أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عندما تجمّدت الشمس في صدورنا














المزيد.....

عندما تجمّدت الشمس في صدورنا


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 07:05
المحور: قضايا ثقافية
    


لم تكن الشمس يومًا مجرّد جرمٍ يعلّق نوره في الفضاء، بل كانت المعنى الأعمق للدفء الإنساني، وكانت رمزًا للحقيقة التي تذيب الزيف كما يذيب النهارُ ظلّ الليل. كانت تسكن وجداننا كمحرّكٍ للحياة، وكصوتٍ ينادي من أعماق القلب: انهض، واكتب، وأحبّ، واغضب، واصنع وجودك بالضوء لا بالظلّ. لكننا، حين جلسنا على حافّة الشمس، لم نكن نبحث عن النور لنبصر، بل عن دفءٍ نكتم به رعشة أرواحنا التي أطفأها البرد. كنا نريد أن نسخّن أجسادنا، لا أن نطهّر أرواحنا. وشيئًا فشيئًا، بدأ فينا البرود يزحف حتى شلّ الغيرة، وطفئت فينا شعلة الإيمان بما نكتب ونفكر، فصرنا لا نقرأ إلّا للتزلّف، ولا نكتب إلّا طمعًا في رضا أصحاب المصالح. صارت أقلامنا تقيس الجمال بالمنفعة، والفكر بالعائد، والكلمة بما تُدرّه من مديحٍ أو جاهٍ أو منصبٍ عابر.
وفجأة، اكتشفنا أن الشمس التي كنّا نلوذ إليها بدأت تتجمّد. لم يكن تجمّدها في السماء، بل في داخلنا نحن. ضوؤها ما زال هناك، يفيض على الكون، لكنّ عيوننا التي اعتادت الظلام لم تعد تراه، وقلوبنا التي استسلمت للبرود لم تعد تحسّ بحرارته. صارت أشعّتها علينا رمادًا، ودفؤها كفنًا من صقيعٍ يلفّ أرواحنا في موتٍ بطيء.
الشمس لا تغيب، ولا تبرد، لكنها تموت في الإنسان حين يُغلق نوافذه أمام الصدق، وحين يفضّل ظلّ النفاق على وهج الحقيقة. ومنذ أن غابت في داخلنا، حلّ الظلام فينا لا حولنا. صار الزمن رماديًّا، لا هو نهارٌ ولا ليل، تتجوّل فيه الذئاب بأقنعة بشر، وتتحرك الحشرات في موكبٍ من ذكاءٍ خبيث، وتضحك الثعالب في وجوهنا كما لو كانت الحكماء، وتُصفّق الكلاب عند كل نباحٍ للباطل، بينما تُكمم أفواهُ الصقور لأنها تجرؤ على التحليق.صرنا نصطاد خيباتنا كما يصطاد الجائع سرابًا، نعضّها بأسنانِ الخوف، ونمضغها بوهمِ الأمل. تنهشنا الكلاب من كلّ جانب، وتتعاقب علينا الضباع لتنهش ما تبقّى من كرامةٍ أنهكها الذلّ والخنوع. وفي هذا الليل الذي لم تعرفه الشمس، لم يبقَ للحرية مكان، ولا للكرامة موطئ قدم. الظلام لا يحتمل أجنحة الصقور، لأنه يعرف أن الصقر إذا حلق كشف زيف العتمة، وأنّ الحر إذا نطق فضح صمت العبيد.
الكلّ يحاول الصعود إلى القمم، لكنّ القمم لا تُنال بخطواتٍ مرتعشة ولا بأذرعٍ مثقلة بالجبن. القمة لا تفتح صدرها إلّا لمن خُلِقوا من صلصال الكبرياء، لمن تمرّدوا على الطين وصعدوا رغم الحجارة التي تتساقط على رؤوسهم. الجبال لا تُحبّ المتردّدين، والصقور لا تعيش في الأقفاص، لأنها تعلم أن القيود، مهما كانت ذهبية، لا تُغني عن سماء الحرية.
أما ذيول الثعالب، فهي تحاول خلق التوازن عبثًا، تتأرجح بين الولاء والخيانة، بين المدح والذلّ، بين الركوع والابتسام، لكنها لا تعرف أنّ من عاش تابعًا لا يمكن أن يصبح سيّدًا. فالسيد لا يُصنع باللسان، بل بالفعل، ولا بالمديح، بل بالموقف، ولا بالوراثة، بل بالإرادة.
وهكذا، مات الأمل في مجتمعٍ اختار الخوف على الكرامة، واستبدل النور بالستر، والعقل بالصمت، والحقّ بالتبرير. مجتمعٍ خنوعٍ يقتات على فتات الظالمين، ويقايض الحقيقة بثمنٍ بخسٍ من الأمان الزائف. مجتمعٌ يعلّق على الجدران صور الحرية، لكنه لا يحتمل صوتها.
لقد تجمّدت الشمس في صدورنا، لا لأنها ضعفت، بل لأننا نحن الذين فقدنا القدرة على الإحساس بحرارتها. نحن الذين وضعنا بينها وبيننا جدارًا من الوهم، وغطّينا وجوهنا بخوفٍ مزمنٍ من النور. الشمس ما زالت هناك، تُشرق كلّ يوم، لكن الأرض التي لا تفتح نوافذها تبقى غارقة في الليل مهما أشرقت عليها ألف شمس.
وما أقسى أن يصبح الإنسان قبرًا لنوره، وأن يكتشف في نهاية الطريق أنّ الشمس لم تغب عنه قط، بل هو الذي غاب عنها حين رضي بالظلمة واختار أن يعيش في دفءٍ من رمادٍ ووهمٍ من ضوءٍ مستعار. عندها، لا تنفع الكلمات، ولا تنقذ القصائد، لأنّ الشاعر الذي برد قلبه لا يُشعل نارًا، والمجتمع الذي يخاف الشمس لا يستحقّ النهار.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين كُسِرت أصابعي ولم تَعُد تُمسك القلم
- الأحواز… نبيّ العطش المنسي
- اجعلوني مرجعاً لأيام
- إعلان وفاة حي
- اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة ...
- مواعيدُ عَرقوبٍ على مَائدةِ المتقاعدين.. فلسفةُ الوعود المؤج ...
- المسرح ككائن سيكولوجي: جدلية النصّ والفنّان والجمهور بين الخ ...
- العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات
- تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال


المزيد.....




- قبل اللقاء المرتقب بينهما.. ما هو مستقبل محادثات التجارة بين ...
- الشرع يزور السعودية الثلاثاء ويلتقي ولي العهد ويشارك في مؤتم ...
- سوريا.. تفاعل على زيارة أحمد الشرع للكنيسة المريمية في دمشق ...
- قبائل الأمازون: -كان أحدهم يقف، ويصوب سهماً... دعوهم يعيشون ...
- -مؤشر استسلام وسائل الإعلام- يصنّف الإعلام الأميركي بحسب خضو ...
- فرنسا تحاكم شركة مالية بريطانية بتهمة التواطؤ في مخطط احتيال ...
- قتلى في مظاهرة للمعارضة بالكاميرون قبل إعلان نتائج الانتخابا ...
- لماذا يتميّز موقف إسبانيا في دعم فلسطين؟
- ?ما أسباب طقطقة وصرير الركبة؟
- واشنطن تعتقل معلقا بريطانياً لانتقاده إسرائيل


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - عندما تجمّدت الشمس في صدورنا