أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قصيدتان وأغنية: شعرية الجرح والبحث عن المعنى قراءة نقدية في ديوان حياة بن تمنصورت














المزيد.....

قصيدتان وأغنية: شعرية الجرح والبحث عن المعنى قراءة نقدية في ديوان حياة بن تمنصورت


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8481 - 2025 / 9 / 30 - 13:05
المحور: الادب والفن
    


مدخل: الشعر كفعل مقاومة وجودية

في ديوان قصيدتان وأغنية، لا يقدَّم الشعر باعتباره زخرفة لغوية أو بوحاً ذاتياً فحسب، بل كفعل مقاومة وجودية، أداة لمساءلة العالم وكشف هشاشته. الشاعرة حياة بن تمنصورت تكتب وكأنها تقف على حافة هاوية: كل كلمة محاولة للنجاة، وكل صورة صرخة ضدّ العدم. من هنا فإن النصوص ليست قصائد بالمعنى التقليدي، بل شظايا وومضات تنفتح على الوجود بجراحه وأسئلته.

شعرية الصورة: من المحسوس إلى المجرد

من أبرز سمات هذا الديوان أنّ الصورة الشعرية فيه تتحوّل إلى بنية فلسفية. في قصيدة النهايات تقول:

«للنهايات روائح تنبئ بموعدها / يقتفيها عاشق فتغتاله / كزنبقة الوادي يحرقه بياضها»

المجموعة الشعرية لحياة

هنا، النهاية ليست حدثاً زمنياً، بل كياناً حسّياً ملموساً (رائحة، زنبقة، بياض). بهذه الاستعارة، يتحوّل الزمن إلى مادة تحرق، ويتحوّل الجمال ذاته إلى قاتل. هذه الازدواجية (الجمال/الموت) تكشف عن حسّ تراجيدي يتخلل الديوان بأكمله.

وفي الصمت:

«ينفلت المدلول من دالّه على عريها / فينكسر الكلام / ويتعالى الضجيج... ضجيج الصمت»

المجموعة الشعرية لحياة

الصورة هنا لا تصف صمتاً عادياً، بل صمتاً أنثوياً متمرّداً، يتجاوز العدم إلى الانفجار. فالقصيدة تحوّل المفارقة (الصمت/الضجيج) إلى موقف أنطولوجي، حيث القمع يولّد لغة بديلة أكثر صخباً من الكلام نفسه.

الأسطورة كمرآة للذات

يستحضر الديوان الأساطير لا كزينة ثقافية، بل كآليات لتأويل الواقع. في قصيدة نرسيس وقمر نقرأ:

«نرسيس على حافة النهر... حين بحث عن صورته وجدها قمر يطلّ فتطلّ»

المجموعة الشعرية لحياة

نرسيس، رمز الغرور في الميثولوجيا الإغريقية، يتحوّل عند بن تمنصورت إلى رمز للاغتراب: الذات تبحث عن انعكاسها فلا تجد إلا قمرًا، أي انعكاسًا مضاعفًا للغربة. هكذا تنقل الشاعرة الأسطورة من سياقها القديم إلى معادل شعوري معاصر، يعكس أزمة الهوية والبحث عن الآخر.

وفي لوتس وحكاية أخرى:

«خذيني إليك رجلاً بلا ذاكرة / خذيني إلى واحات اللوتس / خذيني إلى الهاوية»

المجموعة الشعرية لحياة

اللوتس، نبات النسيان، يتحوّل إلى استعارة للخلاص عبر الحبّ. لكن هذا الخلاص ليس صعوداً بل سقوطاً في هاوية جديدة. إنّه نسيان قاتل، خلاصٌ بقدر ما هو فخّ. هذا التوتر بين الرغبة في الخلاص والخوف من نتائجه يطبع معظم نصوص الديوان.

وجع الذات وجرح الجماعة

القيمة العميقة لهذا الديوان أنّه يزاوج بين الخاص والعام. فالفقد الشخصي (في قصيدة أبي حيث تقول: «طاقيتك السوداء تحت وسادتي... مازلت أتشمّمها كطفلة»

المجموعة الشعرية لحياة

) يتجاور مع الفقد الجمعي في نصوص عن غزّة، حيث تقول في خيانة:

«قصائد قيد الكتابة... وأنا لست هنا ولست هناك / أشاهد نشرة الأخبار / ولا أموت طويلاً»

المجموعة الشعرية لحياة

بهذه المقاطع، يتحوّل الشعر إلى وثيقة وجودية وسياسية معاً: مرثية للأب الفردي، ومرثية لأبٍ جمعي هو الوطن.

