أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة العتمة














المزيد.....

اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة العتمة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 13:30
المحور: قضايا ثقافية
    


اليمن، تلك الجغرافيا التي تشبه القلب حين يفيض على الدنيا بالعاطفة، كانت منذ الأزل مهبط الشمس الأولى، ومنبع الحكمة التي سكنت ترابها قبل أن تسكن الكتب. هي مأرب التي روّت العالم بمائها، وسبأ التي أهدت التاريخ عرشًا من نورٍ وملكةً أنارت دروب الملوك. هي الأرض التي مرّ بها أويس القرني يطوي المسافات بخشوعٍ لا يضاهيه إلا طهره، ويترك فيها عبق الإيمان كوصية للدهر بأن لا يمسّها الغدرُ إلا ويحترق في رمادها.لكن ماذا حلّ بتلك الأرض التي كانت منارةً للحضارة؟ كيف تحوّل تراب اليمن من مهد العطر إلى رمادٍ يتطاير في رياح الطائفية؟ لقد كانت البلاد منذ فجر التاريخ دارًا للعروبة الأصيلة، تنتمي إلى جذورها كما تنتمي النجمة إلى الليل، لا تعرف لونًا سوى لون الدم العربي الذي يسري في عروقها منذ عهد قحطان وعدنان، حتى جاءت موجات الغربة الفكرية، تحمل من فارس سماً مغطّى بشعارات العقيدة، فدخلت من بوابة المظلومية لتصنع مظالم أشدّ وأبشع مما شهدته العصور.في عملٍ طائفيّ جديد، امتدت يد الحقد الحوثي إلى دور الحديث في سعوان، وامتدت أخرى إلى مئة مسجد في ذمار، وكأنّهم يخافون من الكلمة أكثر مما يخافون من الرصاص. الكلمة التي علمت الناس التوحيد، والتوحيد الذي علّمهم الحرية، والحرية التي لا يريدها أولئك الذين باعوا وطنهم للغرباء مقابل سلطة زائلة وولاءٍ مزيّف. إنهم لا يحاربون المساجد ولا العلماء، بل يحاربون ذاكرة اليمن التي تحفظها المآذن والكتب والوجدان.هؤلاء الذين جاؤوا من دهاليز الفرس لا يعرفون أن اليمن ليست أرضًا تُحتل، بل روحٌ تُحاولك بالكرامة حتى تسقط راكعًا أمام مجدها. نسوا أن في دماء اليمنيّ رائحة سبأ، وأنّ في جبينه ظلّ أويس القرني، وأنّ كل حجر في مأرب ينطق بعروبةٍ لا تنطفئ. هم أرادوا أن يقتلوا اليمن ليصنعوا منه مملكةً للطائفة، فأنجبت الأرض رجالاً من الرماد، يقاتلون ليعيدوا الوطن إلى حضنه العربي.لم تكن الحرب في اليمن حربًا على الجغرافيا، بل على الذاكرة. حربٌ على المعنى، على التعايش، على التاريخ الذي أرادوه غريبًا في داره. فقد عاش اليمنيون قرونًا متآخين، شافعيًا يعانق زيديًا في صلاةٍ واحدة، وزيديًا يشارك سلفيًا في فجرٍ واحد. لكنّ الفتنة حين تسللت بلهجةٍ فارسية وأجندةٍ مقيتة، حاولت أن تفرّق بين الدم والدم، بين القبيلة والقبيلة، وأن تجعل من اليمنيين أعداءً لأنفسهم.لقد أحرقوا الحرث والنسل، وهجّروا الناس من بيوتهم كما يُهجر النور من الصبح، ظانّين أن النار تطفئ الفجر. لكن اليمنيّ، ابنُ الشمس، لا يركع إلا لله. في كل بيتٍ دُمّر، يولد وعيٌ جديد. وفي كل طفلٍ فقد أباه، تُخلق أمةٌ ترفض الانكسار. فالحروب وإن أطفأت المصابيح، فإنها لا تطفئ الذاكرة، ولا تمحو العروبة من قلبٍ كُتب عليه أن يكون عربيًا حتى الرمق الأخير.اليمن اليوم ليس مجرد قضية سياسية، بل امتحانٌ إنسانيّ للضمير العربي. هل يترك العرب مهدهم يُختطف، وحضارتهم تُمحى بملابس الطائفية؟ هل يُعقل أن نترك مأرب، التي علمتنا معنى البناء، تتحول إلى ركام؟ إنّ نكران العروبة خيانة للتاريخ، وإنّ من يمدّ يده للفرس بعد أن شرب من نهر سبأ، كمن يطفئ شمعة بيته بريح الغريب.سيبقى اليمن، مهما اشتدت عليه المحن، عربيًّا في نطقه وصمته، في جرحه وصبره، في ثوبه المطرّز بالقبائل والعزة. سيبقى كما قال شاعرُه القديم: "اليمنُ منّا، ونحن من اليمن"
ولن يقدر الغزاة الجدد على اقتلاع الجذور، لأن الجذر الذي رُوي بالدم العربي لا يموت، بل يورقُ عنفوانًا في وجه العواصف. فلتبكِ الطائفيةُ خيبتها، ولتعلم فارسُ أنها وإنْ وضعت يدها على الأرض، فلن تمسك بالسماء، لأنّ السماء يمنيةُ الملامح، عربيةُ القلب، باقيةٌ كما وعدت مأرب يوم انسكب السدّ، أن لا تغرق إلا لتولد من جديد.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مواعيدُ عَرقوبٍ على مَائدةِ المتقاعدين.. فلسفةُ الوعود المؤج ...
- المسرح ككائن سيكولوجي: جدلية النصّ والفنّان والجمهور بين الخ ...
- العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات
- تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود


المزيد.....




- شاهد كيف كرّم زعيم كوريا الشمالية قتلى جنوده الذين حاربوا إل ...
- فتح الأجواء الإفريقية.. فرصة استثمارية بمليارات الدولارات تت ...
- اجتماع دول -تحالف الراغبين- في لندن.. صواريخ بعيدة المدى لكي ...
- مقتل 25 شخصاً في حريق حافلة جنوب الهند إثر اصطدام دراجة ناري ...
- اعتقد السكان أنه مسلح فاستدعوا الشرطة.. إصابة جندي ألماني بع ...
- زوجة مروان البرغوثي تطلب من دونالد ترامب السعي لدى إسرائيل ل ...
- ماذا يعني فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة؟ ...
- أوروبا تقر حزمة جديدة من العقوبات على روسيا
- انقطاع خوادم -إيه دبليو إس- يؤثر سلبا على الأسرّة الفارهة ال ...
- تعرف على مسار التوتر المتصاعد بين أميركا وفنزويلا


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة العتمة