أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع














المزيد.....

🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 12:07
المحور: الادب والفن
    


هناك من يسألني دائمًا:
لماذا تختارين المسرح والكتابة الإبداعية لتعملي مع الشباب والشابات من طيف التوحّد أو ذوي الإعاقات الذهنية والتطورية أو النفسية؟
ويبدو السؤال منطقيًا، لكنه ليس إنسانيًا بما يكفي.
أنا لا أعمل مع "حالات" — أعمل مع أشخاص.
والعالم كثيرًا ما جاءهم من باب النقص:
هذا لا يتواصل كما يجب،
وتلك لا تنظر في العيون،
وآخر يحتاج وقتًا أطول ليفهم.
فيتحول الإنسان إلى تقييمٍ دائم،
وتُنسى الحقيقة البسيطة: أن القيمة لا تُقاس بالقدرة على الأداء، بل بالقدرة على الوجود والحبّ.
المسرح بالنسبة لي ليس تدريبًا على التمثيل،
بل مساحة يعاد فيها الإنسان إلى مركز الحكاية.
🌿 من القالب إلى الدائرة
القوالب تحدد، تضبط، تُقيّد.
أما الدائرة فترحّب، تحتضن، تُنصت.
حين أبدأ مع المجموعة، لا أطلب إنجازًا ولا نتيجة.
أقول لهم ببساطة:
"سنروي قصصنا كما نحسّها، لا كما تعوّد الآخرون أن يسمّوها."
الفتى الذي اعتاد أن يُعرّف بأنه "متوحّد" يقول لي فجأة:
"أنا شابّ أحبّ الموسيقى."
والفتاة التي وُصفت بأنها "منطوية" تقول:
"أنا فقط أحبّ الهدوء."
هنا يتحول التشخيص إلى هوية،
والوصمة إلى لغة كرامة.
🕊 حين تُبدع الموجِّهة… تُبدع المجموعة
في التوجيه الإبداعي، لا أقدّم محاضرة، بل أفتح أبوابًا.
أمزج بين المسرح والكتابة والرسم والحركة،
لأن التعبير لا يمرّ دومًا بالكلمات.
في أحد اللقاءات سألتهم:
"لو كنتم أبطال فيلم، ما أول مشهد تودّون أن يراكم فيه الناس؟"
قال أحدهم:
"أريد أن يروني دون أن يسخروا."
وقالت أخرى:
"أريد أن أضحك ولا أحد يطلب مني أن أهدأ."
حينها فهمت أن المسرح الذي نصنعه ليس تمرينًا على الأداء،
بل ترميم لما هدمه المجتمع في الداخل.
التوجيه الإبداعي يجعل من كل اختلاف بابًا نحو الضوء:
من يرسم يعبّر، ومن يكتب يُنصت لنفسه،
ومن يرقص يقول ما لا تقوله اللغة.
وهكذا تتحول الجلسة من علاج إلى احتفاء بالوجود.
🌈 تبادل الأدوار… تبادل المصائر
أجمل اللحظات حين أقول لهم:
"بدّلوا الأدوار!"
من اعتاد البكاء يصبح القويّ،
ومن كان صامتًا يصبح الراوي،
ومن كان المتلقي يصبح القائد.
في تلك اللحظة، يتعلمون أن الهويّة ليست قيدًا بل إمكان.
المسرح يسمح لهم بأن يكونوا "الآخر"،
لكن دون أن يفقدوا أنفسهم.
هذه التحولات الصغيرة تغيّر حياتهم اليومية:
الأمّ تقول لي لاحقًا: "ابني صار يطلب ما يريد."
والمعلمة تخبرني: "فلانة صارت تتحدث عن مشاعرها دون خوف."
ذلك هو المسرح الحقيقي:
ما يترك أثره خارج الخشبة، في تفاصيل الحياة.
💫 من العلاج إلى الشراكة
أنا لا أحب كلمة "علاج" حين نتحدث عن الفن.
الفن لا يعالج كطبيب، بل يرافق كصديق.
هو لا يقول "سأصلحك"، بل يقول: "سأكون معك حتى تكتشف ذاتك."
حين نستخدم المسرح والكتابة مع هذه الفئات،
نحن لا "نعالج التوحّد"، لأن التوحّد ليس مرضًا،
بل نعالج جروح الرفض والخوف والاختزال.
الفن لا يُحوِّل الإنسان إلى نسخة من أحد،
بل يُعيد إليه شجاعته في أن يكون نفسه.
إنه شراكة بين أرواح تتعلّم من بعضها:
أنا أوجّه، لكنني أتعلم في كل مرة درسًا جديدًا في الصدق.
🌸 الدهشة التي لا تُنسى
في إحدى الورش، طلبت منهم أن يكتبوا رسالة لأنفسهم.
كتبت فتاة صامتة:
"اتركوني أكون بطيئة."
كانت تلك الجملة مشهدًا كاملًا:
صرخة ضد عالم يقيس القيمة بالسرعة.
وفي عرضٍ آخر، قال أحدهم أمام الجمهور:
"اليوم لم أخَف من الضوء."
لم يكن يقصد الإضاءة، بل الظهور نفسه.
أن يُرى دون خوف، أن يُصغي إليه الآخرون.
كانت لحظة ميلاد جديدة، لا مشهدًا فنيًا.
🌍 لماذا يجب أن يهتم العالم؟
لأن هذا ليس مشروعًا محليًا،
بل رسالة عالمية تقول:
الاختلاف ليس عائقًا، بل مصدر جمال جماعي.
المجتمعات التي تُقصي المختلفين تُفقد نفسها نصف إنسانيتها.
وحين ندمج التوجيه الإبداعي بالمسرح والكتابة،
نصنع نموذجًا جديدًا للدمج القائم على المشاركة لا الشفقة،
على الأصالة لا على المحاكاة.
إنها عدالة فنية وثقافية:
أن نعيد للإنسان المختلف حقّه في الحضور،
لا كرمز، بل كصوتٍ أصيلٍ يضيف إلى تنوّع الوجود.
🌺 ختامًا
أكتب هذه الكلمات لا لأُشيد ببطولات أحد،
بل لأذكّر بأن كل إنسان يحمل في داخله ضوءًا ينتظر من يراه.
المسرح لا يصنع المعجزات،
لكنه يفتح الباب لها.
الكتابة لا تغيّر الواقع وحدها،
لكنها تُغيّر نظرتنا إليه.
وحين نجمع بينهما في توجيه إبداعي،
نخلق مساحة لا تشبه الدواء،
بل تشبه الشفاء بالحبّ.
في تلك الدائرة الصغيرة على خشبة المسرح،
يتعلم كل شاب وشابة أن يقولوا للعالم بصوتٍ هادئ وواثق:
"أنا هنا… مختلف،
لكنني كامل."



