أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ العراق/ كركوك














المزيد.....

قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ العراق/ كركوك


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 12:28
المحور: الادب والفن
    


تمثل قصيدة "وجع" للشاعرة رانية مرجية لوحة إنسانية مكثفة ترسم ملامح الألم المشترك في عالمنا المعاصر، حيث تتحول المعاناة الفردية إلى سردية جماعية، والجرح الشخصي إلى وثيقة وجودية تعبر حدود الجغرافيا والهوية.
تبدأ القصيدة بلحظة الليلي الخاوي، حيث "تنطفئ أنفاس المدن الكبرى" في صورة شعرية توحي بزفير الحياة الأخير، وكأن المدن كائن حي ينام ليصحو على قبح الواقع.
وفي هذا الصمت الليلي "يصحو الفقر على رائحة الخبز البعيد"، فالفقر هنا ليس مجرد حالة اقتصادية، بل كائن حي يستيقظ على جوعه، والخبز "البعيد" يتحول إلى رمز للحرمان الذي لا يقتصر على الطعام، بل يمتد إلى الحرمان العاطفي والوجودي.
تلك الإيماءة الشعرية "أمد أصابعي نحو الفراغ" تذكرنا بذلك الشوق الإنساني للمس الآخر، للاتصال بالعالم رغم بعده.
لكن المفارقة العميقة أنها لا تلمس سوى "وجوهًا لم أعرفها، لكنها تشبهني في الوجع".
هنا يتحول الألم من حالة فردية إلى رابط إنساني خفي، يصبح الوجع هوية مشتركة وجنسية موحدة.
ثم تأتي الصورة المركزية في القصيدة:
"كم يشبه هذا الكوكب قلب أم أُخذ ابنها إلى حرب بلا جهة".
إنها مقارنة مأساوية بين الكون والأم الحزينة، فالكوكب كله أصبح أمًا ثكلى، والحرب "بلا جهة" توحي بعدم وجود معنى أو هدف لهذه الصراعات. والعودة "على هيئة ريح تطرق النافذة" تحول الغياب إلى حضور شبحـي، والموت إلى زيارة متكررة. تلك الريح التي تهمس "أنا هنا، لكنك لا ترينني" تمثل المأساة الإنسانية في أعمق تجلياتها:
حضور الغائب، وغياب الحاضر.
يبلغ التيه الوجودي ذروته في البيت الشعري:
"أنا لست من هنا… كل أرض صارت لي وطنًا مؤقتًا". إنها ترحال لا ينتهي، حيث يصبح الجرح نفسه "جواز سفر جديدًا". والعبور "من ضوء إلى ظل، ومن فكرة إلى غياب" يشير إلى ذلك الانتقال الدائم بين حالات الوجود والعدم، بين اليقظة والنسيان. والحياة كـ"تدريب على الفقد" فكرة فلسفية عميقة، فكل لحظة تمر هي تمرين على فراق ما، وكل تجربة هي استعداد للوداع النهائي.
والموت كـ"اللغة الوحيدة التي نفهمها بلا ترجمة" يؤكد على أن الموت هو الحقيقة الوحيدة التي لا تحتاج إلى وسيط لفهمها، فهو اللغة الأم للبشر جميعًا.
ثم تأتي المقارنة الجريئة بين المدن:
"في نيويورك أو غزة، في طوكيو أو حيفا، الناس يبكون بالطريقة ذاتها". إنها الوحدة الإنسانية في المعاناة، فالدموع لا تعرف حدودًا ولا ألوانًا.
لكن "اختلاف الموسيقى هو ما يجعل الصراخ يبدو حضاريًا أحيانًا" هي نقد لاذع للتمييز بين آلام البشر حسب جغرافيتها، فالألم في الغرب يبدو "متحضرًا" بينما في الشرق يبدو "همجيًّا"، رغم أن الصراخ واحد.
المناجاة الأخيرة "يا وجعي القديم، يا مرآتي التي لا تكذب" تظهر كيف أصبح الألم رفيقًا وجوديًّا، وشاهدًا لا يكذب على الذات.
والسؤال "علمني كيف أحب دون أن أرتجف" يكشف عن الخوف من الحب في عالم يهدد بالفراق في كل لحظة.
والكتابة عن الورد "في زمن لم يعد يؤمن بالرائحة" تمثل محاولة الاحتفاء بالجمال في عالم فقد إيمانه بالمعاني الجميلة.
في الختام:
"ما عاد فينا متسع للنهايات" يشير إلى أن النهايات أصبحت رفاهية لا نملكها، فالحياة صارت سلسلة من النهايات الصغيرة التي "نكتبها سطرًا سطرًا في وجوه من نحب".
وتلك الوجوه أصبحت "وثيقة اعتراف من جيل نسي كيف يبتسم وهو ينزف".
