أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتيات والفتيان… وللكبار الذين لم تُشفِ ذاكرتهم بعد














المزيد.....

✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتيات والفتيان… وللكبار الذين لم تُشفِ ذاكرتهم بعد


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 12:35
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ يتسابق فيه العالم على إعادة تشكيل الخرائط وفق مصالحه، تأتي رواية “أنا من الديار المقدّسة” — الموجّهة للفتيات والفتيان — لتضعنا أمام سؤالٍ أكبر من أعمار أبطالها:

كيف نحافظ على هوية لا تُدرَّس، بل تُعاش؟



من خلال قصة طفلتين فلسطينيتين في مدرسة أمريكية، يكشف جميل السلحوت، ببساطته العميقة، كيف يمكن لصوت صغير أن يخلخل يقين معلمةٍ كبرت على رواية واحدة، وكيف تستطيع طفلة أن تُعيد تعريف وطنٍ كامل بكلمة:

“أنا من فلسطين.”

✦ أدب موجّه للفتيان… لكنه يوقظ ذاكرة الكبار


على الرغم من أن الرواية مُعدّة للفتيان والفتيات، فإنها تتجاوز تقليديّة أدب اليافعين.

هي ليست مجرد قصة تعليمية أو وعظية، بل نصّ اجتماعي وسياسي مبطّن بطفولة واعية، يطرح أسئلة حول التمثيل، والهوية، وحق الشعوب في سرد تاريخها.



الطفل هنا ليس متلقّياً ساذجاً، بل فاعلٌ وصاحب موقف، يواجه خطاباً جاهزاً ومصقولاً بإعلام عالمي، ليقدّم رواية مُشوَّهة عن فلسطين.

✦ بين الصف المدرسي… وخرائط القلب


تبدأ الرواية بفصلٍ أمريكي حيث يطلب من التلاميذ التعريف بأصولهم.

حين تقول لينا إنها من فلسطين، تنهار أمام هذا الإعلان بساطة السؤال وتنكشف الفجوة التي يعيشها الغرب بين ما يُدرَّس وما هو حقيقي.



المعلمة، التي يفترض أنها تعرف “العالم”، لا تعرف فلسطين.

بل الأكثر فداحة:

تعرف الرواية الصهيونية كحقيقة، والرواية الفلسطينية كغياب.



وهذا هو قلب الرواية:

الطفلُ يكشف الجهل المُمأسس، وكأن الفلسطيني وُجد ليذكّر العالم باسمه كلما حاول هذا العالم طمس الحروف.

✦ القدس… حاضرة بصلواتها وغيابها وجرحها


حين تتحدث لينا وميلس عن القدس وبيت لحم، لا تفعلان ذلك كمدينة بعيدة، بل كقطعة من الذاكرة الحيّة:

كنائس، مساجد، أسوار، أحياء، جدّات ينتظرن العودة، وذكريات لا تحتاج إلى خرائط.

فلسطين في الرواية ليست “قضية”، بل بيت.

والقدس ليست “جغرافيا نزاع”، بل مدينة تُصلّي بلغتين وتبكي بلغات العالم كلّه.



هذا الحضور الروحي للمدينة يذكّر القارئ بأن الطفل الفلسطيني لا يتعلم هويته من كتاب، بل من إرثٍ يتسرّب في دمه.

✦ من الإنكار إلى الاعتراف


تبلغ الرواية ذروتها في لحظة التحوّل:

حين تُراجع مديرة المدرسة والمعلمة قناعاتهما عبر قراءة كتاب “قضية فلسطين” لإدوارد سعيد وكتاب “تغطية الإسلام”.

هنا لا يصبح الطفل معلّماً فقط، بل مرآة تكسرت أمامها روايات مُعلَّبة عمرها عقود.



هذا التحوّل لا يُقدَّم كدرس أخلاقي، بل كتجربة إنسانية:

حقيقةٌ تُنكرها الكتب الرسمية، لكن تؤكدها زيارة واحدة إلى القدس، حيث تختلط الأزقة بالذاكرة، والهواء بالتاريخ.



الرواية تقول ببساطة:

من يزور القدس، لا يمكن أن يُكمل حياته بالجهل نفسه.

