أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق... حين تنتخب الظلال نفسها














المزيد.....

العراق... حين تنتخب الظلال نفسها


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 10:04
المحور: قضايا ثقافية
    


الملف بات واضحًا داخل غرف القرار... تلك الغرف التي لا نعرف جدرانها، لكننا نحسُّ صداها في كل شارعٍ مكتظٍّ بالخيبة. هناك، حيث تُصاغ خرائط النفوذ بالحبر السرّي، تُدار اللعبة الانتخابية كطقسٍ من طقوس الغموض، لا لخلق التغيير بل لتزيين الركود بألوانٍ جديدة. لم تكن الانتخابات العراقية حدثًا ديمقراطيًا بالمعنى الفلسفي للحرية، بل كانت مرآة تعكس وجوه السلطة وهي تُعيد انتخاب نفسها بأسماءٍ مختلفة، وتُعيد ترتيب الكراسي دون أن تغيّر من شكل الطاولة شيئًا. كأنّ العراق يعيش دورة كونية مغلقة، فيها تتبدل الرموز ولا تتبدل اليد التي تحرّكها من وراء الستار.ما جرى لم يكن اقتراعًا بقدر ما كان إعادة تدويرٍ للقدر. لعبة الظلال التي تتناسل من بعضها البعض، تتقاتل في العلن، وتتصالح في الخفاء، ثم تعود لتلد من جديد ذاتها القديمة في قناعٍ جديد. حتى صناديق الاقتراع بدت كتوابيت صغيرة تُدفن فيها إرادات الناس، وحين تُفتح، تُخرج منها الأرواح نفسها التي خرجت في الدورات السابقة. إنها ليست ديمقراطية، بل تكرار أسطوري لعقوبة سيزيف، حيث يُدحرج الشعب صخرة الأمل إلى أعلى الجبل كل أربع سنوات، لتتدحرج عليه مجددًا في كل مرة.في غرف الظل "الأميركية والأوروبية" لم يكن الرهان على الانتخابات، بل على ما يليها: على لحظة الانقسام المبرمج، على السخط الشعبي المتروك لينضج تحت عين المراقب الدولي. كانت اللعبة أشبه بمسرحية شطرنج يتحكم فيها الغرب بمربعاتٍ محددة ويترك الشرق الأوسط ليتقاتل على البقية. فالغرب لا يريد ديمقراطية في الشرق، بل يريد استقرارًا في فوضى محسوبة، جمودًا مراقبًا، نظامًا لا يستقر كي لا ينهض.أما إيران، فهي اللاعب الذي أتقن الصبر كفنٍّ ميتافيزيقي، تزرع الحلم في عقول التابعين وتحصد السيادة في صمتٍ أبدي. لقد أنجزت المخابرات الإيرانية مهمتها كما يُنجز الراهب صلاته اليومية: بهدوءٍ وورعٍ وطقسٍ مقدّسٍ من الإصرار. فالقوائم المدعومة صعدت، والولاءات ترسخت، والخيارات صيغت لتستمر إلى ما بعد 2030، حين ستكتمل الدورة الثانية من مشروع الإمبراطورية المؤجلة. الإيراني لا يستعجل الزمن، فهو يعرف أن الزمن في الشرق من ممتلكاته القديمة، وأن كل ترددٍ عربيٍّ هو مساحة جديدة له.وفي المقابل، وقف العرب على رصيف التاريخ يتجادلون حول المصطلحات، يراقبون من بعيد سقوط النخيل وارتفاع المآذن التي بلا صلاة. لم يدعموا معارضة ولا فكرة، لم يبنوا تيارًا ولا عقلًا، واكتفوا بلعن النتائج كما يلعن الخاسر النرد. في حين كانت طهران تُدير معركتها على رقعة بغداد، حجرًا بعد حجر، حتى غدت اللعبة كلها بأيديها.أما الأرقام فهي أشبه بنكتةٍ سوداء: 12 مليونًا فقط شاركوا في انتخابات يفترض أنها تمثل 40 مليون عراقي. و18 مليونًا آثروا المقاطعة، لأنهم اكتشفوا أن الصندوق لا يغيّر شيئًا في وطنٍ تغيّر كل شيء فيه إلا الوجوه ذاتها. المفارقة أن الديمقراطية تُقاس هنا بعدد الصامتين لا بعدد المصوّتين، وأن الشرعية تُستمد من غياب الأغلبية لا من حضورها.وفي الوقت ذاته، فتحت الأبواب على مصراعيها للمجنسين من وراء الحدود، ليصوتوا لمن يكتبون قراراتهم بلغةٍ غير عربية. قيل إن البرلمان الجديد يضم 48 نائبًا من الحرس الثوري و17 من فيلق القدس و14 من الإطلاعات و3 من البسيج، فإن صحّ ذلك، فالعراق قد صار مرآةً تُطلّ على فارس القديمة بوجهٍ حديث. لم يعد البرلمان بيت الشعب، بل صار بيت الطاعة، لا يشرّع باسم الأمة بل باسم "الوصاية الروحية" القادمة من خلف الحدود.