إنها صورة الجيل المعاصر الذي تعلم العيش مع الألم، والضحك رغم الجروح، والحب رغم الخوف.
قصيدة "وجع" ليست مجرد كلمات، بل هي صدى لأنين إنساني عام، ورسالة من القلب الجريح إلى كل قلب يخفق تحت وطأة الوجود.
إنها تذكرنا بأن في وجعنا ما يجمعنا، وفي دموعنا ما يوحدنا، وأننا رغم كل الجراح، ما زلنا نمد أيدينا في الفراغ، علنا نلمس يدًا أخرى تشبهنا في الألم، وفي الأمل.
--
وجع — بقلم رانية مرجية
في آخرِ الليلِ،
حين تنطفئُ أنفاسُ المدنِ الكبرى،
ويصحو الفقرُ على رائحةِ الخبزِ البعيد،
أمدُّ أصابعي نحو الفراغ،
فألمسُ وجوهًا لم أعرفها،
لكنّها تشبهُني في الوجع.
كم يشبهُ هذا الكوكبُ قلبَ أمٍّ
أُخذ ابنُها إلى حربٍ بلا جهة،
وعادَ على هيئةِ ريحٍ تطرقُ النافذة
كلّ مساءٍ لتقول: أنا هنا،
لكنّكِ لا ترينني.
أنا لستُ من هنا…
كلُّ أرضٍ صارتْ لي وطنًا مؤقتًا،
وكلُّ جرحٍ صارَ جوازَ سفرٍ جديدًا.
أعبرُ من ضوءٍ إلى ظِلٍّ،
ومن فكرةٍ إلى غيابٍ،
كأنّ الحياةَ تدريبٌ على الفقدِ،
وكأنّ الموتَ هو اللغةُ الوحيدةُ التي نفهمها بلا ترجمة.
في نيويورك أو غزة،
في طوكيو أو حيفا،
الناسُ يبكونَ بالطريقةِ ذاتها —
لكنّ اختلافَ الموسيقى
هو ما يجعلُ الصراخَ يبدو حضاريًّا أحيانًا.
يا وجعي القديم،
يا مرآتي التي لا تكذب،
علّمني كيفَ أحبُّ دون أن أرتجف،
وكيفَ أكتبُ عن الوردِ
في زمنٍ لم يعد يؤمنُ بالرائحة.
ما عادَ فينا متّسعٌ للنهايات،
صرنا نكتبُها سطرًا سطرًا
في وجوهِ من نُحبّ،
ونُسلّمها للعالم
كأنّها وثيقةُ اعترافٍ
من جيلٍ نسيَ كيف يبتسمُ وهو ينزف.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تتحد الأرواح رغم اختلاف الأسماء
- ‏قراءة ادبية ‏ قي قصسدة ارحمنا يا الله للشاعرة رانية مرجية & ...
- الذين باركوا القتل رواية رانية مرجية 2 ...
- رولا.. الرواية التي تنسج الحلم الفلسطيني بخيوط الوجع والكرام ...
- قراءة في قصة -الصدق أحلى يا أصحابي- للدكتورة سيما صيرفي
- بعد موت أمي
- ‏قراءة الأدبية لرواية -الذين باركوا القتل- ‏ للكاتبة رانية م ...
- قراءة أدبية (( ملحمة الرماد والنبض) ) لرانية فؤاد مرجية بقلم ...
- الذين باركوا القتل – غلاف فارغ
- تنهيدة حرية: حين تكتب المرأة وجعها بالحبر والمقاومة
- «نبضات محرّمة»: حين يكتب القلب ما يحرّمه المجتمع
- تنهيدة حرية… رواية تُعيد كتابة الوجع الفلسطيني بأنفاس النساء
- وصيّة الأرض قبل القيامة
- سِفْرُ الكَلِمَةِ الأُولَى (أنشودة النور الكوني)
- أمهات الأرض
- ليما: التي تتحدث مع الصمت
- 🕯️ ظلّ الممر الأبيض
- رئتان تتنفّسان الندم
- حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول
- قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو


المزيد.....




- -ريغريتنغ يو- يتصدّر شباك التذاكر وسط إيرادات ضعيفة في سينما ...
- 6 كتب لفهم أبرز محطات إنشاء إسرائيل على حساب الفلسطينيين
- كفيفات يقدّمن عروضًا موسيقية مميزة في مصر وخارجها
- عميل فيدرالي يضرب رجلًا مثبتًا على الأرض زعم أنه قام بفعل مخ ...
- انقطاع الطمث المبكر يزيد خطر الإصابة بمتلازمة التمثيل الغذائ ...
- إشهار كتاب دم على أوراق الذاكرة
- مثنى طليع يستعرض رؤيته الفنية في معرضه الثاني على قاعة أكد ل ...
- المتحف البريطاني والمتحف المصري الكبير: مواجهة ناعمة في سرد ...
- مليشيات الثقافة العربية: عن -الكولونيل بن داود- و-أبو شباب- ...
- مليشيات الثقافة العربية: عن -الكولونيل بن داود- و-أبو شباب- ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قراءة في قصيدة -وجع- للشاعرة رانية مرجية بقلم د. عادل جوده/ العراق/ كركوك