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في قصة -مفتاحٌ لا يَصدأ-: للكاتبة رانية فؤاد مرجية  ...
- ليان... حين تقع القلوب في امتحان الإنسانية
- محمد بركة… حين فشل الزعيم في أن يكون بين الناس
- ✨ ما بين جرسٍ وهلال (Between a Bell and a Crescent)
- رنين بشارات… حين يتكلّم الصدق بصوتٍ مسرحيّ
- 🎭 “الحانة تعبانة”… حين يقف الإنسان في البار ليواجه ن ...
- قراءة أدبية في مجموعة -قصص قصيرة جداً- لرانية مرجية بقلم د. ...
- حين تعلّم النور أن يتكلم
- لفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في كتاب “قالت ...
- ✦ الفراشة كرمز للوعي والعبور قراءة فلسفية تأويلية في ...
- «حين يتكلم الصمت: دروس في الإنسانية من مصنعٍ صغير»
- الكاتبة رانية مرجية تحاور الأديبة الفلسطينية رولا خالد غانم ...
- - أميرة- الرواية التي تلد فلسطين من رحم الذاكرة
- الفتاة التي سرقت الشمس
- تعب الوعي… حين تصبح الروح ساحة حرب
- غزة… حين تنبعث من قلب الرماد
- لا تحفر لي حفرة
- حين يفكّر الله فينا… ينهزم اليأس
- قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ ...
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء


المزيد.....




- الفنان المصري إسماعيل الليثي يرحل بعد عام على وفاة ابنه
- الشاهنامة.. ملحمة الفردوسي التي ما زالت تلهم الأفغان
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -حرب المعلومات-.. كيف أصبح المحتوى أقوى من القنبلة؟
- جريدة “أكتوبر” الصادرة باللغة الكردية والتابعة للحزب الشيوعي ...
- سجال القيم والتقاليد في الدورة الثامنة لمهرجان الكويت الدولي ...
- اليونسكو تُصدر موافقة مبدئية على إدراج المطبخ الإيطالي في ال ...
- بين غوريلا راقصة وطائر منحوس..صور طريفة من جوائز التصوير الك ...
- فوز الكاتب البريطاني المجري ديفيد سالوي بجائزة بوكر عن روايت ...
- مدير السياحة والآثار بغزة: الاحتلال دمر جميع المعالم التاريخ ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - 🎭 مسرح لا يسألهم عمّا نقص… بل عمّا يلمع