أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قراءة أدبية في قصيدة -أقرأ الأرض كي أنجو- - للشاعرة رانية مرجية- بقلم الناقد الدكتور عادل جودة















المزيد.....

قراءة أدبية في قصيدة -أقرأ الأرض كي أنجو- - للشاعرة رانية مرجية- بقلم الناقد الدكتور عادل جودة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8505 - 2025 / 10 / 24 - 00:29
المحور: الادب والفن
    


تمثل القصيدة بصمتها الروحي وأنفاسها الإنسانية متكأً وجودياً للتعبير عن الذات المرهفة الحساسة، التي تستمد مقومات بقائها من الانصهار في بوتقة الوجود، والاستمداد من منابع الإيمان العميق.
فالشاعرة لا تنظم أبياتاً منمقة فحسب، بل تنحت بكلماتها عالماً متكاملاً تسكنه الأسرار، وتتعانق فيه المقدسات، وتتآلف فيه الأضداد في تناغم إلهي بديع.
البناء الفني والرؤيوي:
تنهض القصيدة على بنية سردية حكائية، تتداخل فيها المشاهد الوصفية مع التأملات الفلسفية، حيث تبدأ الشاعرة بتأكيد هويتها الوجودية:
"أنا ابنةُ الأرض"، لتؤسس لعلاقة عضوية مع الكون، فالأرض هنا ليست مجرد تراب ومادة، بل هي وعاء الذاكرة الجماعية، ومصدر الإلهام الأول.
وتكشف الاستعارة "كما يحمل القلبُ ذاكرته الأولى" عن عمق هذه العلاقة التي تتجاوز المكان إلى الزمان، لتصل إلى أصل الأصول.
جدلية الكتابة والنجاة:
تتحول الكتابة لدى الشاعرة إلى فعل خلاصي، فهي الوسيلة التي تتحول بها المعاناة الشخصية إلى رسالة إنسانية، كما توحي المقولة المضمنة: "اكتبي، فمن لا يكتب وجعه، يُصبح وجعًا لغيره".
وهنا تنتقل الكتابة من مستواها الجمالي إلى بعدها الأخلاقي، حيث تصبح مسؤوليةً تجاه الذات والآخر.
التسامي فوق الاختلاف:
تبدو القصيدة بياناً إيمانياً متسامياً، يرفض الانغلاق الطائفي، ويؤكد على وحدة المصير الإنساني. فالشاعرة تستمد هذا التسامح من الأرض نفسها، التي تعلّمها أن "الله لا يفرّق بين الركوع والسجود، بين الأذان والناقوس". وتتحول المدينة في القصيدة إلى فسيفساء روحية، حيث "الأجراس تعانق المآذن كلّ صباح"، في صورة بديعة تختزل قروناً من التعايش.
المقدّس في اليومي:
تمتلك الشاعرة رؤية تجسدية للمقدس، تخرجه من حيز الطقوس إلى فضاء الحياة، فالله -في تصورها- ليس كياناً بعيداً، بل هو حاضر في "لقمةِ الخبزِ"، و"قلبِ من يغفر"، و"يدِ من يزرعُ زيتونةً".
وهنا تلتقي الحكمة الشعبية الموروثة من الأم مع التجربة الصوفية العرفانية.
الأنثى كمكان مقدس:
يبرز في القصيدة تقديس لدور الأنثى، حيث تتحول الأم إلى "أول كنيسةٍ وأطهر مسجد"، في إعلاء واضح لدور المرأة كمصدر للحنان والإيمان، وكحاضنة للقيم الروحية قبل الدينية.
الحب كاختبار وجودي:
لا يظهر الحب في القصيدة كعاطفة عابرة، بل كتجربة صوفية تختبر بها الذات وجودها: "الحبّ عندي ليس وعدًا، بل عبورٌ فوق نارٍ لا تحرق العارفين".
وهو حب يتجاوز الامتلاك إلى التحرر، والأنانية إلى العطاء.
اللغة كملاذ أخير:
تتحول اللغة في القصيدة إلى "آخر وطنٍ لا يُحتلّ"، ففي عالم تتهدده الفواجع والضياعات، تبقى الكلمة الملجأ الأمين، والوسيلة الأقدر على حفظ الذاكرة وترسيخ الوجود.
الخلاصة:
تمثل قصيدة "أقرأ الأرض كي أنجو" رحلةً وجوديةً تبحث فيها الذات عن معنى لها في عالم مفعم بالأسرار. إنها قصيدة ترفض التصنيم والانغلاق، وتؤمن بوحدة المصير الإنساني، وتقدس الحياة في أبسط تجلياتها. الشاعرة هنا لا تكتب شعراً فحسب، بل "تكتب بقاءً" كما تقول، مستخدمةً اللغة كجسر تعبر عليه من ظلمات الواقع إلى فضاءات الروح الرحبة، حيث تلتقي كل الصلوات، وتتعانق كل المقدسات في تناغم إلهي بديع.
فهي قصيدة تذكرنا أن النجاة الحقيقية ليست في الهروب من الأرض، بل في القراءة المتعمقة لأسرارها، والاستماع إلى همساتها الخالدة.

