أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) ⸻














المزيد.....

ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) ⸻


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 11:05
المحور: الادب والفن
    


🕯️ الفصل الأول – حين بدأ الصمت
في تموز 1948، كانت الرملة تنام على أنفاسها الأخيرة.
الهواء مشبعٌ برائحة الخبز والخوف،
والأبواب تُغلق ببطء كأنها تخجل من الرحيل.
في الساحات، تلتف النساء حول تنانير الطين الساخنة،
وفي المآذن يتردد الأذان بلا مؤذن،
صوتٌ بلا جسد، كأن الله نفسه يوشك أن يغادر المدينة.
في اللد، كانت البيوت ترتجف قبل أن تسقط.
وفي يافا، كانت العروس البحرية تُنتزع من فستانها،
والبحر واقف على الشاطئ كقاضٍ لا يستطيع الحكم.
لم تكن تلك حربًا،
كانت نهاية شكلٍ من أشكال الوجود.

🌫️ الفصل الثاني – الطريق إلى رام الله
خرج الناس من الرملة واللد ويافا معًا،
قافلة واحدة من أجسادٍ أنهكها الخوف والعطش.
الطريق كان طويلًا،
يمتدّ كجرحٍ مفتوحٍ نحو رام الله.
في الصفوف، رجالٌ يسيرون بلا ظلال،
ونساءٌ يحملن العجين بدل الأطفال.
كانت كل امرأة تحمل بيتها على رأسها،
وكل رجلٍ يحمل وطنه في صدره ويكتم الصرخة.
طفلٌ سقط من التعب،
انحنت أمه فوقه وهمست:
“نم قليلًا يا بني، الطريق ما زال طويلًا.”
لكن الطفل لم يفتح عينيه بعدها أبدًا،
وكأن النوم صار وطنه الأخير.
الحرّ يأكل الجلود،
والتراب يلسع الأقدام،
والسماء صماء لا تمطر سوى الغبار.

💧 الفصل الثالث – العطش
حين نفد الماء، بدأت رحلةٌ أخرى من القهر.
العطش صار معركةً لا ضد العدو، بل ضد الجسد.
منهم من شرب من غدرانٍ آسنة،
ومنهم من شرب بوله كي يمدّ خطوته أكثر.
امرأة شابة سقطت وهي تحمل عجينها.
حاولت أن تنهض،
لكنها قالت بصوتٍ مرتجف:
“كنت أريد خبزًا لأطفالي،
فإذا بالعجين صار أثقل من الحياة.”
لم يكن أحد يصرخ.
الصراخ ترفٌ لا يملكه من تذوّق الرماد.
كانوا يسيرون بصمتٍ مطلق،
كأنهم يمشون في جنازةٍ جماعيةٍ لا نهاية لها.

🌊 الفصل الرابع – يافا التي لم تمت
على البعد، كانت يافا ما تزال تلوّح.
البرتقال تساقط من أغصانه دون أن يُقطف،
والبحر صار مرآةً للغائبين.
رجل من يافا التفت وهو على الطريق،
نظر إلى البحر وقال:
“حتى الموج ينادي أسماءنا،
لكنه لا يعرف أين نردّ عليه.”
في الأزقة التي تُركت خلفهم،
ظلّت تنانير الخبز مشتعلة،
كأن النار ترفض أن تطفئ نفسها قبل أن تعود الأيدي.
يافا لم تمت،
لكنها تقمّصت البحر كي تبقى حيّة في ذاكرة من رحلوا.

🌌 الفصل الخامس – رماد المدن
حين وصل بعضهم إلى رام الله،
لم يعرفوا هل نجا أحدٌ حقًا،
أم أن الجميع صار جزءًا من هذا الموت الطويل.
ناموا في العراء،
غطّاهم الليل بدل البطانيات،
وكانت النجوم كأنها ثقوبٌ في السماء تُطلّ منها أرواح البيوت القديمة.
امرأة خبأت عجينها في قطعة قماش،
وقالت: “غدًا سأخبزه حين نعود.”
لكن الغد لم يأتِ أبدًا،
وظلّ العجين رطبًا كأنه ينتظرها حتى اليوم.

🌕 الفصل السادس – ما بعد الغياب
مرت الأعوام،
والرملة بقيت في ذاكرة الذين نجوا،
تتنفّس في أحلامهم كما تتنفس الأرض بعد المطر.
اللد تنام على كتف الرملة،
ويافا تهمس لهما من بعيد عبر الموج:
“أنا لم أمت… أنتم فقط ابتعدتم أكثر.”
كل حجرٍ في المدن الثلاث يتذكّر الأقدام التي غادرته،
وكل مفتاحٍ في جيبٍ قديمٍ يلمع كلما ذُكرت العودة.
حين تمطر فلسطين،
يشرب المطر من أثر تلك الخطوات،
كأنه يُعيد إليهم الماء الذي عطشوا إليه ذات يوم.

✨ الخاتمة – النكبة التي لا تنتهي
لم تكن النكبة يومًا في التاريخ،
كانت استمرارًا للوجع في ذاكرة الجغرافيا.
الرملة واللد ويافا ما زلن يمشين فينا،
نحملها في العيون والملامح والكلمات.
كلما نطق أحدٌ باسمها،
ارتجف حجرٌ في مكانٍ ما،
وارتفع صوتٌ خافت من تحت التراب يقول:
“ما زلنا هنا،
لم نُهزم،
نحن فقط ننتظر الطريق المعاكس… طريق العودة.”



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساءُ الضوء – رانية مرجيّة
- قراءة ادبية في قصيدة -أن تكون مثقفًا- للشاعرة الفلسطينية ران ...
- قراءة في قصيدة ما بين أوتار المكابرة … ، للمحامية عائشة يونس ...
- أنشودة مريم والنور
- الذين يبيعون الظل
- رواية- الخاصرة الرخوة- أنوثةٌ تُجلد باسم الطهارة ووطنٌ يُستب ...
- “أنشودة الإنجيل الأخير”
- وجهُ الذاكرةِ… حين تكتب حياة قالوش بمداد الحنين
- ‏قراءة ادبية في : ‏كتاب بعنوان -الرملة ٤٠٠ ...
- قراءة وجدانية فلسفية في ديوان «صبا الروح» للشاعرة سلمى جبران
- قراءة ادبية تحليلية في نص الفرح في حضرة الأم الغائبة للكاتبة ...
- ملحمة الندى والنار قصيدة وجدانية ملحمية
- الفرح في حضرة الأم الغائبة
- قراءة وارفة في ديوان «أنّات وطن» للشاعرة سلمى جبران ✦
- الإنسان يبكي ثم يرى
- قراءة في كتاب طفل الطيف رحلة في الحب والمعنى -بقلم الدكتور ع ...
- الوبش… حين يمرض المعنى ويغدو الجسد مرآة الوعي قراءة فلسفية ع ...
- 🕊️ توجيه المجموعات ثنائية اللغة في ظل الأزمات
- ذات مرة في غزة.. حين يصبح الوجع ذاكرةً جماعيةً للنجاة فيلم ف ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -وجوه ناقصة- لرانية مرجية بقلم الدكتور ...


المزيد.....




- هكذا أطلّت الممثلات العالميات في المهرجان الدولي للفيلم بمرا ...
- أول متحف عربي مكرّس لتخليد إرث الفنان مقبول فدا حسين
- المسرحيون يعلنون القطيعة: عصيان مفتوح في وجه دولة خانت ثقافت ...
- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - ثلاث مدن تمشي إلى الغياب (نصّ روائي شعري عن نكبة 1948) ⸻