أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية














المزيد.....

البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8472 - 2025 / 9 / 21 - 23:08
المحور: قضايا ثقافية
    


الكتابة ليست مجرد ممارسة لغوية أو تقنية بلاغية، بل هي فعل وجودي عميق، يتقاطع فيه النفسي بالوجداني، والعقلي بالروحي. إنها أداة الإنسان لمواجهة نفسه والكون، ومساحته الخاصة لفهم الألم والفرح، لاستعادة توازنه الداخلي، ولمشاركة وجدانه مع الآخرين. في كل نص صادق، يتجلى البعد النفسي والبعد الوجداني؛ الأول مرآة لصراعات الداخل وخباياه، والثاني نبض للعاطفة وتجليها في صورة إنسانية حارة. هذه الدراسة تسعى لتفكيك هذين البعدين، وبيان أثرهما في النصوص الأدبية، وكذلك إبراز أهميتهما في النقد الأدبي المعاصر.

أولًا: البعد النفسي في الكتابة


يرتبط النص الأدبي بالبنية النفسية لكاتبه ارتباطًا وثيقًا، حتى إن فرويد رأى أن الأدب هو إسقاط لمكبوتات لاواعية.

الكتابة كعلاج ذاتي:

أثبتت الدراسات الحديثة في العلاج النفسي أن الكتابة تُستخدم كوسيلة للتنفيس عن المشاعر المكبوتة. الكاتب حين يدوّن معاناته يخفف من ثقلها النفسي، ويعيد تنظيمها داخل ذهنه، مما يتيح له استعادة التوازن.

الكتابة كبنية لاواعية:

لا تقتصر النصوص على التعبير الواعي، بل تعكس صراعات أعمق، ورغبات دفينة، تظهر في الاستعارات والرموز والصور الشعرية.

إعادة بناء الذات:

النص ليس مجرد وصف للعالم، بل محاولة لإعادة تشكيل الذات داخله. إنه مختبر نفسي، يعيد الإنسان فيه صياغة هويته وهزائمه وانتصاراته.

ثانيًا: البعد الوجداني في الكتابة


إذا كان النفسي يعكس جذور النص، فإن الوجداني يمنحه حرارته وحياته.

الكتابة كتجربة شعورية:

كل نص حقيقي هو إفاضة وجدانية، ينقل مشاعر الكاتب إلى القارئ. العاطفة هنا ليست إضافة جمالية، بل جوهر يربط بين الطرفين.

الوجداني كجسر نحو القارئ:

النصوص الخالدة هي تلك التي تجاوزت حدود أصحابها لتُلامس وجدان المتلقين عبر الزمن. فالوجداني هو الذي يمنح النص طاقة الاستمرار.

الكتابة كذاكرة عاطفية:

الكلمات تحفظ المشاعر وتؤبّدها، فتصير النصوص أوعية للذاكرة الإنسانية، تستعيد بها البشرية مشاعرها الجماعية.

ثالثًا: التلاقي بين النفسي والوجداني


لا يمكن فصل النفسي عن الوجداني في الكتابة. المكبوت النفسي لا يجد طريقه إلى النص إلا عبر شحنة وجدانية، والعاطفة لا تتجسّد إلا إذا استندت إلى بنية نفسية عميقة.

التكامل العلاجي والجمالي: النفسي يعالج الكاتب، والوجداني يلمس القارئ، وحين يجتمعان يتحول النص إلى جسر مزدوج بين الداخل والخارج.

من الألم إلى المعنى: الحزن والاكتئاب والوحدة، حين يُعاد تشكيلها أدبيًا، تصبح خبرة إنسانية مشتركة، وهو ما يفسر قدرة الأدب على تجاوز الفردي إلى الكوني.

رابعًا: نماذج من الأدب الإنساني
الخنساء: رثاؤها لم يكن مجرد حزن شخصي، بل نص وجداني–نفسي خالد لأنه عبّر عن تجربة إنسانية عميقة.

كافكا: جسّد صراعاته الداخلية في نصوص عبقرية لا تزال تُقرأ كمرآة للاغتراب الإنساني.

