أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - رانية مرجية - 🕊️ توجيه المجموعات ثنائية اللغة في ظل الأزمات














المزيد.....

🕊️ توجيه المجموعات ثنائية اللغة في ظل الأزمات


رانية مرجية
كاتبة صحفية وموجه مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 08:48
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


مدخل: بين اللغة والأزمة
في زمنٍ تتكاثر فيه الأزمات كما تتكاثر الظلال عند الغروب، تتقاطع اللغات كما تتقاطع المصائر.
الناس لا يتكلمون فقط ليفهموا، بل ليتنفّسوا.
وفي هذا المشهد المتشابك، تأتي مهمة توجيه المجموعات ثنائية اللغة بوصفها واحدة من أعقد المهمات وأكثرها نبلاً، لأنها لا تتعلق فقط بتعليم لغة، بل بترميم إنسان يعيش بين لغتين، بين خوفين، وبين ذاكرةٍ لا تعرف بأي لسان تبكي.

اللغة كجسرٍ نحو الآخر
اللغة ليست مجرّد وسيلة تواصل، بل هي جسر من الروح إلى الروح.
في المجموعات الثنائية اللغة، لا يُختبر اللسان فقط، بل يُختبر القلب أيضًا.
كل كلمة تُقال بلغةٍ ليست لغتنا الأولى، تحمل خلفها قلق الهوية، وشوق الانتماء، وارتباك الذاكرة.
وهنا، يصبح الموجّه أشبه بمترجمٍ للوجدان — لا ينقل المعنى الحرفي، بل يترجم الخفاء الإنساني الكامن في النبرة، في الصمت، في العينين.
في الأزمات، تتكسّر اللغة بسهولة، لكنها أيضًا تُعيد بناء الإنسان من رماده.
فكل حوار، مهما بدا بسيطًا، هو تمرين على الشفاء.

التوجيه كفعل وجداني
ليس التوجيه مجرّد مهنة، بل حالة عاطفية واعية.
الموجّه الحقيقي هو من يرى الإنسان قبل اللغة، ويصغي إلى الخوف قبل الكلام.
في لحظات الانقسام والاضطراب، لا يحتاج الناس إلى تلقين، بل إلى طمأنينة، إلى من يقول لهم: “إن لغتك الثانية لا تُلغي الأولى، بل تُكمّلها.”
في عملي الطويل مع المجموعات ثنائية اللغة، اكتشفت أن التوجيه لا يقوم على نقل المهارة فقط، بل على بناء الأمان النفسي والاحترام المتبادل.
فحين يشعر المتعلّم أن لغته الأمّ ليست عيبًا، يبدأ قلبه بالانفتاح على لغة الآخر —
وهذه هي المعجزة التربوية الحقيقية: أن تتحول الجلسة التعليمية إلى مساحة إنسانية للثقة والاعتراف.

ثنائية اللغة كهوية مزدوجة
أن تكون ثنائي اللغة هو أن تسكن وطنين في فمٍ واحد.
إنها نعمة ومعاناة في آنٍ واحد.
ففي الوقت الذي تمنحك اللغة الثانية نافذة على العالم، تذكّرك الأولى بأنك تنتمي إلى ذاكرةٍ أخرى، وبيتٍ آخر، وجرحٍ آخر.
وفي ظل الأزمات، يصبح هذا التناقض مؤلمًا.
يتحوّل السؤال من “كيف أتعلم اللغة؟” إلى “هل أملك الحق في لغتي؟”.
وهنا تبرز أهمية التوجيه الإنساني، الذي لا يفرض هوية لغوية موحّدة، بل يحتفي بالتعدّد، ويحوّل الازدواجية إلى غنى، لا إلى صراع.
فكل لغة جديدة نكتسبها، هي نافذة أخرى نحو التعاطف الإنساني.

اللغة في زمن الخوف
الأزمات تغيّر اللغة كما تغيّر البشر.
تجعل الكلمات أكثر قسوة، والنبرات أكثر حذرًا، والسكوت أطول.
لكن في قلب هذا الصمت، ينمو نوع جديد من الفهم:
أن نُدرك أن التواصل لا يحتاج دائمًا إلى فصاحة، بل إلى صدق.
أن نُدرك أن الجملة التي تُقال بارتباك في لغةٍ ثانية، قد تكون أصدق من قصيدةٍ في لغتنا الأم.
ومن هنا، فإن دور الموجّه في الأزمات لا ينحصر في إدارة الجلسات أو شرح المفردات، بل في إعادة الثقة باللغة.
أن يُعلّم الناس كيف يتكلمون دون خوف، وكيف يصغون دون حذر، وكيف يكتشفون أن اللغة ليست ملكًا لأحد، بل هي حقّ إنساني مشترك.

