أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - اجعلوني مرجعاً لأيام














المزيد.....

اجعلوني مرجعاً لأيام


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 14:24
المحور: قضايا ثقافية
    


أرجو أن تجعلوني مرجعاً لأيام، لا مرجعاً للفتوى، بل مرجعاً لضميرٍ حيٍّ ينطق في زحمة الشعارات، مرجعاً مؤقتاً لا يريد الخلود، إنما يريد أن يعيد للكلمة معناها وللوطن ذاكرته. أكتب من قلب شارعٍ صار متحفاً لوجوه باهتة لا تعرف للضمير طريقاً، ومن فم زمنٍ تآكلت فيه الكلمات حتى صارت عبئاً لا يحمل إلا رائحة البيع. أكتب ليس تهديداً ولا وصية، بل نبوءةً عن وطن يُباع على دفعات، وعن كل دفعة تنطفئ فيها شمعة إنسانية كانت تضيء نافذة الأمل.لستم بحاجة إلى فتوى جديدة لتعرفوا أن العدل فعلٌ وأن الرحمة قانون، بل بحاجة إلى قرار جماعي يعيد للضمير سطوته ويكشف وجوهاً كثيرة تلبس رداء الوطن وفي باطنها ثمن الخيانة. لست أريد أن أكون بوقاً للسب، ولا مطيةً للغضب، بل مرآة تنعكس فيها ملامح الفساد، وأسأل بصوتٍ حاضر: هل يبقى الوطن وطناً حين يُباع جزء من كبريائه في سوق علني؟..حاسبوا، نعم حاسبوا بمعيار لا يلين، لا تجعلوا المحاسبة نزوة عاطفية، بل نوراً يقطع شجرة الظلال، محاسبة تجعل من السرقة جرحاً لا يُنسى، ومن الخيانة درساً لا يُعاد. المحاسبة ليست انتقاماً، بل إصلاحاً يقيم الميزان ويمنح العدل هيبته. إذا كان العقاب حلماً فاجعلوه درباً للحكمة، وإذا كانت العدالة غاية فاجعلوها سبيلاً للبقاء. اجعلوا القانون أميناً لا أعمى، فالعدالة العمياء تهوي على الأبرياء كما على الجناة، أما العدالة الأمينة فتعرف وجه الفساد كما تعرف وجه البراءة...أما عن لعني وتسميتي بأسماء ماكرة، فهذا لا يزعجني؛ اللعن لا يطعمني ولا يروضني، لكنه يعرّي الخائف من مواجهة الحقيقة. من يلعن يريد تحويل الألم إلى لغة، والخذلان عقيدته، وأنا أبتسم لهم، فالابتسامة أبلغ من كل لعن، غير أنني أقول: لا تكتفوا بالابتسامة حين يكون الكلام مطاطاً يغطي جريمة. قولوا: حاربوا الفساد. لا ترفعوا الشعارات وتنسوا الفعل؛ اجعلوا الفعل مرافقاً للنطق، والحق رفيقاً للكلمة.حاسبوا كل عميل يبيع وطنه، وكل من يخون الأمانة أو يلوى ذيلاً أمام منصب وهمي، ومن يَتاجر بأرواح الناس ويشحذ ربحه على رماد الحلم. لا تجعلوا العدالة انتقائية ترضي جناحاً وتقصي آخر، اجعلوها شمساً تضرب في كل اتجاه، لا تعرف المجاملة ولا الهوادة. وأما من يحكم فظن نفسه إمبراطورية فوق ركام وطن يتنفس خنقاً، فليعلم أن العرش لا يُبنى فوق جماجم، وأن السلطة إن لم تكن خدمة فقد صارت لعنة. ومن ظن أن الصمت ملاذه فليعلم أن الصمت حين يتحول إلى سلطة فهو شريك في الجريمة.اجعلوا الصراحة قاعدة، والمحاسبة باباً لا يُغلق. لا تستدعوا الدين لتبرير الوحشية، ولا تجعلوا الشريعة سيفاً لتقطيع الناس؛ فالأخلاق لا تُقام بالذبح بل بالضمير. العدالة الحقيقية ليست انتقاماً من فاعل، بل تحويلاً له إلى مسؤول، يعيد ما سرق ويكابد عاقبة فعله. إذا أردتم تنظيف المجتمع فابدأوا بغسل السلوك لا بقطع الأبدان. اقطعوا صكوك السرقة، وشبكة الإفلات من العقاب، واقطعوا قدرة الفساد على التخفي تحت عباءة الرسميات.