البنية الجمالية: توازن اللمحة والسرد

التكثيف اللمحي: قصائد قصيرة مثل عطش أو شوق تقتنص لحظة عاطفية خاطفة، مكثّفة كوميض.

البنية السردية: في المقابل، نصوص مثل نرسيس وقمر أو فلفيتشيا تأخذ شكل لوحات متتابعة، أشبه بمشاهد مسرحية.

الإيقاع الداخلي: ينهض على التكرار (مطر مطر)، والمفارقة (البدايات مطر/النهايات صلاة استسقاء)

المجموعة الشعرية لحياة

، والقطع المفاجئ.

هذا التنويع يمنح الديوان مرونة أسلوبية تجعله قريباً من القارئ العادي، وفي الوقت نفسه مغرياً للقراءة النقدية المتخصّصة.

البعد الفلسفي: الشعر كسؤال

إنّ الديوان بأكمله ينهض على سؤال: كيف يمكن للشعر أن ينقذ الذات في عالم ينهار؟ في قصيدة وجع الأجنحة تقول الشاعرة:

«حين تولدين أنثى بجناحين / هيّئي نفسك لاغتيال ضجيجك»

المجموعة الشعرية لحياة

إنها ليست مجرد صورة جمالية، بل إعلان عن مأساة اجتماعية: المرأة تولد بجناحين لكن عليها أن تخفيهما. الشعر هنا ليس ترفاً، بل محاولة لاستعادة الطيران الذي سُلب منها.

خاتمة: شعرية العتبة بين الأمل والخذلان

ديوان قصيدتان وأغنية يضعنا أمام نصّ يكتب من على العتبة: عتبة بين الحياة والموت، بين الحلم والخذلان، بين الصمت والضجيج. الشاعرة حياة بن تمنصورت تثبت أن الشعر لا يزال قادراً على أن يكون بيتاً للمعنى، ومقاومة للعدم، وملاذاً للروح في زمن تتكاثر فيه الخسارات.

إنه عمل يتجاوز حدود الشعرية النسوية إلى رحابة الشعرية الإنسانية، عملٌ يحفر في الأسطورة والتاريخ واليومي ليقدّم نصاً يُقرأ على أكثر من مستوى: جمالياً، فلسفياً، وسياسياً. وهذا ما يجعله جديراً بالقراءة والتأمل، بل بالاحتفاء به كإضافة أصيلة إلى المشهد الشعري العربي المعاصر.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا إنسان
- راسة وقراءة أدبية الكتاب : لاهوت الحب ، رحلة القلب إلى الله ...
- حين صرخت العيون
- معركة الإنسان مع نفسه قبل أن تكون مع الآخرين
- حين تتحول المذكرات إلى مرآة إنسانية كونية قراءة في «نظرة إلى ...
- قراءة أدبية لكتاب (بين الخطوة والنجمة) للكاتبة رانية فؤاد مر ...
- الكتابة كقدرٍ يبتلع صاحبه: قراءة في نص “بسمة الصباح”
- الطيبة بلا عقل نار تلتهم صاحبها
- من الانطباع إلى التحليل: رحلة سامية عرموش مع السينما كأداة ل ...
- ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص
- قراءة أدبية في قصيدة -رسائل إلى غَيْدي- بقلم الناقد والدكتور ...
- عندما أموت
- دراسة في رواية -الانفجار- – للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية ب ...
- كلما زادت معرفتي للبشر… زاد احترامي للكلاب
- قراءة نقدية لقصة انتقام الصمت للاديبة بسمة الصباح
- إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية
- أتعبنا النفاق
- حكايات إنسانية
- جميل السلحوت: بين التوثيق والخيال الروائي – دراسة نقدية في ج ...


المزيد.....




- ترامب يعلن تفاصيل خطة -حكم غزة- ونتنياهو يوافق..ما مصير المق ...
- دُمُوعٌ لَمْ يُجَفِّفْهَا اَلزَّمَنْ
- جون طلب من جاره خفض صوت الموسيقى – فتعرّض لتهديد بالقتل بسكي ...
- أخطاء ترجمة غيّرت العالم: من النووي إلى -أعضاء بولندا الحساس ...
- -جيهان-.. رواية جديدة للكاتب عزام توفيق أبو السعود
- ترامب ونتنياهو.. مسرحية السلام أم هندسة الانتصار في غزة؟
- روبرت ريدفورد وهوليوود.. بَين سِحر الأداء وصِدق الرِسالة
- تجربة الشاعر الراحل عقيل علي على طاولة إتحاد أدباء ذي قار
- عزف الموسيقى في سن متأخرة يعزز صحة الدماغ
- درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - قصيدتان وأغنية: شعرية الجرح والبحث عن المعنى قراءة نقدية في ديوان حياة بن تمنصورت