الشعراء المعاصرون: نصوصهم كثيرًا ما تمثل التقاء الهم النفسي بالنبض الوجداني، مما يجعلها أقرب إلى القلوب والعقول معًا.

خامسًا: أهمية دراسة البعد النفسي والوجداني في النقد الأدبي المعاصر


لم يعد النقد الأدبي المعاصر قادرًا على الاكتفاء بالمناهج الشكلية أو اللغوية وحدها. فالنص الأدبي كائن حي، ينبض بمزيج من النفس والعاطفة.

النقد النفسي: يكشف البنى اللاواعية ويحلل الصراعات الداخلية التي تتجلّى في النصوص.

النقد الوجداني: يفسّر أثر النص في القارئ، وكيفية تفاعله معه وجدانيًا.

تكامل المناهج: المزج بين النفسي والوجداني يمنحنا قراءة أكثر شمولية للنصوص، بوصفها تجارب إنسانية لا مجرد منتجات لغوية.



إن إدماج هذين البعدين يفتح أمام النقد آفاقًا جديدة، ويعيد للأدب مكانته كمساحة لفهم الإنسان في كليته: نفسًا، وعاطفةً، وفكرًا.

خاتمة


الكتابة ليست ترفًا ولا تزيينًا للغة، بل هي فعل وجودي، يجمع بين النفسي والوجداني في معادلة تجعل النص حياةً ثانية. البعد النفسي يمنحه الجذور، والبعد الوجداني يمنحه الأجنحة، ومن تلاقيهما يولد الأدب العظيم. وفي زمننا المعاصر، تظل الحاجة ملحّة إلى نقد يعترف بهذه الثنائية، ليقرأ النصوص لا كحروف على ورق، بل ككائنات تنبض بدم الإنسان وروحه معًا



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أتعبنا النفاق
- حكايات إنسانية
- جميل السلحوت: بين التوثيق والخيال الروائي – دراسة نقدية في ج ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏بقل ...
- في حضرة الجرح: اعترافات موجِّهة وإعلامية بين الفلسطيني والإس ...
- قراءة ادبية لرواية -جسد الطوائف- ‏للكاتبة -رانية مرجية- ‏ ‏- ...
- ‏قراءة أدبية في رواية -حبوب نفسية- للكاتبة رانية مرجية بقلم ...
- ابنة الزيتون التي جعلت من الألم قصيدة
- محمود البريكان بين العُزلة والتأمّل ، قراءة مُنمَّقة في كتاب ...
- قصة إنسان – سفر الثورة والخلود
- ذاكرة الموج
- صدور رواية “جسد الطوائف” للكاتبة رانية مرجية
- الفخ انكسر
- عندما بكى الله
- ديوان هايكو
- همس اللامرئي
- ذاكرة تحترق… وحب بلا ملامح
- أدبيات السفر: رحلة الروح بين ضفتين
- ضياع
- مقال رأي: لا تغترّوا بالباطل


المزيد.....




- اعترافات غربية بـ-الدولة الفلسطينية-.. مسؤول في حماس يعلق لـ ...
- غارة إسرائيلية على جنوب لبنان تسقط خمسة قتلى بينهم ثلاثة أطف ...
- السودان يحذّر من استخدام الدعم السريع للمرتزقة
- مقتل عنصري أمن وإصابة ثالث بانفجار عبوة ناسفة في الأنبار الع ...
- واشنطن بوست: في الفاشر السودانية من لا يقتله القصف يموت جوعا ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل سرقة -الإسورة الأثرية- وتحي ...
- مصر ترد على تقارير حول انتشار الجيش في سيناء.. وخبير عسكري ي ...
- المكاوية والبادم حلوى الزمن الجميل
- سوريا: انتخابات برلمانية غير مباشرة في 5 تشرين الأول/ أكتوبر ...
- غضب وحزن عارمان على المنصات بسبب مشاهد النزوح القاسية في غزة ...


المزيد.....

- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - البعد النفسي والوجداني في الكتابة: دراسة تحليلية