العالم يراقب المشهد من بعيد. الغرب يمارس قلقه المهذب ببياناتٍ منسقة، والشرق العربي يكتفي بالمشاهدة، كأن العراق ليس ابنًا من دمه، بل غريبٌ عابر في خريطةٍ بلا وجوه. العالم لا يريد حلًا، بل يريد مشهدًا طويلًا يتكرر لتبرير صفقاتٍ ومؤتمراتٍ وخطاباتٍ عن الإصلاح. الديمقراطية باتت ماركة تجارية، تُباع في المؤتمرات وتُسحب من الأسواق حين تقترب من الحقيقة.وهكذا، يتكرر الطقس ذاته كل أربع سنوات: تُنصب الخيام، تُرفع الشعارات، يُوزع السكر والوعود، ثم تُطوى الأوراق ويعود الناس إلى بيوتهم ليكتشفوا أن الليل ما زال طويلًا، وأن القمر ذاته يضيء فوق وجوهٍ لم تتغير منذ عقدين. العراق لا ينتخب أشخاصًا، بل ينتخب ذاكرته المرهقة، ينتخب خوفه من المجهول، ينتخب الوهم الذي تعوّد عليه.إنّ الانتخابات في العراق ليست مناسبة سياسية، بل تجربة وجودية تختبر صبر الإنسان وقدرته على الحلم رغم أنه يعلم أن الحلم مؤجَّل. إنها ليست منافسة بين أحزاب، بل بين معنيين للفناء: فناء الوطن في أيدي الغرباء، أو فناء المعنى في عقول مواطنيه.ومع ذلك، يبقى في الأفق بصيص رمزيّ صغير، يشبه فكرة التمرّد الفلسفي التي تحدث عنها كامو: أن تقف في وجه العبث لا لأنك تؤمن بالنتيجة، بل لأنك ترفض أن تكون رقمًا في معادلةٍ لا تفهمها. ربما يكون العراقي الآن هو السيزيف الأخير في هذا العالم، يُدحرج صخرته الانتخابية كل أربع سنوات، لا لينتصر، بل ليثبت أنه ما زال حيًا.وهكذا تستمر اللعبة: الظلال تنتخب الظلال، والأصوات تصعد من عمق الصمت، والعراق — هذا الكائن الرمزي الممزق — ما زال يقف بين فوضى الخارج وخيانة الداخل، بين زمنٍ لا يتغير وشعبٍ لا ينهزم.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن
- حين أحببتها كانت النقود لا تعرف اسمي
- خونة بغداد
- حين سُرِقت حاوية الزبالة… ومات الضمير في صمت الوطن!
- موت الحقيقة في مقبرة الثقافة
- نشوز الأرواح
- تبتسمُ العيونُ في وجهي
- ريما.. حين تبتسم الكواكب
- الرب الذي هرب من معبده
- الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس
- على عتبة الغياب
- العراق… بين الطين والوصاية
- الجادرية... المرآة التي كشفت وجه السلطة
- بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.
- أنثى الضوء
- الخيانة الكبرى: خيانة الإنسان لذاته
- الكتابة من فم الموت
- جسدٌ يحاكي حُطامَهُ
- مواسم الانتظار


المزيد.....




- ظهور غير معتاد لدلفين يسبح بين القوارب في قنوات البندقية يحي ...
- -بسم الله-.. شاهد ما قاله ضابط أمريكي من أصول عربية ساعد سيد ...
- ترامب يطالب رئيس إسرائيل بمنح نتنياهو العفو في محاكمته الجار ...
- عازفو مزمار القربة في ملبورن يسجلون رقما قياسيا عالميا بعزف ...
- مأساة في البحر المتوسط.. 42 مهاجراً أغلبهم سودانيون يغرقون ق ...
- زين الدين زيدان: سأعود -قريبا- إلى عالم التدريب!
- هجمات 13 نوفمبر الدامية بباريس.. النيابة العامة تفتح تحقيقين ...
- هجمات باريس: -صلاح عبد السلام- يريد لقاء عائلات الضحايا.. ند ...
- الحياة الصعبة في مخيمات غزة.. لا كهرباء وطعام قليل والشتاء ع ...
- في مواجهة التغير المناخي.. مبادرات شبابية أردنية لتحويل الوع ...


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق... حين تنتخب الظلال نفسها