخنق الدولة العراقية وتشلّ إرادتها. إنّه يدرك، كما تدرك بلاده، أن لا استقرار في العراق ما دامت البنادق تتحدث قبل الدساتير، وما دام الولاء للولي الفقيه أقوى من الولاء للعَلم الوطني. لذلك جاء، لا ليبني تحالفات طائفية، بل ليعيد ترتيب أوراق اللعبة من جديد وفق المصالح الأميركية التي ترى في ضعف الميليشيات تقويةً للدولة، وفي القضاء على النفوذ الإيراني خطوة نحو عراق متوازن لا تابع.غير أن السؤال الأعمق يظل معلقًا في فضاء الوعي العراقي: هل يمكن لمبعوثٍ أجنبيٍ أن ينقذ وطنًا غرق في تناقضاته الداخلية؟ هل يكفي أن تأتي الأوامر من البيت الأبيض ليُشفى الجسد العراقي من جراحه التي نزفت طيلة عقدين؟ أم أن العلاج الحقيقي يبدأ من الداخل، من وعي العراقي نفسه، من مصالحةٍ مع ذاته ومع تاريخه، قبل أن يطلب المصالحة مع العالم؟..الذين يخشون انحراف مهمة سافايا نحو المحاباة الدينية يغفلون عن أن الكنيسة الكلدانية نفسها تقف على الضفة الأخرى من ريان الكلداني، وأنّ بطريركها لويس روفائيل ساكو كان ولا يزال الصوت المسيحي الأرفع في الدفاع عن وطنٍ واحدٍ يحتضن الجميع دون تمييز. فلو كان الانتماء المذهبي معيارًا للعلاقات السياسية، لكان سافايا أول المتحالفين مع الكاردينال ساكو لا مع زعيم ميليشيا مدعوم من طهران. الحقيقة أنّ الطائفية لم تكن يومًا سوى أداة في يد المفسدين، يرفعونها لستر خياناتهم حين يعجزون عن مواجهة ضوء الحقيقة.ومع ذلك، تبقى مهمة سافايا محفوفةً بالألغام. فالميدان العراقي ليس رقعةً نظيفة يمكن ترتيب أحجارها بسهولة، بل ساحة ملغومة بالتحالفات والمصالح والدماء القديمة. كل خطوةٍ فيها تحتاج إلى يقظةٍ تشبه الحذر في السير فوق الزجاج المكسور. وإن كان للرجل من نيةٍ حقيقية في إعادة التوازن، فعليه أن يصغي إلى صوت الشارع قبل أن يصغي إلى تقارير السفارة، أن يرى في العراقيين شركاء لا أدوات، وأن يدرك أنّ أي مشروع لا يستند إلى إرادة وطنية حقيقية، مهما بدا براقًا في واشنطن، سيتحول هنا إلى رمادٍ في رياح الشرق.مارك سافايا يدخل اليوم إلى عراقٍ مثقلٍ بتراث الجراح، وكل مهمةٍ فيه تُختبر بالنوايا قبل النتائج. سيحكم عليه الناس لا بما يقوله الإعلام، بل بما تفعله يداه على الأرض، في مواجهة الفساد، وفي كبح الميليشيات التي استباحت دماء الأبرياء، وفي إعادة شيءٍ من الهيبة إلى الدولة التي ذابت ملامحها بين الولاءات المتناقضة. فإن استطاع أن يمسك بخيوط المعادلة الصعبة، فربما يكون أول مبعوثٍ أميركي يترك بصمةً لا تندثر مع تبدّل الإدارات. وإن سقط في فخ الحسابات الضيقة والمصالح المزدوجة، فلن يكون سوى صفحةٍ أخرى في كتاب الخيبات الطويل الذي كتبه التاريخ على وجه هذا البلد منذ أن هُدمت بواباته الملوّنة ودخلت رياح الغرب والشرق معًا.هكذا سيبقى السؤال معلّقًا في سماء بغداد: هل سيأتي سافايا بمفاتيح الخلاص أم بمفاتيح صندوقٍ جديدٍ من الفوضى؟ وحدها الأيام كفيلة بأن تجيب، أما العراق فسيبقى، رغم كلّ ما يقال، البلد الذي لا يموت، لأنّ في ترابه سرًّا لا يدركه إلا من عشق هذه الأرض حدّ العذاب.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة
- حين بدأ الحب يتفتّت بصمت
- لماذا نجعل دائمًا من هزائمنا انتصارًا؟


المزيد.....




- جيجي حديد تتألق بفستان أصفر اللون في نيويورك
- شاهد.. لحظة مغادرة الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي منزل ...
- هدى قطّان تتألق بنقشة النمر في باريس
- مبعوث ترامب للشرق الأوسط ويتكوف يؤكد أن واشنطن تعمل على إنجا ...
- الجزائر تطالب إسبانيا بترحيل 7 مهاجرين فتيان وصلوا إلى أراضي ...
- ساركوزي يغادر إقامته باتجاه سجن -لاسانتيه-
- ما الذي نعرفه عن حذف حسابات المؤثر الفلسطيني صالح الجعفراوي ...
- باراك يحذر لبنان.. مخاوف من عودة الحرب وبرّي يقول ان -مسار ا ...
- ساركوزي في السجن.. عودة على قضية التمويل الليبي لحملته الانت ...
- مؤسسة إنسانية: نقص التمويل يهدد 56 ألف لاجئ أفريقي بمخيم دزا ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين