رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 15:19
المحور:
الادب والفن
مدخل: السفر ككشف لا كرحيل
السفر ليس حركةً من مكان إلى آخر، بل هو اهتزاز داخلي، زلزال يحرّك الجبال الراكدة فينا. من يظن أن السفر مجرد تذكرة طيران أو طريقٍ مرصوف فقد أخطأ، لأن السفر الحقيقي يحدث أولاً في القلب والعقل قبل أن يحدث في الجغرافيا. إنّه فنّ الانكشاف على الذات، وجرأة مواجهة الغريب فينا قبل مواجهة الغريب في الآخر.
⸻
السفر والاغتراب الجميل
في السفر، نصبح غرباء حتى عن وجوهنا. نكتشف أننا لم نعرف ذاتنا إلا حين نظرنا إليها من مرايا الآخرين. الغربة هنا ليست لعنة، بل نعمة، لأنها تتيح لنا أن نرى أنفسنا كأننا نراها لأول مرة. كأننا نولد من جديد في كل محطة، ونحمل على أكتافنا طفلاً صغيراً يتعلم الأسماء والأشياء بلا وصاية ولا قيد.
⸻
بين المكان واللامكان
السفر يعلمنا أن الأمكنة ليست حجارة وأبنية، بل أرواح. هناك مدن تفتح لك أبوابها كأمٍ حنونة، وهناك مدن تطردك كأبٍ غاضب. في كل مدينة نتعلم شيئًا من أنفسنا: نكتشف ما نفتقده، وما لا نريده، وما لا نستطيع العيش بدونه. وربما ندرك أن “المكان” ليس سوى حالة وجدانية، وأننا أينما ذهبنا نحمل أوطاننا الصغيرة في صدورنا.
⸻
السفر والكتابة
من لا يكتب سفره يضيّع نصف الرحلة. فالكتابة هي السفر الآخر، السفر نحو العمق. في لحظة الكتابة يتحول الطريق إلى استعارة، والمشهد إلى لغة، والتجربة إلى حكمة. كأن القلم جواز سفر آخر، يعبر بنا حدود الروح، حيث لا نقاط تفتيش ولا ختم دخول، بل انفتاح مطلق على الذات.
⸻
الفلسفة الخفية للسفر
السفر ليس ترفيهًا بل تمرين على الفناء: أنت تموت عن مكان لتولد في آخر، تموت عن لغة لتتعلم غيرها، تموت عن عادة لتُستبدل بعادة جديدة. وكأن السفر يذكرك دائمًا بأنك عابر، بأنك لا تملك شيئًا سوى لحظة العبور نفسها.
⸻
خاتمة: العودة التي لا تعود
وما أجمل أن نعود من السفر! لكن أي عودة؟ الحقيقة أننا لا نعود كما كنا. نعود بوجوه مختلفة، بقلوبٍ مثقلة بالدهشة، بعيونٍ اعتادت أن ترى البعيد فتضيق برؤية القريب. السفر يغيّرنا، يخلخلنا، ويترك فينا ندوبًا جميلة لا تندمل.
لهذا نقول: السفر ليس رحلة إلى الخارج فقط، بل رحلة إلى الداخل. ومن لم يسافر بروحه، فلن تغنيه آلاف الأميال المقطوعة
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