أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً














المزيد.....

آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 15:02
المحور: الادب والفن
    


في مدينة تضيق بأسرارها وتتسع بقلق أبنائها، يقف المصنع المحمي كمساحة نادرة تشبه يدًا ممدودة لمن انهكتهم الحياة. ليس مؤسسة علاجية، بل مكان يعيد للإنسان حقه في أن يُرى كما هو، دون وصم أو خوف. في هذا المكان تبدأ حكاية آدم، الشاب الذي حمل في جسده الهشّ تشخيصات متداخلة: شيزوفرينيا، توحد، ونوبات غضب حادة، لكنه حمل في قلبه ما هو أكبر من ذلك كله—عبقرية موسيقية تنتظر من يأذن لها بالخروج.
دخل آدم المصنع لأول مرة وهو يشبه عصفوراً وقع في يد العاصفة. خطواته مترددة، وجهه قلق، وكتفاه مرفوعتان كمن يستعد للدفاع عن نفسه قبل أن يهاجمه أحد. اعتاد هذا الشاب أن يُقاس بتوتره، بصراخه، وبالأضرار التي يخلّفها خوفه. لم يسأله أحد يوماً: ممّ تهرب؟ ولم يفكر أحد أن الغضب قد يكون وجهاً آخر لروح تبحث عن حضن لا يتخلى.
في المصنع المحمي التقى ليال، معلمة موسيقى تعرف كيف تدخل إلى القلوب من باب صغير لا يراه الآخرون. لم تقترب منه بحذر، ولم تتعامل معه كحقل ألغام. نظرت إليه نظرة واحدة وقالت: “الغضب صوت يا آدم… وأنا أعرف كيف أسمعه دون أن أخاف.” كانت تلك الجملة أول خيط نجاة يلمسه الشاب منذ سنوات.
جلَس آدم أمام البيانو، ولم يعزف في البداية. كل ما فعله أنه أطلق نغمة قصيرة خرجت مثل تنهيدة مكبوتة. فهمت ليال أن هذا ليس عزفًا، بل اعتراف. فمن لا يعرف كيف يتكلم، يعترف بالموسيقى. ومن لا يملك لغة لروحه، تُصبح النغمات لغته الأكثر صدقًا. ومع مرور الأيام بدأت نوبات غضبه تخفّ. لم تختفِ، لكنها أصبحت مفهومة، ولم تعد بلا معنى. صار يضع عنفه فوق البيانو بدل أن يضعه فوق روحه.
في بيته، لاحظت والدته التحول. لم يعد يعود متعبًا ومكسور الأصابع من كثرة الضغط على نفسه. صار يعود وفي جيبه ورقة نوتة موسيقية. تغيّر صمته، وصارت عيناه أكثر هدوءًا. قالت لليال: “لم يعد غضب ابني يرعبني… صار له مكان.” والاحتواء دائماً يصنع معجزات لا تصرخ، لكنها تتجذر في الأرواح.
وجاءت ليلة العزف. أقام المصنع أمسية بسيطة احتفاءً بنزلائه، لا بمواهبهم. جلس آدم أمام البيانو، ولم يُطلب منه شيء. لا أن يكون عبقريًا، ولا أن يخفي اضطرابه، ولا أن يثبت للعالم أنه قادر على الانضباط. قالَت له ليال قبل أن يبدأ: “يكفي أن تكون أنت.” وبدأ العزف. ارتفعت النغمات متعثرة أولاً، ثم متوترة، ثم سالسة تشبه شفاءً بطيئًا لكنه حقيقي. كان لحنًا يشبهه هو: بداية متكسّرة، وسطٌ مشتعل بالعراك، ونهاية ناعمة تصل كيد تهدئ طفلًا خائفًا.
وحين انتهى، ساد صمت طويل كما لو أن الحضور احتاجوا وقتًا ليلحقوا بروحه التي سبقتهم. ثم جاء التصفيق، طويلاً، حارًا، لا يحتفي بالموهبة فقط بل بانتصار الإنسان على خوفه. في تلك اللحظة ظهرت على وجه آدم ابتسامة صغيرة، لكنها كانت أول ابتسامة صادقة منذ واحد وعشرين عامًا.
لم يشفَ آدم من اضطراباته. لم يتخلص من توحده، ولم تتوقف عواصفه تمامًا. لكنه تعلّم شيئًا لم يتعلمه من قبل: أن الغضب حين يجد من يصغي إليه لا يتحول إلى سيف، بل إلى موسيقى. وأن الاحتواء ليس رفاهية، بل ضرورة تُعيد للإنسان سلامه الداخلي. تعلّم أن العالم لم يعد كله عدوًا، وأن قلبه ليس خطرًا كما ظنّ البعض. فالمحبة، حين تكون صادقة، لا تعالج فقط… بل تُعيد تشكيل الروح



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا تُقارن نفسك بأحد… لأنّ لكلّ روح طريقها
- فلسطينيو الداخل: وجعٌ يحاور العالم
- الخيط الذي لم ينقطع: قصة فتاة أعادت اختراع معنى النجاة
- وطنٌ يعلّم أبناءه الحلم… ثم يجرّدهم من حقّ الحلم
- طولكرم… مدينةٌ تعلّم القلب كيف يقف دون خوف
- مار جريس… الفارس الذي يفضح خوف العالم
- الامتنان… فلسفة حياة ومرآة للروح الإنسانية
- لقاء لا يُنسى مع المناضلة الفلسطينية ليلى خالد
- حين عدتُ من الموت… أدركتُ الحقيقة التي يخشاها الجميع
- رولا غانم.. حين ينهض الوطن من بين سطور امرأة
- قصة: حين ينهض الصمت ويقول اسمه
- الإيزيديون… حين تُضيء الكلمة طريق الإنسان
- رواية الحصاد… حين يُزهر الوطن في قلب الطفولة
- 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع
- قراءة في قصة -مفتاحٌ لا يَصدأ-: للكاتبة رانية فؤاد مرجية  ...
- ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية
- محمد بركة… حين فشل الزعيم في أن يكون بين الناس
- ✨ ما بين جرسٍ وهلال (Between a Bell and a Crescent)
- رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...


المزيد.....




- لا رسوم على خدمات الترجمة في الرعاية الصحية في بليكينغه
- تداول فيديو لتوم كروز وهو يرقص مع ممثلة قبل فوزهما بجوائز ال ...
- هل هززتَ النَّخلة؟
- ‎-المجادِلة- يفوز بجائزة ريبا للعمارة في الشرق الأوسط 2025
- الثقافة تكشف خططها المستقبلية وتؤكد التوجه لإنشاء متحف عراقي ...
- سفارتا فلسطين وفرنسا تفتتحان عرض الفيلم الوثائقي
- معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.. الرواية الإسرائيلية أو ...
- حيّ ابن سكران، حين يتحوّل الوعي إلى وجع
- التشكيلي يحيى الشيخ يقترح جمع دولار من كل مواطن لنصب تماثيله ...
- عمر خيرت: المؤلف المتمرد الذي ترك الموسيقى تحكي


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - آدم: موسيقى خرجت من قلبٍ كان يظنّه العالم خطراً