أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ليما: التي تتحدث مع الصمت














المزيد.....

ليما: التي تتحدث مع الصمت


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 09:52
المحور: الادب والفن
    


الفصل الأول: الهمس الأول


في قريةٍ تقع على حافة الغابة العظمى، حيث يلتقي الضباب بالسماء، ويمتزج الليل برائحة الرماد والندى، وُلدت ليما ليلةَ خسوفٍ كاملٍ للقمر.

تقول النساء إنّ الريح سكنت لحظة ولادتها، وإنّ الذئاب صمتت كأنها تُصغي.

كانت أمها تقول دائمًا:



“هذه الطفلة لا تبكي، إنها تُصغي إلى ما لا نسمعه نحن.”


نشأت ليما بين بشرٍ يخافونها كما يخافون المعجزات.

كانت تكلم الطيور بلغتها، وتفهم حركات الظلال، وتسمع أصواتًا تأتي من بين الصخور.

وفي عامها العاشر، حين مات والدها بمرضٍ غامض، دخلت غرفته وجلست عند رأسه وقالت بهدوء:



“لن أسمح للصمت أن يأكلك.”
وفي الصباح، خرج الأب من الغرفة حيًا، لكن شعره أصبح أبيض كثلجٍ قديم.


منذ ذلك اليوم، أدرك الناس أن ليما لا تتحدث فقط، بل تُعيد كتابة ما يقوله القدر.

الفصل الثاني: لغة ما قبل الخلق


كبرت ليما وهي تسمع أصواتًا لا يسمعها غيرها.

كانت تقول إنّ العالم مصنوع من “الكلمات الأولى”، تلك التي نُطقت قبل أن يكون هناك بشر أو موت.

وحين تهمس بها، كانت الأشياء تتبدّل:

تُشفى الجروح، تُزهر الأغصان، ويهدأ البحر.

لكنها تعلمت الثمن — فكل كلمةٍ تشفي كانت تسرق منها جزءًا من ذاكرتها، من دفء صوتها، من طفولتها.



وحين سألها أحد الحكماء المسافرين عن سرّها، قالت:



“أنا لا أُشفي أحدًا، أنا أذكّر الجسد بما نُسي من لغة الحياة.”
فسألها: “ومن علّمك هذه اللغة؟”
فأجابت:
“الصمت.”
الفصل الثالث: مملكة الرماد


انتشر خبرها في القارات، حتى وصلت إلى عاصمةٍ عظيمة اسمها أورفانيس — مدينة العلم والحديد، حيث يُعبد المنطق ويُنفى الغيب.

استدعاها الملك ليشفي ابنه الوحيد من مرضٍ وراثيٍّ لم يُفلح فيه طبيب.

حين وقفت أمامه، لم تركع، بل نظرت إليه بعينيها الرماديتين وقالت:



“ابنك لا يحتضر، بل روحه تُحبس في جسده.”


ضحك العلماء، لكن الملك أمرها بالمحاولة.

اقتربت من الأمير، وضعت يدها على صدره وقالت كلمة لم تُفهم، كأنها نبضة خرجت من فم الكون.

وفي لحظة، تنفّس الفتى كأنه يُولد من جديد.

عمّ الفرح القصر، لكن ليما سقطت مغشيًا عليها، والدم ينزف من أنفها.



حين استيقظت، لم تعد تتذكّر اسمها.

الناس سمّوها من جديد: سيدة الكلمة.

الفصل الرابع: عدوّها الأول – الخوف


من يومها، أراد الملوك امتلاكها.

أرسلوا الجيوش لتأتي بها، وأراد العلماء تشريح سرّها.

هربت إلى الصحراء، حيث لا ظلّ إلا للقمر، وهناك سمعت أصواتًا من عالمٍ آخر تناديها:



“عودي إلينا، يا ابنة الصمت. لقد أعطيتِ أكثر مما يطيقه الجسد.”


لكنها رفضت.

قالت:



“لن أعود حتى يتعلم البشر أن الكلمة ليست سلاحًا، بل عهدٌ بين الحياة والموت.”


في تلك الليلة، ظهرت أمامها ذئبة بيضاء، بعينين تلمعان كالأزرق البارد، وقالت بصوتٍ يشبه الريح:



“العالم سينسى لغتك، لكن الأرض لن تنسى صوتك.”
ثم اختفت، تاركة خلفها أثر مخالب محفورًا على الرمل يشبه كلمة: ليما.
الفصل الخامس: العودة إلى الغابة


بعد مئة عام، حين نسي الناس اسمها، وبدأت الأساطير تُروى عنها كخرافة، ظهرت طفلة في الغابة تحمل نفس العيون الرمادية.

كانت تتحدث إلى الحيوانات، وتُهدهد الأزهار، وتقول حين تُسأل:



“أمي علمتني كلمة واحدة: لا خوف.”


وفي إحدى الليالي، رأى الصيادون نورًا يخرج من بين الأشجار، وصوتًا يقول:



“من يُنصت للحياة، يسمعها تتكلم.”


ومنذ ذلك الحين، صار الناس يروون أن في كل جيلٍ تولد واحدة تُعيد تذكير العالم بأن اللغة الأولى لم تمت، إنها فقط تنتظر من يسمعها.

الخاتمة


لم تكن ليما مجرد امرأة تشفي، بل كانت مرآة لما نُسي في البشر — أن الكلام يمكن أن يُميت أو يُحيي، وأن بين الصمت والكلمة يقف سرّ الوجود.

لقد صارت رمزًا عالميًا للرحمة، وللقدرة التي لا تُقاس بالسيف، بل بصدق النية.



وفي كل مكانٍ في العالم، حين يهمس أحدهم بكلمة شفاء من قلبه، يقول الحكماء:



“ليما ما زالت تتحدث.”



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 🕯️ ظلّ الممر الأبيض
- رئتان تتنفّسان الندم
- حين توقّف الطريق، بدأوا بالوصول
- قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو
- قراءة أدبية في قصيدة -أقرأ الأرض كي أنجو- - للشاعرة رانية مر ...
- .حين نغادر كي نعود أنقى
- النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...
- قراءة في قصيدة ما بين أوتار المكابرة … ، للمحامية عائشة يونس ...
- أنشودة مريم والنور
- الذين يبيعون الظل
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين


المزيد.....




- بعد تشوّهه الجسدي الكبير.. وحش -فرانكشتاين- يعود جذّابا في ا ...
- التشكيلي سلمان الأمير: كيف تتجلى العمارة في لوحات نابضة بالف ...
- سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
- سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
- الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور ...
- الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة
- توبا بيوكوستن تتألق بالأسود من جورج حبيقة في إطلاق فيلم -الس ...
- رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي ...
- افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا ...
- مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ليما: التي تتحدث مع الصمت