أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة














المزيد.....

نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 23:37
المحور: قضايا ثقافية
    


في هذا العصر الذي لا يعرف الرحمة، حيث تُحاك الأقدار في غرف باردة، صار الإنسان يعيش موتًا مزدوجًا: موت جسدي محتمل، وموت داخلي مؤكد. لم يمت الإنسان فجأة، بل بدأ موته حين سلّم وعيه، حين تنازل عن حلمه، حين باع تساؤله لآلة أو سلطة، حين قبل أن تُبرمج قراراته، وأن تحدد له الروتين مساره. هنا، في صمت النفس، يبدأ السقوط، تبدأ النهاية قبل أن يدرك أن الموت الفعلي لم يأت بعد.الآلة المقدسة ليست مجرد جهاز، بل فكرة، منظومة، حضور دائم يراقب ويقرر، يوزع الرضا والعقاب، يخلق حياة الإنسان وفق خوارزميات لا تعرف الرحمة. الإنسان الذي يخضع لها يفقد ألوانه، صوته، شعوره، تدريجيًا، حتى يصبح نسخة دقيقة من ذاته السابقة، نسخة بلا وعي، بلا حلم، بلا صراع. صار يعيش بلا ألم، بلا فرح، بلا معركة داخلية، لكنه يتحرك ككائن حي، يبدو موجودًا، بينما الحقيقة تقول إنه انتهى قبل أن يموت جسديًا.العالم اليوم يمارس ضغوطه ببطء، يسرق التركيز، يشتت الانتباه، يبدل الرغبات، يحوّل الإنسان إلى آلة أخرى، تقيس كل شيء بالأرقام والإحصائيات، تقارن كل تجربة بالمعايير الرقمية. وفي قلب هذا النظام، يسقط الوعي، ويصبح الفرد مسلوب الإرادة، مستسلمًا للصورة، للأخبار، للخبر المسبق الصنع، حتى ينسى ذاته ويظن أنه حي.الإنسان المعاصر، في هذا السياق، يعيش موتًا مستترًا: فقد القدرة على الإبداع، على التساؤل، على التفكير النقدي، على الإحساس بالحرية. كل يوم يمضي يسرق شيئًا منه، شيئًا لم يعد يستطيع استعادته. كل فكرة جديدة تُستبدل بما يُسهل الفهم، كل شعور عميق يُخفف حتى يصبح مجرد ترف. هكذا، قبل أن يرحل جسده، يرحل وعيه، ويصبح العالم صحراء من الحركات الآلية، وأصوات بلا معنى، ووجوه بلا روح.
السخرية أن الإنسان، في هذا الموت الداخلي، لا يشعر بالخطر، بل يعتقد أنه حيّ، وأن الحياة مستمرة كما هي. لكنه يعيش في نسخة مهتزة من الواقع، حيث كل فعل، كل اختيار، كل شعور، مبرمج مسبقًا، مُعدّ، مُقيّد. الإنسان الذي فقد وعيه قبل موته صار أداة صامتة، شاهدًا بلا ذاكرة، متحركًا بلا شعور، يبتسم بلا سبب، ويبكي بلا معنى، يعيش بلا وعي، لكنه ما زال يتنفس.
ربما النهاية الحقيقية ليست في الموت البيولوجي، بل في اللحظة التي يقرر فيها الإنسان أن يتوقف عن السؤال، أن يتوقف عن الحلم، أن يقبل التبرير لكل شيء، أن يترك لحظة الحيرة تموت فيه. تلك اللحظة هي نهاية الإنسان قبل موته، حين يصبح جسدًا يتحرك في عالم بلا وعي، والآلة المقدسة تكتب مساره، والروح محتجزة خلف جدار لا يرى، ولا يسمع، ولا يشعر.
وهنا، يبقى السؤال: هل يمكن للإنسان أن يستعيد وعيه قبل أن يختفي تمامًا؟ أم أن الزمن قد اختصر عليه الطريق، وصارت الحياة مجرد حركة ميكانيكية، وصارت الروح أسيرة الصمت، وقبضتها على وجودها صار حبرًا على ورق، وصدىً في قلب آلة لا تعرف الرحمة؟



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن
- حين أحببتها كانت النقود لا تعرف اسمي
- خونة بغداد
- حين سُرِقت حاوية الزبالة… ومات الضمير في صمت الوطن!
- موت الحقيقة في مقبرة الثقافة
- نشوز الأرواح
- تبتسمُ العيونُ في وجهي
- ريما.. حين تبتسم الكواكب
- الرب الذي هرب من معبده
- الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس
- على عتبة الغياب
- العراق… بين الطين والوصاية
- الجادرية... المرآة التي كشفت وجه السلطة
- بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.
- أنثى الضوء
- الخيانة الكبرى: خيانة الإنسان لذاته
- الكتابة من فم الموت
- جسدٌ يحاكي حُطامَهُ


المزيد.....




- بعضها يكلف 40 ألف دولار في الساعة.. ما الأصول العسكرية التي ...
- -العالم يراقب الأمريكيين في سفرهم-.. سياسات ترامب تلاحقهم خا ...
- -سأموت خلال يومين-.. خطة إسرائيلية تثير ذعر ذوي مرضى فلسطيني ...
- إيطاليا تطبق أول نظام رقابة رقمية للتحقق من العمر قبل الدخول ...
- مصادر: سيمنس الألمانية وجنرال إليكتريك الأمريكية تتفاوضان مع ...
- الحكومة الهندية: انفجار نيودلهي -حادث إرهابي-
- موسكو مستعدة لتبحث مع واشنطن اتهامات ترمب في شأن تجارب نووية ...
- مقتل 42 مهاجرا جراء غرق قارب قبالة سواحل ليبيا
- ?90 في المئة من الأسر الأفغانية تعاني من الجوع أو الدين
- وصول صنصال إلى برلين قادما من الجزائر بعد العفو عنه


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة