أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم فيها السفهُ رموزَ الفن














المزيد.....

حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم فيها السفهُ رموزَ الفن


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 10:26
المحور: قضايا ثقافية
    


في لحظةٍ سوداء من لحظات هذا الزمن المكفهرّ، قفز إلى واجهة الشاشة سؤالٌ كريهٌ كقشرة بصل محترقة:كيف صار للسفه منابرُ يحاضر منها، وللتفاهة مخالبُ تخمش بها وجوه القامات، ولأشباه الإعلاميين حقّ “تقييم” الرموز؟أيُّ عصرٍ هذا الذي جعل من همساتِ الجهالة أحكامًا، ومن طفولة الوعي شاشاتٍ تتسيّد؟ولعلَّ آخر فصول هذا العبث أن يتجرأ نزار الفارس – الذي لم يُعرف يومًا إلا ببرامج تقوم على اقتناص اللحظة الساقطة من كلام الضيوف – على وضع ميزانٍ أمام سعدون جابر، قامةٍ فنيةٍ لو جمعتَ سنواتها لبلغت ضعف عمر من يزعم أنه يقوّمها.يا نزار… من أعطاك حقّ فتح فمك أمام جبل؟من خوّلك أن ترفع سبابتك في وجه تاريخٍ لو مرَّ على وعيك الهشّ لسقط مغشًى عليه؟في الفلسفة القديمة كان الحكماء يقولون:"لا يُفتى ومالك في المدينة"،
وها نحن اليوم نرى "لا معرفة… ولا حياء… ولا إدراكًا" ثم نرى الفتوى تطلع من فم من لا يسوَى — كما قالت جداتنا — “ترس أذنك حفنة نِخّال”.ويا للمفارقة… هذا المثل الشعبي البسيط يبدو اليوم حكمةً عميقة أمام هذا الركام من البلاهة التي صارت مهنةً، وصار لها جمهورٌ يصفّق، ومَن يدفع لها، ومَن يروّج لصاحبها كأنه آينشتاين القرن الجديد في تحليل الشخصيات الفنية!
المشكلة ليست في نزار نفسه… فهذا مجرّد عارض جانبي لمرضٍ أكبر.إنها المنظومة… هذا الهجين العجيب من الفضائيات التي تُدار بمنطق السوق لا بمنطق الوعي، ومن أحزابٍ تبحث عن الصوت لا عن الثقافة، ومن إعلاميين يصعدون بالسلالم الخلفية للنفوذ، لا بدرجات الكفاءة.فكيف لا يصير السفه معيارًا في دولةٍ يعلو فيها الصراخ على العقل؟وكيف لا يتقدم الضجيج حين تكون الساحة مهيأة لمن يتقن فنّ "التسقيط" ورفع نسب المشاهدة، لا فنّ الحوار ولا احترام الوجدان العام؟
يا نزار…قبل أن تفكّر بتقييم فنانٍ كـ سعدون جابر، عليك أولًا أن تفهم ما معنى أن يكون الإنسان “تاريخًا”.التاريخ ليس عدد حلقات، ولا ضيفًا يتلعثم أمام أسئلتك المفخخة.
التاريخ هو أن تبقى أغنيةٌ من صوته معلّقة في ذاكرة وطن بأكمله… أن يكون الرجل صوتًا لعراقٍ كامل، لا فقرةً في برنامج.
الفرق بينك وبينه ليس فرق سنوات… بل فرق عصور.هو جاء من زمنٍ كان الفنُّ فيه رسالة، لا وسيلةً لحشد “الترند”.كان اللحن فيه دمًا… وكان الصوتُ ثمرة وجدان، لا نتيجة ميكروفونٍ بارد.إنك حين تنطق باسم سعدون جابر يجب أن تقف لا أن تجلس.
تقف لأنك أمام رمزٍ أكبر منك ومن مقعدك ومن الكاميرا التي تعتقد أنها تحميك.