التوجيه كمساحة للمصالحة
في المجموعات الثنائية اللغة، لا يجتمع الناس لتعلّم القواعد، بل ليتعلموا كيف يعيشون معًا رغم الفروق.
وهنا يتجلّى البُعد الأعمق للتوجيه: أن يصبح جسرًا للمصالحة بين الثقافات، وبين الإنسان ونفسه.
في كل لقاء أراه، ثمة معجزة صغيرة تحدث:
كلمة “سلام” تُقال بلهجةٍ جديدة، فيبتسم الجميع.
ضحكةٌ تكسر الحذر، فتولد الثقة.
وهكذا، يتحول التوجيه إلى فنّ بناء الإنسانية المشتركة — تلك التي تتجاوز اللغة والسياسة والجغرافيا، لتصل إلى ما هو أبعد: القلب.

خاتمة: نحو إنسانية تتكلم بلغتين
في النهاية، لا نوجّه المجموعات ثنائية اللغة لنعلّمها كيف تنطق، بل كيف تنتمي.
نوجّهها لتتذكّر أن اللغة ليست هويةً مغلقة، بل رحلة نحو الآخر.
فحين نفهم أن الكلمة يمكن أن تُنقذ، وأن الحوار يمكن أن يُرمّم، ندرك أن التعليم في جوهره رسالة حبّ، وأن التوجيه، في زمن الأزمات، هو فنّ الصبر والأمل.
اللغات تتعدّد، لكن الإنسانية واحدة.
وكل من يتحدث لغتين يعرف أن القلب لا يحتاج ترجمة



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذات مرة في غزة.. حين يصبح الوجع ذاكرةً جماعيةً للنجاة فيلم ف ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -وجوه ناقصة- لرانية مرجية بقلم الدكتور ...
- قراءة أدبية في قصيدة -القصيدة التي تشبه شاعرها- لرانية مرجية ...
- دراسة أدبية لكتاب هلوسة للكاتبة رانية مرجية //بقلم الدكتور ع ...
- دراسة تحليلية لكتاب -كن أفضل صديق لنفسك: سفر الروح في مواجهة ...
- يا رب قصيدة ملحمية فلسفية وجدانية
- زهير دعيم… المعلم الذي علّمني أن الكلمة وطن
- حين يدفن الفلسطينيّ قلبه لئلّا يذوب في رواية برد الصيف لجميل ...
- قوياء بالمسيح
- صدور كتاب جديد بعنوان -طفل الطيف: رحلة في الحب والمعنى-
- بين الجليل والسويداء: قصة أمّهات لا ينهزمْن
- فلسطين… جرح الإنسانية المفتوح وفضيحة القرن
- هايكو
- كنَّ أفضلَ صديقٍ لنفسِك – سفرُ الروحِ في مواجهةِ الصِّعاب
- الموت الأخير
- التأرجح بين الزائلات والأبد قراءة وجدانية في كتاب بسمة الصبا ...
- “الأدب الصادق لا يعرف الشللية”
- قصيدتان وأغنية: شعرية الجرح والبحث عن المعنى قراءة نقدية في ...
- أنا إنسان
- راسة وقراءة أدبية الكتاب : لاهوت الحب ، رحلة القلب إلى الله ...


المزيد.....




- يوسف الكواري عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية : قا ...
- رسالة من شيخ الأزهر إلى الفصائل الفلسطينية...هذا ما جاء فيها ...
- اجتماع المكتب السياسي والفريق البرلماني لحزب التقدم والاشترا ...
- رغم معارضة اليمين المتطرف.. حكومة الاحتلال تصادق رسمياً على ...
- جردة حساب مُرّة بعد عامين
- بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية حول اتفاق إنهاء ...
- العدد 622 من جريدة النهج الديمقراطي
- الاشتراكية في نظر تشي غيفارا
- حزب التقدم والاشتراكية ينعي وفاة الرفيق عبد القادر المريباح ...
- كل ما تريد معرفته عن الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي: -ماندي ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - رانية مرجية - 🕊️ توجيه المجموعات ثنائية اللغة في ظل الأزمات