أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة














المزيد.....

النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


. مدخل: حين يتنفّس المعنى


لم يعد النقد اليوم مجرد أداةٍ لتقويم النصوص أو تصنيفها، بل أصبح فعلاً وجوديًّا يعيد طرح سؤال الوعي الإنسانيّ من داخل اللغة.

النصّ ليس بنية لغويّة مغلقة، بل كائنٌ يتنفّس عبر قارئه، ويكتسب حياته من تلك المسافة الشفافة بين الحرف والوعي.

كلّ قراءةٍ هي حدثُ ولادةٍ جديدةٍ للمعنى، وكلّ نقدٍ حقيقيٍّ هو محاولة لاستعادة أنفاس اللغة قبل أن تتحوّل إلى عادة.



أنا لا أكتب لأُصدر حكمًا، بل لأفتح نافذةً نحو ما يتوارى خلف الجمال.

النقد بالنسبة إليّ ليس سلطةً تراقب، بل إصغاءٌ يحرّر؛

ليس تحليلًا لما هو مكتوب، بل كشفٌ لما لم يُكتب بعد.

فالنقد الذي لا يُعيد إلى اللغة دهشتها الأولى، يُسهم في موتها البطيء.

٢. النقد بوصفه وعياً كونيّاً


النقد الحقيقيّ لا يفضح النصّ، بل يُعيد إليه وعيه الأول، لحظة انبثاقه من ظلمة الإنسان إلى نور الكلمة.

إنّه ليس ترفًا فكريًّا، ولا اشتغالًا لغويًّا على الأطلال، بل رحلةٌ في كينونة الإنسان وهو يحاول أن يقول ما لا يُقال.



في كلّ نصٍّ أدبيٍّ عظيمٍ بذرةُ كَوْنٍ صغيرة، تتوسّع بقدر ما نقرأها بوعيٍ مفتوحٍ على الوجود.

القارئ هنا ليس شاهداً على النصّ، بل شريكٌ في خلقه؛

فالكلمة لا تكتمل إلا في وعينا بها، والكاتب لا يُولد إلا حين نُعيد قراءته على ضوء أرواحنا.



النقد الكونيّ هو دعوةٌ للعودة إلى أصل العلاقة بين اللغة والوجود، بين الحرف والنَفَس، بين الفكر والدهشة.

هو أن نفهم أنّ النصّ ليس فقط ما يقوله الكاتب، بل ما يوقظه فينا من أسئلة، وما يتركه فينا من أثرٍ يشبه الحنين إلى المعنى.

٣. بين الفلسفة والنفس والوجدان


لا أقرأ النصوص بعينٍ واحدة، لأنّ الإنسان ذاته كيانٌ متعدّد الطبقات.

الفلسفة تمنحني المفهوم والسؤال،

النفس تمنحني الإصغاء إلى الصمت الذي يسكن المعنى،

والوجدان يمنحني البصيرة التي ترى ما لا يُقال.



حين أقرأ نصًّا روائيًّا عن الفقد، لا أبحث فقط عن رموزه ومجازاته،

بل عن الخوف الذي يسكن بياض الصفحات، عن اللغة التي تتلعثم حين تقترب من الجرح،

وعن لحظة الانكسار التي حاول الكاتب أن يُخفيها بين البلاغة والنحو.



النقد النفسيّ ليس استجوابًا للكاتب، بل حوارًا مع هشاشته.

والنقد الوجدانيّ ليس انفعالًا ذاتيًّا، بل نوعٌ من المحبّة العاقلة،

محبّةٌ ترى الجمال في الألم، وتدرك أن ما يوجعنا هو ما يجعلنا أكثر إنسانية.



أما الفلسفة، فهي الوعي الذي يرفع الأدب من اللغة إلى الوجود،

فتُذكّرنا بأنّ النصّ ليس مجرّد خطاب، بل سؤالٌ عن معنى أن نكون.

٤. النقد كصلاةٍ فكرية


كلّ نقدٍ صادقٍ هو صلاةٌ تُؤدَّى في محراب اللغة.

أنا لا أكتب لأُقيم جدلاً أكاديميًّا، بل لأحرس توهّج النصّ من التكلّس والادعاء.

حين أقرأ قصيدةً صادقة، أشعر أنّ اللغة تركع في حضرة الحقيقة،

وأنّ الكاتب، من حيث لا يدري، يمارس فعل الخلق من جديد.



النقد الذي أمارسه هو طقسُ إصغاءٍ عميق، لا إلى النصّ فحسب، بل إلى الوجود الذي ينبض من خلاله.

فالكلمة، حين تُكتب بصدق، تتحوّل إلى كائنٍ نورانيٍّ صغير،

ووظيفة الناقد أن يحرس هذا النور من العتمة الأكاديمية ومن الاستهلاك الثقافيّ.



