أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - نهاية الشعر وبداية الصمت














المزيد.....

نهاية الشعر وبداية الصمت


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 12:16
المحور: قضايا ثقافية
    


في زمنٍ لم يعد فيه الحرف يهمس، صار الصوت بلا معنى، والشعر بلا قلب. لم يمت الشعر فجأة، بل مات ببطء، تحت وطأة العالم الذي لم يعد يحتمل الصمت، ولم يعد يستمع إلا للضجيج. صار القلم يتحسس الطريق في الظلام، يحاول أن يكتب، فيجد الأوراق تتناثر أمامه بلا ذاكرة، والسطور تصرخ بلا معنى، كأنها تئن من فرط الاحتضار.الشعر لم يرحل، بل غُيّب، صار ضيفًا على الزمن، محاصرًا بين شاشاتٍ لا تعرف سوى الصورة، وبين أصواتٍ تلهث خلف الإثارة اللحظية، وبين تقاريرٍ عن الحياة بلا روح. كل ما كان يومًا ينبض في القلوب أصبح استعراضًا على لوحة مفاتيح، وكل ما كان يبعث على التأمل أصبح مادة للاستهلاك السريع. الشعر صار ثقيلًا على هذا العالم، ثقيلًا لأنه يطالب بالوعي، ثقيلًا لأنه يطالب بالحقيقة، ثقيلًا لأنه يطالب بالصمت الذي أصبح ممنوعًا.إن نهاية الشعر ليست موتًا، بل صمتٌ مطبقٌ، صمتٌ يُستبدل فيه الحلم بالروتين، والإحساس بالضجيج، والمعنى بالعنوان. كل قصيدة تُكتب اليوم تراقب نفسها قبل أن تُنشر، تُراقب العالم الذي لن يقرأها إلا كصورة مزخرفة على صفحةٍ فارغة، كأنها تحاول أن تهتف في صحراء لا تسمع سوى الريح.المفارقة أن الصمت أصبح لغةً جديدة، لغةً بلا كلمات، لغةً بلا طنين. إنه صمت القلوب التي لم تعد تتحمل الشعر، صمت العقول التي لم تعد تصدق الكلمة، صمت الأجيال التي لم تعد تعرف الفرق بين التعبير الحقيقي والتسلية المؤقتة. وفي هذا الصمت، يولد نوعٌ جديد من الشعر، لا يُكتب بالحروف، بل يُحسّ بالغياب، يُقاس بالفراغ، يُختبر بالصمت ذاته.الشعر صار رفعة مرفوضة، صرخة تُسجن قبل أن تُسمع، شمسًا تُطفأ قبل أن تُشرق. وبالرغم من ذلك، يظل الحرف حيًّا في أماكن لم يصل إليها الضجيج، في مساحات صغيرة من القلب لم يلوثها العالم، في ذاكرةٍ لم يُسرقها الزمن بعد. لكن هذه المساحات تتقلص يومًا بعد يوم، وصوت الشعر يضعف، ويتحول تدريجيًا إلى صدى بعيد، صدى يسمعه فقط من يعرف كيف يصغي، من يعرف أن الصمت ليس فراغًا، بل هو مكانٌ للروح لتستعيد أنفاسها.وفي نهاية هذا المشهد الطويل للصمت الذي يخنق الشعر، تبقى الحقيقة واضحة: الشعر لم يمت، لكنه صار وحده، وحيدًا في مواجهة العالم الذي تخلّى عن سحر الكلمات. والصمت، الذي كان يومًا ملاذًا، صار معيارًا للوجود، صار الحدود التي تفرض على الشعر أن يتوقف أو أن يهمس خفية، بين سطور الحياة العارية من المعنى.إن نهاية الشعر ليست نهاية للكلمة، بل بداية للحاجة إلى الصمت، الصمت الذي يحمل في داخله إمكانية جديدة للإبداع، صمتٌ قد يُعيد اكتشاف الجمال، صمتٌ قد يجعل من القليل الكثير، ومن الخفيف ثقيلًا، ومن الحرف حياة.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن
- حين أحببتها كانت النقود لا تعرف اسمي
- خونة بغداد
- حين سُرِقت حاوية الزبالة… ومات الضمير في صمت الوطن!
- موت الحقيقة في مقبرة الثقافة
- نشوز الأرواح
- تبتسمُ العيونُ في وجهي
- ريما.. حين تبتسم الكواكب
- الرب الذي هرب من معبده
- الخيانة الكبرى... بين ابن العلقمي وورثة المجوس
- على عتبة الغياب
- العراق… بين الطين والوصاية
- الجادرية... المرآة التي كشفت وجه السلطة
- بلاد العبور الممنوع: انكسرت البوصلة بين دجلة والممرات.
- أنثى الضوء
- الخيانة الكبرى: خيانة الإنسان لذاته


المزيد.....




- مستوطنون يشعلون النار بمسجد في الضفة الغربية ويكتبون عبارات ...
- الخارجية الأمريكية تدعو إلى قطع إمدادات الأسلحة عن قوات الدع ...
- بعد عشر سنوات على هجمات باريس الإرهابية.. حزن وجراح لم تلتئم ...
- بعد عقد على اعتداءات 13 نوفمبر.. فرنسا تكرم ذكرى 132 ضحية
- تبون يعفو عن صنصال... انتكاسة لسياسة -لي الذراع- ونجاعة نهج ...
- هجمات باريس 2015: معركة فرنسا ضد التطرف
- فرنسا تحيي الذكرى السنوية العاشرة لهجمات باريس في ظل خطر إره ...
- 6 نباتات تعيد الحياة إلى حمّامك.. خيارات مثالية للمساحات الر ...
- استقالة وزيري العدل والطاقة في أوكرانيا على خلفية فضيحة فساد ...
- ما وظيفة حساس عادم السيارة ومتى يجب استبداله؟


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - نهاية الشعر وبداية الصمت