أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص














المزيد.....

✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8475 - 2025 / 9 / 24 - 14:37
المحور: المجتمع المدني
    


مدخل: دم يسيل على امتداد التاريخ


منذ لحظة التكوين الأولى، كان الصراع يرافق الإنسان كظله.

منذ أن انكسر صوت هابيل تحت ضربة أخيه، ومنذ أن تحوّل الحسد إلى دم على التراب، لم يهدأ هذا الكوكب.

كل جدار في مدننا يحمل أثر نزاع، كل مقبرة شاهدة على عجزنا عن إدارة خلافاتنا.

نكتب الشعر عن الحب، لكننا نرسم التاريخ بالدم.

نشيّد المعابد، ثم نحرقها باسم الرب ذاته.

نرفع شعارات الحرية، ثم نكبل بعضنا بالقيود.



إنها المفارقة المأساوية: الإنسان، الكائن الذي يكتب ويغني ويبدع، هو نفسه الكائن الذي يذبح ويقمع ويقصي.

فهل نحن أسرى هذه الدوامة الأبدية؟ أم أن في داخلنا بذرة خلاص، تنتظر أن نسقيها بالوعي والرحمة؟

الصراع: لعنة وضرورة في آن


الصراع ليس مجرد لعنة يجب التخلص منها. إنه في جوهره طاقة مزدوجة.

حين يثور المظلوم، فإنه يطالب بالعدل.

حين تحتج المرأة، فإنها تبحث عن مكان تحت الشمس.

حين تقاوم الشعوب الاستعمار، فإنها تنشد الحياة لا الموت.



حتى الصراع الداخلي، بين الفرد وأعماقه، بين ضعفه وأحلامه، هو الشرارة التي أهدت البشرية أعظم فنونها وفلسفاتها.

المشكلة ليست في وجود النزاع، بل في طريقة إدارتنا له:

إما أن نصوغه بلغة الحوار، أو نتركه ينفجر بلغة الدم.

المراحل الخفية للنزاع


النزاع كالنهر، يبدأ بنقطة صغيرة ثم يتحول إلى طوفان:

الكمون: جرح صامت، إحساس بالتهميش أو الظلم.

الإدراك: لحظة وعي بأن الخلل لم يعد يحتمل.

التعبير: صرخة، مظاهرة، احتجاج، قصيدة.

التصعيد: خطاب كراهية، تحالفات، انقسام.

الجمود: إنهاك متبادل، طريق مسدود.

الحل أو التفكك: إما مصالحة تعترف بالحقوق، أو انهيار يُعيد الدورة من جديد.



إن قراءة هذه المراحل ليست ترفًا، بل ضرورة للبقاء. فالمجتمعات التي لا تسمع أصواتها الصغيرة، تضطر لاحقًا للاستماع إلى دوي المدافع.

كيف يواجه الإنسان صراعه؟


أمام النزاع، تتعدد استراتيجيات البشر:

التجنّب: ندفن الألم في الداخل، لكنه ينفجر لاحقًا.

الاستيعاب: نضحي بحقوقنا لإرضاء الآخر، فننزف في صمت.

التنافس: نفرض إرادتنا، لكننا نزرع بذور انتقام.

التسوية: نقتسم الخسائر، لكننا نترك الجرح مفتوحًا.

التعاون: نبحث عن حل يربح فيه الجميع، فنحوّل العداوة إلى شراكة.



إنه الطريق الأصعب، لكنه وحده الطريق الذي يصوغ مستقبلًا أقل دموية.

وجوه الصراع في حياتنا


في الأسرة:


البيت هو المرآة الأولى.

حين يغيب الحوار بين الأزواج، يتحول الحب إلى سجن صامت.

حين يُقصى الأبناء عن الإصغاء، تتحول الفجوة إلى هاوية.

وحين تُدار الخلافات بالعنف لا بالرحمة، يكبر الجرح مع كل جيل.



في العمل:


المؤسسات الظالمة تصنع عمالًا منهكين وأوطانًا مريضة.

الموظف الذي يُحرم من العدالة يصبح قنبلة صامتة.

والشركات التي تقتل التعاون بروح التنافس الأعمى، تذبح إبداعها بأيديها.



في المجتمع:


الطائفية تذبح الوطن بأيدي أبنائه.

العنصرية تزرع في الشوارع حروبًا لا تنتهي.

وحين يتحول الإعلام إلى بوق للتحريض، تصبح الكلمة أخطر من الرصاصة.



في الفضاء الرقمي:


اليوم، كلمة واحدة على شاشة قادرة على إشعال حرب في الشارع.