✦ من أمريكا إلى القدس… ومن الرواية إلى الحقيقة


ترافق الرواية المعلمة ومديرة المدرسة في رحلتهما إلى القدس، وهناك يتبدد كل ما لقّنته المناهج الأمريكية.

تشاهدان السور، وكنيسة القيامة، والمسجد الأقصى، وحارة المغاربة التي هُدّمت، وتشاهدان الجنود الذين يقفون على أبواب المدينة كما لو كانوا يحرسون الجهل قبل أن يحرسوا المكان.



الرحلة — على بساطتها — تفتح شقاً داخل وعيهما، كأنّهما تكتشفان أن الخرائط ليست ألواناً على الورق، بل سكاناً، وأرضاً، وذاكرة لا تشيخ.

✦ لماذا تصلح هذه الرواية اليوم… أكثر من أي وقت؟


لأنها تضع فلسطين في يد الأطفال لا في أفواه السياسيين.

وتكشف أن الوعي الحقيقي لا يحتاج إلى منصّات، بل إلى ذاكرة صادقة، وطفل يقول الحقيقة دون خوف، وأهلٌ يعرفون أن الهويّة لا تُورّث بالقانون، بل بالمحبة والربط الحيّ بالجذور.



الرواية درسٌ كبير في زمنٍ يُراد لنا فيه أن ننسى.

وتذكيرٌ بأنّ الطفل الفلسطيني — حتى في المنافي — يحمل مفتاحين:

مفتاح البيت… ومفتاح الرواية الحقيقية.

✦ خاتمة


“أنا من الديار المقدّسة” ليست فقط رواية للفتيان والفتيات، بل وثيقة صغيرة تُعيد ترتيب العالم من جديد.

تقول لنا إن الحقيقة لا تحتاج إلى القوة، بل إلى صوتٍ يعرف اسمه.

وأنّ فلسطين، مهما ابتعدت، تعود في كلمة، وفي ذاكرة صغيرة تقف في وجه خرائط كبيرة



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة العربية… حين يصبح الأمان ترفًا والعدالة معركة
- قراءة نقدية موسّعة لرواية “الخطّ الأخضر” بين السرد والذاكرة… ...
- **استراتيجية القراءة والكتابة
- يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا
- حين تنحرف السياسة عن الإنسان… وتخسر الدول معناها
- تركتُ كلّ شيءٍ خلفي… واتّبعتُ ضميري وقلبي
- يا موت… مهلًا، ألا تتعب؟
- ما نتعلّمه حين نتوقف عن الهرب من الحقيقة
- قصيدة: بيتُ لحم… حين تنهض الأرض بوجوه النساء
- **قراءة نقدية في كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» ليا ...
- “سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”
- إيمان خطيب ياسين… امرأة صنعت حضورها بالصدق لا بالمنصب
- حين يحمل الجسدُ الوطن ملحمة إنسانية عن الذين هُجِّروا كي لا ...
- إنسان للإنسان إنسانإنسان للإنسان إنسان
- اسمع مني… إذا بدك تكون محبوب عند “شلل” الأحزاب العربية
- مقال: فلسطين… بين مطر غزة ونار الضفة، والعالم يواصل صمته الم ...
- آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً
- لا تُقارن نفسك بأحد… لأنّ لكلّ روح طريقها
- فلسطينيو الداخل: وجعٌ يحاور العالم
- الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة


المزيد.....




- -تعال أيها العالم-: الشاعرة الفلسطينية داليا طه تخاطب العالم ...
- لوحة ذاتية للفنانة المكسيكية فريدا كاهلو تُباع بأكثر من 50 م ...
- مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
- مدير المسرح الفلسطيني بالقدس: الاحتلال يحاربنا بشتى الطرق
- الذكرى الـ11 لرحيل الفنانة اللبنانية صباح..قصص من وراء الكوا ...
- مهرجان المقالح الشعري يضيء -غبش- صنعاء غدا
- الكويت تجذب السياحة الثقافية وتسعى لإدراج جزيرة فيلكا تراثا ...
- قناطر: لا أحبُّ الغناء العراقي .. لكن
- القضاء المصري يحكم بعرض فيلم -الملحد-
- النسيان على الشاشة.. كيف صوّرت السينما مرض ألزهايمر؟


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتيات والفتيان… وللكبار الذين لم تُشفِ ذاكرتهم بعد