قصيدة: أقرأ الأرض كي أنجو
رانية مرجية
أنا ابنةُ الأرض،
أحملها في صدري كما يحمل القلبُ ذاكرته الأولى.
حين ينام العالم، أسمعها تهمس لي:
“اكتبي،
فمن لا يكتب وجعه،
يُصبح وجعًا لغيره.”
من طينها ودمعها وملحها جُبلت،
ومن حجارتها التي تصلي في صمتٍ
تعلّمتُ أن الله لا يفرّق بين الركوع والسجود،
بين الأذان والناقوس،
فكلّ صلاةٍ صادقةٍ
تصلُ إلى السماء من طريقٍ واحدٍ من النور.
في مدينتي،
الأجراس تعانق المآذن كلّ صباح،
والريح تحمل دعاء الكنائس إلى المساجد،
كأن الأرضَ تقول:
“ما دام فيكم حبّ،
فأنتم أهلي جميعًا.”
رأيتُ امرأةً تُشعل شمعةً في كنيسة القيامة،
ورجلاً يرفع يديه في الأقصى المجاور،
فابتسمتُ…
الاثنان يصليان للواحد،
بلغةٍ مختلفةٍ من الخشوع.
كبرتُ،
ولم أنطفئ،
فالنار التي تسكنني
تعرف كيف تضيء دون أن تحرق.
كلّ تجعيدةٍ في وجهي سطرٌ من سفر البقاء،
وكلّ جرحٍ صغيرٍ
حروفُ صلاةٍ كُتبت على جسدٍ يعرف معنى النهوض.
أمّي كانت تقول لي:
“الله ليس بعيدًا يا ابنتي،
هو في لقمةِ الخبزِ، وفي قلبِ من يغفر،
وفي يدِ من يزرعُ زيتونةً واحدةً
ثم يرحلُ مطمئنًا.”
تعلّمتُ منها أن الحنان دين،
وأن الأمّ أول كنيسةٍ وأطهر مسجد.
الحبّ عندي ليس وعدًا،
بل عبورٌ فوق نارٍ لا تحرق العارفين.
من أحبّ بصدقٍ لا يطالب،
لا يملك، لا يصرخ؛
يكتفي أن يرى النورَ في وجه الآخر،
ثم يشكر الله على الرؤية.
غاب أحبّتي،
لكنّ أصواتهم ما زالت في الهواء.
حين أقترب من الجدار الغربي،
أسمع أنينَ الذين صلّوا قبلنا،
وحين أمرّ بجانب كنيسةٍ قديمةٍ في الناصرة،
أشعرُ أن أرواحهم تسبّح في الضوء.
لم يرحلوا…
لقد غيّروا أماكنهم في الذاكرة،
وصاروا صلاةً تمشي بين القبور والأغاني.
يا الله،
يا من تسكن في الحجرِ والشجر،
وفي الجرحِ الذي صار طريقًا إلى الرحمة،
أنا لا أرفع يدي كثيرًا،
لكنّي حين أكتب عنك،
أشعرُ أنك تبتسم.
أنتَ لا تسكن المساجد وحدها،
ولا الكنائس وحدها،
بل تسكن في القلب حين يصير بيتًا للغفران.
أنا لست ظلًّا لأحد،
ولا امتدادًا لاسمٍ أو زمان.
أنا امرأةٌ من نورٍ وطين،
تُعيد تعريف النجاة كلّ يومٍ بالكتابة.
لا أبحث عن الخلود،
بل عن أثرٍ طيّبٍ
يهدّئ الغريب بعدي.
حين تحدّثني الأرض،
تقول لي:
“لا تخافي من الفقد،
فالذي يزول يترك مكانه للضوء،
والذي يحترق يصير رمادًا
يخصب حياةً جديدة.”
أنا لا أكتب شعرًا،
أنا أكتب بقاءً.
أكتب لأن اللغة آخر وطنٍ لا يُحتلّ،
وأكتب لأن الكنائس والمآذن
تلتقي في قلبي كلّ فجرٍ
لتقول لي:
“ما دام فيكِ حبّ،
فلن تهزمي أبدًا.”
وحين يسألني أحدهم:
من تكونين؟
أقول:
أنا التي أقرأ الأرض كي أنجو،
وأكتب كي لا يموت الحلم في اللغة،
وأصلي —
في كلّ بيتٍ لله،
وفي كلّ قلبٍ يعرف الرحمة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .حين نغادر كي نعود أنقى
- النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...
- قراءة في قصيدة ما بين أوتار المكابرة … ، للمحامية عائشة يونس ...
- أنشودة مريم والنور
- الذين يبيعون الظل
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين
- ‏قراءة ادبية في : ‏كتاب بعنوان -الرملة ٤٠٠ ...
- قراءة وجدانية فلسفية في ديوان «صبا الروح» للشاعرة سلمى جبران
- قراءة ادبية تحليلية في نص الفرح في حضرة الأم الغائبة للكاتبة ...
- ملحمة الندى والنار قصيدة وجدانية ملحمية
- الفرح في حضرة الأم الغائبة


المزيد.....




- التشكيلي سلمان الأمير: كيف تتجلى العمارة في لوحات نابضة بالف ...
- سرديات العنف والذاكرة في التاريخ المفروض
- سينما الجرأة.. أفلام غيّرت التاريخ قبل أن يكتبه السياسيون
- الذائقة الفنية للجيل -زد-: الصداقة تتفوق على الرومانسية.. ور ...
- الشاغور في دمشق.. استرخاء التاريخ وسحر الأزقّة
- توبا بيوكوستن تتألق بالأسود من جورج حبيقة في إطلاق فيلم -الس ...
- رنا رئيس في مهرجان -الجونة السينمائي- بعد تجاوز أزمتها الصحي ...
- افتتاح معرض -قصائد عبر الحدود- في كتارا لتعزيز التفاهم الثقا ...
- مشاركة 1255 دار نشر من 49 دولة في الصالون الدولي للكتاب بالج ...
- بقي 3 أشهر على الإعلان عن القائمة النهائية.. من هم المرشحون ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قراءة أدبية في قصيدة -أقرأ الأرض كي أنجو- - للشاعرة رانية مرجية- بقلم الناقد الدكتور عادل جودة