النقد ليس تفسيرًا للنصّ، بل رعايةٌ له؛

هو فعلُ رحمةٍ قبل أن يكون فعلَ معرفة.

لأنّ النصوص الحقيقية، مثل البشر الحقيقيين، لا تُفهم إلا بالحبّ.

٥. الإنسان بوصفه النصّ الأخير


بعد أعوامٍ من الكتابة، أدركتُ أن النصوص تُنسى،

لكنّ أثرها في وعينا يبقى، مثل رائحة الحبر بعد انطفاء الحرف.

في النهاية، لا نقرأ النصّ فحسب، بل نقرأ أنفسنا من خلاله.



الكاتب يخلق اللغة ليهرب من صمته،

والناقد يعود إلى هذا الصمت ليكتشف فيه معنى البقاء.

فكلّ عملٍ نقديٍّ حقيقيٍّ هو شهادة حياةٍ للوعي الإنسانيّ،

ومحاولةٌ لإنقاذ الإنسان من تَحوّله إلى رقمٍ أو فكرةٍ بلا روح.



النقد في جوهره مقاومةٌ ضدّ العدم،

إنه إحياءٌ دائمٌ للمعنى في وجه النسيان،

وإعادةٌ لترتيب العلاقة بين اللغة والوجود،

بين القول والسكوت، بين الفكر والقلب.

٦. خاتمة: النقد كمسؤولية حبٍّ ووعي


النقد عندي ليس مهنةً ولا تمرينًا لغويًّا،

بل موقفٌ أخلاقيٌّ من الوجود.

هو أن تؤمن بأنّ في كلّ نصٍّ نداءً خفيًّا ينتظر الإصغاء،

وأنّ الإصغاء إلى الجمال هو أحد أشكال الشكر للحياة.



الناقد الحقّ لا يعلو على النصّ، بل ينحني أمامه بتواضع العارف،

لأنّ النصّ ليس موضوعًا للبحث، بل كائنٌ للعيش.

وما لم يتحوّل النقد إلى تجربةٍ للوعي، سيبقى مجرّد حرفةٍ لغويةٍ تُعيد إنتاج الصمت.



أعظم ما في النقد أنه يُعيد إلينا دهشة البدء،

أن يُعلّمنا كيف نرى العالم بعينٍ جديدة،

أن يُذكّرنا بأنّ كلّ قراءةٍ هي تمرينٌ على أن نكون أكثر رحمة،

وأكثر قربًا من الإنسان فينا.

“النقد الحقيقيّ ليس قراءةً للنصّ، بل إنقاذٌ للروح من صمتها،
وإعادةُ الإنسان إلى مقامه في اللغة، حيث تتنفس الحقيقة عبر الجمال.”
— رانية مرجية



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 🔹 قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد) للكاتبة رانية مر ...
- الطيبة لا تموت
- حين تنصت اللغة إلى الله قراءة رانية مرجية في رواية إكسير الأ ...
- قراءة أدبية : في قصيدة (( لا يعرفونني)) للشاعرة رانية مرجية ...
- ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) v ...
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...
- قراءة في قصيدة ما بين أوتار المكابرة … ، للمحامية عائشة يونس ...
- أنشودة مريم والنور
- الذين يبيعون الظل
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين
- ‏قراءة ادبية في : ‏كتاب بعنوان -الرملة ٤٠٠ ...
- قراءة وجدانية فلسفية في ديوان «صبا الروح» للشاعرة سلمى جبران
- قراءة ادبية تحليلية في نص الفرح في حضرة الأم الغائبة للكاتبة ...
- ملحمة الندى والنار قصيدة وجدانية ملحمية
- الفرح في حضرة الأم الغائبة
- قراءة وارفة في ديوان «أنّات وطن» للشاعرة سلمى جبران ✦
- الإنسان يبكي ثم يرى


المزيد.....




- لماذا تراجع نفوذ مصر القديمة رغم آلاف السنين من التفوق الحضا ...
- موريتانيا تطلق الدورة الأولى لمعرض نواكشوط الدولي للكتاب
- انطلاق الدورة الرابعة من أيام السينما الفلسطينية في كولونيا ...
- سطو اللوفر يغلق أبواب المتحف الأكبر وإيطاليا تستعين بالذكاء ...
- فساتين جريئة تسرق الأضواء على السجادة الحمراء بمهرجان الجونة ...
- ورشة برام الله تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار ...
- أسماء أحياء جوبا ذاكرة نابضة تعكس تاريخ جنوب السودان وصراعات ...
- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - النقد كوعيٍ حيّ: قراءة الإنسان في مرايا الكلمة