خطاب الكراهية يزرع انقسامًا بلا حدود جغرافية.

وهنا، يصبح الوعي الرقمي جزءًا من ثقافة السلام.

دروس من تجارب العالم
لبنان: اتفاق الطائف أوقف الحرب، لكنه لم يوقف الطائفية.

المغرب: هيئة الإنصاف والمصالحة أعادت للضحايا صوتهم، فبدأ الشفاء.

جنوب أفريقيا: مانديلا فتح دفاتر الماضي لا للانتقام بل للتطهر.

إيرلندا الشمالية: حوار مضنٍ استمر سنوات، لكنه أنقذ دماء أجيال.

اليابان: النقابات جعلت من الحوار المؤسسي بديلاً عن الانفجار.



كل تجربة تقول لنا: لا سلام بلا عدالة، ولا مصالحة بلا اعتراف.

نحو ثقافة سلام حقيقية


السلام ليس صورة لزعماء يبتسمون أمام الكاميرات.

السلام ليس هدنة هشة تسبق انفجارًا أكبر.

السلام هو:

أن يتعلم الطفل أن المختلف ليس عدوًا.

أن يتخلى الإعلام عن تجارة الدم.

أن يصبح الفن والأدب سلاحًا للجمال بدل أن يكون صامتًا أمام الخراب.

أن تعترف العدالة بالضحايا، لأن جرحًا بلا اعتراف يظل ينزف في ذاكرة الشعوب.

خاتمة: بين اللعنة والخلاص


في النهاية، نحن لسنا أسرى قدر أعمى. نحن صانعو خياراتنا.

يمكننا أن نكرر مأساة قابيل إلى الأبد، أو أن نكسر الدائرة.

يمكننا أن نبني جدرانًا تُقصي، أو جسورًا تُوصل.



النزاع لن يغيب عن حياتنا، لكنه يمكن أن يصبح مدرسة للإنسانية.

والسلام لن يكون غياب الحرب فقط، بل حضور العدالة، حضور الكرامة، حضور الأمل.



فلنكتب في دفاتر الغد: كنا مختلفين… لكننا اخترنا أن نحيا معًا، لا أن نموت فرادى



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة أدبية في قصيدة -رسائل إلى غَيْدي- بقلم الناقد والدكتور ...
- عندما أموت
- كلما زادت معرفتي للبشر… زاد احترامي للكلاب
- قراءة نقدية لقصة انتقام الصمت للاديبة بسمة الصباح
- إلى الأديب والصحفي العراقي كاظم حسن سعيد
- البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية
- أتعبنا النفاق
- حكايات إنسانية
- جميل السلحوت: بين التوثيق والخيال الروائي – دراسة نقدية في ج ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏بقل ...
- في حضرة الجرح: اعترافات موجِّهة وإعلامية بين الفلسطيني والإس ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏ ‏- ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم ...
- ابنة الزيتون التي جعلت من الألم قصيدة
- محمود البريكان بين العُزلة والتأمّل ، قراءة مُنمَّقة في كتاب ...
- قصة إنسان – سفر الثورة والخلود
- ذاكرة الموج
- صدور رواية “جسد الطوائف” للكاتبة رانية مرجية
- الفخ انكسر
- عندما بكى الله


المزيد.....




- قاليباف: بزشكيان ردد صوت عزّة الشعب الإيراني بالأمم المتحدة ...
- بعد رفع أردوغان صورهم بالأمم المتحدة.. صحفيون بالأناضول: نشع ...
- كولومبيا تدعو لتشكيل جيش عالمي لتحرير فلسطين واعتقال مجرمي ا ...
- كولومبيا تدعو إلى تشكيل جيش عالمي لتحرير فلسطين واعتقال مجرم ...
- -القسام- تحذر إسرائيل: توسيع التوغل بغزة يضاعف الخطر على الأ ...
- شبكات يتناول تفاعل المنصات مع خطاب ترامب بالأمم المتحدة واخت ...
- كتائب القسام تحذر إسرائيل: توسيع التوغل بغزة يضاعف الخطر على ...
- أحمد الشرع أول رئيس سوري يلقي كلمة بالجمعية العامة للأمم الم ...
- شكر تركيا والسعودية وقطر.. شاهد كلمة أحمد الشرع أمام الأمم ا ...
- لورانس: الاعتراف بدولة فلسطين خطوة نحو تقرير المصير لشعبها


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - ✦ الصراع… جرح البشرية الأزلي وإمكانية الخلاص