أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.














المزيد.....

بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 08:09
المحور: قضايا ثقافية
    


في الشرق الأوسط، حيث كانت القوافل تبدأ من ضوء بغداد وتنتهي عند البحر، تُرسم اليوم الممرات دون أن تمرّ من أرض الرافدين.
يُبنى الطريق بين الشمال والجنوب، وتُمدّ الجسور بين البحرين، بينما تُترك هذه البلاد على الهامش، كأنها لم تعد جزءاً من الجغرافيا، بل صفحةً من التاريخ طُويت قبل الأوان.العالم يشيّد الممرات الاقتصادية، يربط المدن بالسكك والمصالح، والعراق — الذي كان قلب الشرق ومفتاحه — يقف وحيداً عند بوابة الماضي. لم يُقصِه أحد؛ بل أقصى نفسه حين سلّم بوصلته إلى الولاءات العابرة للحدود، وترك العقل الوطني وحيداً في مواجهة الميليشيا والإقطاع السياسي.في المكاتب المظلمة تُصاغ القرارات، تُدار الثروات كأنها ملكيات شخصية، وتُوزَّع المناصب كغنائم حربٍ لا كواجب دولة. هناك، بين أكوام الورق والأختام، تتكدّس أوهام النهضة فوق جثث الكفاءات المنسية. فلا يُسمع سوى همس المصالح، وصدى التواقيع التي تبرم العقود في الظلّ.من أنقرة إلى عمّان، ومن الخليج إلى البحر، تتشابك خيوط التجارة والاتصال، بينما يظل وادي الرافدين مُعلّقاً في فراغٍ صنعه بنفسه. ممرّاته القديمة التي كانت شرايين العالم، صارت اليوم مسالكً للغبار، تسير فيها قوافل الفساد بدل القوافل التجارية.فأية جغرافيا هذه التي تتآكل من داخلها؟ وأي وطنٍ هذا الذي يغدو ممراً للميليشيا لا للتجارة، ومعبراً للصفقات لا للأفكار؟..النفط الذي كان يُفترض أن يكون سلاح النهوض، تحوّل إلى ورقةٍ في لعبة النفوذ. تُدار به العلاقات وتُشترى به الولاءات، بينما الشعب يُترك يقتات على وعودٍ قديمة. العقود توقّع، والموازنات تُستنزف، والنهضة الموعودة لا تخرج من النص إلى الواقع.
هكذا تُباع صورة الدولة في المزاد السياسي، ويُرهن قرارها مقابل دعمٍ خارجيٍّ لا يرى فيها سوى خزان طاقةٍ وموقع نفوذ.في المقابل، تُفتح أبواب الوزارات للجانٍ قادمةٍ من وراء الحدود، وتُسلَّم الملفات كما تُسلَّم المفاتيح بعد الغياب الطويل. الأمن يُدار من خارج الأبواب، والاتصالات تمرّ عبر أيدٍ ليست وطنية، والقرار لم يعد ابن الدولة بل ابن الموازين الإقليمية.لقد تحوّل العراق من مركزٍ إلى هامش، من طريقٍ إلى منطقة انتظار. صار يمشي في دوّامةٍ من الصراع بين قوتين لا تريان فيه إلا مساحة نفوذٍ إضافية. وبين المطرقة والسندان، تتكسّر الأحلام الصغيرة، أحلام الناس الذين أرادوا فقط أن يعيشوا في وطنٍ لا يُدار بالتحكم عن بعد.الشرق الأوسط يعيد رسم نفسه اليوم، من خلال ممراتٍ تجارية تربط القارات. أما بلاد الرافدين، فترسم لنفسها حدوداً وهمية من الخوف والصمت، تراقب العالم من بعيد وهي تسأل: متى نعود إلى الطريق؟..الجواب ليس في الخرائط ولا في المؤتمرات، بل في العقل الذي فقد بوصلة السيادة. حين تُستبدل الوطنية بالولاء، تضيع الاتجاهات كلها، ويصير الطريق دائرياً يدور حول نفسه حتى التلاشي.ومع ذلك، يبقى في هذه الأرض ما يشبه المعجزة: نهران عنيدان، يرفضان أن يجفّا، وشعبٌ لا يتعب من الحلم.قد تتآكل الجغرافيا، وقد تبهت الذاكرة، لكنّ العراق — مهما خنقوه بالظلال — سيجد طريقه من جديد. فالممرّ الحقيقي ليس من الحديد والخرسانة، بل من الوعي والإرادة.
وحين تعود البوصلة إلى مركزها، سيعرف الشرق أن طريقه يمرّ من هنا، من دجلة والفرات… لا من حولهما.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنثى الضوء
- الخيانة الكبرى: خيانة الإنسان لذاته
- الكتابة من فم الموت
- جسدٌ يحاكي حُطامَهُ
- مواسم الانتظار
- وردٌ على فم الموت
- الخراب في مرآة الإنسان: الحرب السودانية وصراع النفوذ في جسد ...
- حينما هُدم التمثال، تكلم الحجر بلغة الجواد
- نامت المرآة في جيب الهاتف
- عليٌّ بريءٌ من عليِّكم
- العشيرة... بين لحمِ الأرض وروحِ الوطن
- الزجاج الذي لا يُشعَب… ووطنٌ كُسِرَت ملامحه
- عندما تجمّدت الشمس في صدورنا
- حين كُسِرت أصابعي ولم تَعُد تُمسك القلم
- الأحواز… نبيّ العطش المنسي
- اجعلوني مرجعاً لأيام
- إعلان وفاة حي
- اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة ...
- مواعيدُ عَرقوبٍ على مَائدةِ المتقاعدين.. فلسفةُ الوعود المؤج ...
- المسرح ككائن سيكولوجي: جدلية النصّ والفنّان والجمهور بين الخ ...


المزيد.....




- دعوات لوقف -كابوس العنف- في السودان.. وحكومة البرهان تدرس م ...
- مصدر: السلطات الموالية للجيش السوداني تدرس مقترح هدنة أمريكي ...
- -مستقبل علم المصريات-: كتاب يرصد سطوة الاستعمار على علم المص ...
- الولايات المتحدة: وفاة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني ...
- -مهندس غزو العراق-.. وفاة نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تش ...
- مالي.. حصار الوقود المفروض من قبل الجهاديين يصيب باماكو بالش ...
- نتنياهو يمثل مجددا لدى المحكمة بتهم الفساد
- غوتيريش يدعو لرصد 1.3 تريليون دولار سنويا لتمويل العمل المنا ...
- بالخريطة التفاعلية.. السودان يواجه مستويات عالية من انعدام ا ...
- 5 أسئلة لفهم تهديدات ترامب لنيجيريا


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.