تقف لأنك أمام رجلٍ صاغ ذاكرة العراقيين، بينما أنت تصوغ فقط لحظات جدلية قصيرة تنتهي بانتهاء الحلقة.أمّا الفلسفة الساخرة في هذا المشهد، فهي أن السفه – مهما علا – يبقى سفهًا، وأن الجهل مهما تمدّد، لا يستطيع أن يقيم الذهب، لأن الذهب لا يُقاس بأصابعٍ خشنة اعتادت على لمس الطين، لا على لمس القيم.ومهما حاول الإعلام الرديء أن يمنح نفسه سلطة الحكم، فإن التاريخ – ذاك الأرمل العتيق الذي لا يجامل أحدًا – سيكتب أسماءً ويشطب أخرى… يرفع من يستحق، ويدحرج إلى الظل من جاء صدفة على أكتاف حفنة من أصحاب النفوذ.إن ما نحتاجه اليوم ليس ردًا على نزار الفارس… فهو جزء من الضوضاء، والرد على الضوضاء يزيدها اتساعًا.ما نحتاجه هو إعادة هيكلة العقل الجمعي الذي سمح لسطحيةٍ كهذه أن تتحول إلى “نجم”، ولابتسامةٍ مصطنعة على الشاشة أن تصير “وجهًا بارزًا”، ولتوافه الأمور أن تزيح الفنّ الحقيقي عن منصة الاحترام.
وأخيرًا…
سيظل الفنُّ فنًا، والرمزُ رمزًا، والصوتُ الصادقُ صوتًا خالدًا…وسيظل السفهُ سفهًا، مهما كوّم من ضوء، ومهما تلونت خلفه الشاشات.فالضوء لا يصنع نجمًا…والصراخ لا يصنع ناقدًا…والطفل الموبوء بالجهل لا يقيّم رجلًا بُني تاريخه من نارٍ وترابٍ ودمع شعب.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أجيالٌ تتبدّل… وذائقةٌ تبحث عن نفسها
- لهيبُ الوجد
- نهاية القارئ الأخير… القصة التي تُكتب بلا مَن يقرؤها
- -صمتٌ مصلوب-
- -تاريخ الأعمال الفنية التي حاولت قتل أصحابها-
- -صوتٌ بخمسين ألف… وبلاد تُباع في المزاد-
- جريمة قتل الانتماء… حين ينجو الوطن ويُقتل المواطن
- -عندما يبدّل الناس وجوههم عند عتبة الباب-
- الإنسان الممسوح: حين تُلغى الذاكرة باسم الحماية
- نهاية الشعر وبداية الصمت
- صباحُكِ ريما... حينَ تبتسمُ الحياة
- نهاية الإنسان قبل موته: سقوط الوعي في زمن الآلة المقدّسة
- العراق... حين تنتخب الظلال نفسها
- القيامة التي لم ينتبه لها أحد
- عندما مات الجمال في مرآة الفن
- حين أحببتها كانت النقود لا تعرف اسمي
- خونة بغداد
- حين سُرِقت حاوية الزبالة… ومات الضمير في صمت الوطن!
- موت الحقيقة في مقبرة الثقافة
- نشوز الأرواح


المزيد.....




- طبق -جريش-.. كلمة قالها وزير الطاقة السعودي بصورة جماعية تثي ...
- هاربة منذ أغسطس.. أكباش تثير الدهشة والحيرة بأحياء أمريكا وس ...
- فيديو يظهر آثار الغارات الإسرائيلية القاتلة على غزة
- واشنطن: قصة العاصمة التي يدور في فُلكها العالم
- ما مميزات مقاتلات F-35 التي قرر ترامب بيعها للسعودية؟
- أوكسفام: أرباح عام لميليارديرات قمة العشرين كافية للقضاء على ...
- الجيش السوري يقصف مواقع قسد شرقي الرقة ردا على مهاجمة قواته ...
- اللحظة التي ستغيّر وجه التاريخ الأميركي
- مصر.. رد علاء مبارك بذكرى ميلاد عبدالفتاح السيسي على تدوينة ...
- رجل مسجون يطلب من صديقتيه اختطاف وطعن سيدة و-التأكد من موتها ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - حين يتصدّر الصغارُ المشهد… وتغدو الساحةُ مرآةً مشروخة يقيم فيها السفهُ رموزَ الفن