وأنا أفتي لكم: صدقوا وتصدقوا. ليست الصدقة بالمظهر بل بالحق والوفاء؛ صدقة تعيد للفقير كرامته، وللمجتمع أنفاسه، وللدين وجهه الذي لا يعرف الظلم. الصدقة ليست خوفاً من الحساب، بل فعل إيمان يعيد التوازن المفقود. لا تكذبوا، فالكذب يفتك بالعلاقات ويضعف أركان الثقة، ولا تعيشوا جبناء، فالجبن تحالف مع الخوف يجعل المرء شريكاً في تآكل الوطن. لا تكونوا شيوخاً يعتزلون الناس، ولا كتّاباً متملقين، ولا شعراء يصطفون عند مداخل السلطة لامتصاص بريقها. عيشوا على فطرتكم وابنوا وطنكم بيديكم، لا بفتاوى اللغات الناعمة. فدينكم دين سلام، لا دين قتل ونهب، ومن يعطي المظلوم لا يمنحه فرصة للانقضاض على حرمة البيت، بل يمنح المجتمع جرعة من إنسانيته. أن تعطي للمظلوم لا يعني ضعفاً، بل يعني أنك تقيم ميزان العدالة بيد رقيقة.أدعوكم إلى طقس جديد: لا طقوس دم، بل طقوس تصفية وطنية. اجتمعوا على قلب واحد ليقرأ التاريخ صفحته بصدق، ولا تتركوا للمتربصين فرصة إعادة كتابة النصر على جثث المهانين. اجعلوا القانون معبداً لا مقبرة، والمحاسبة أداة بناء لا انتقام. إياكم أن تسموا الفوضى ثورة؛ فالثورة إن لم تتوج بالعدالة فهي مجرد فوضى تبدّل اللصوص دون أن تخلص المدينة من السرقة.اعلموا أن اللعن والسب قد يريحان لحظة من الغضب، لكنهما لا يردعان الجوع ولا يعيدان بناء مدرسة أو مستشفى أو حديقة سُرقت منكم. اللعن صراخ في زحمة الظلم، والعمل هو الصوت الذي يعيد القطع الناقصة من فسيفساء الوطن.في الختام أقول لكم: كونوا صُنّاع فضيلة لا شهوداً عليها، كونوا ضمائر تمشي في الأسواق وتشتري الإنسان باسمه لا بسعره، كونوا أئمة عدالة لا أئمة لعن. وإن أردتم أن تلعنوا فالعنوا الظلم في ذاته، فاللعن لا يغير الناس إلا إذا صاحبه فعل جازم.صدقوا، تصدقوا، لا تكذبوا، ولا تدعوا الفاسد يفلت لأن صمتكم كان ثمنه باهظاً. هكذا يُبنى الوطن: بصمت مدروس وحركة منطقية، لا بلعن جارف ولا بحشوية هادمة. وإذا استقام الطريق، سيولد الحي من رماده، وتصبح مرجعيتي التي طلبتها لأيام، عتاباً وشفاءً لا سيفاً ولا قيداً.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعلان وفاة حي
- اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة ...
- مواعيدُ عَرقوبٍ على مَائدةِ المتقاعدين.. فلسفةُ الوعود المؤج ...
- المسرح ككائن سيكولوجي: جدلية النصّ والفنّان والجمهور بين الخ ...
- العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات
- تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة


المزيد.....




- لماذا -بيكاسو الهند- يحطم الأرقام القياسية في المزادات ويُثي ...
- الكويت.. فيديو ضبط مزرعة ماريغوانا بأحد المنازل والداخلية تك ...
- فيديو منسوب لـ-موكب رئيس المخابرات المصرية في إسرائيل-.. ما ...
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة والصين على بعد خطوة واحدة من ...
- خسائر كبيرة في القطاع الزراعي بسبب الحرب الإسرائيلية على لبن ...
- المشي مرتين أسبوعيا يحمي قلبك
- الكشف عن جينات مسؤولة عن حدوث عيوب القلب لدى مرضى متلازمة دا ...
- مدينة قابس التونسية.. حيث تختنق الواحة تحت رماد المصانع
- المستوطنون يواصلون اعتداءاتهم على قاطفي الزيتون والاحتلال يع ...
- صديق -مجهول- لترامب يتبرع لتغطية رواتب الجيش في ظل الإغلاق


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - اجعلوني مرجعاً لأيام