أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رهبان ولكن حين تتحوّل القداسة إلى لعنة














المزيد.....

رهبان ولكن حين تتحوّل القداسة إلى لعنة


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8453 - 2025 / 9 / 2 - 10:03
المحور: الادب والفن
    


في أعالي الجبال، حيث يختلط الضباب بالسماء وتضيع الأصوات في عمق الصمت، عاش رهبانٌ جعلوا من حياتهم صلاةً متواصلة، ونسكًا يوحي بالقداسة. لم يكن الناس يعرفون عنهم سوى ما يتناقله الخيال: أيادٍ تشفي، كلمات تبارك، وأعشابٌ تُباع سرًا لتُطفئ أوجاعًا استعصت على الطب.

القرية القريبة كانت تتعامل معهم بحذرٍ مبطنٍ بالخوف، كأنهم حُماة أسرار لا يحق للناس العاديين الاقتراب منها. كانوا يخرجون مع الفجر ليقطفوا نباتات نادرة، ويعودون قبل أن تشرق الشمس كاملة. لم يبتسموا يومًا، ولم يذرفوا دمعةً علنًا، وكأنهم تماثيل مقدسة فوق الأرض.

لكن الحقيقة لم تكن كما تخيّلها أحد.

شابٌّ فضولي، ضاق صدره من الحكايات المبهمة، قرر أن يخترق جدار الصمت. تسلّل ليلًا إلى الدير، وتوارى خلف جدرانه العالية، مترقبًا ما سيفعله الرهبان بعد أن تُطفأ المصابيح.

وهناك، في قلب الليل، انكشفت أمامه مشاهد لا تليق بالملائكة ولا حتى بالشياطين. مائدة خشبية عظيمة، فوقها جماجم صغيرة تلمع في ضوء الشموع، جلود يابسة وأعشاب غُمسَت بدم أسود كثيف. رهبانٌ بأثوابهم السوداء ينشدون تراتيل غامضة، يشربون من كؤوس ملوثة بالدماء، يضحكون بلا صوت وكأن أرواحًا أخرى تسكن أجسادهم.

ارتجف قلب الشاب، كاد يصرخ، لكن همسًا تسلل إلى أذنه:
– "لم يكن عليك أن ترى هذا."

التفت مذعورًا، فإذا بالراهب الأكبر يحدّق فيه بابتسامة باردة، عيناه تلمعان كالنار في جوف الكهف. حاول أن يهرب، لكن أجراس الدير دقت من تلقاء نفسها، والرهبان أحاطوا به كأطيافٍ لا تُقاوم.

وفي الصباح… أعلنت القرية أن الدير استقبل راهبًا جديدًا.
كان هو الشاب نفسه، بوجهه المألوف، لكن بعينين لا تعرفان الرحمة.

الخاتمة النقدية

هذه القصة ليست عن الرهبنة بحد ذاتها، ولا عن الدين بمعناه الروحي النقي، بل عن الوجه الآخر للسلطة حين تخلع عنها إنسانيتها وتختبئ خلف قناع القداسة. إنّها صرخة رمزية في وجه كل منظومة تستغل الخوف والإيمان لتُخضع الناس، وتحوّل الطهر إلى لعنة، والبراءة إلى قيد جديد.

فالقداسة الحقيقية لا تكمن في الجدران الحجرية، ولا في طقوسٍ معزولة عن البشر، بل في الإنسان نفسه حين يختار الحقّ على الباطل، والنور على الظلمة، والرحمة على الجبروت.



في أعالي الجبال، حيث يختلط الضباب بالسماء وتضيع الأصوات في عمق الصمت، عاش رهبانٌ جعلوا من حياتهم صلاةً متواصلة، ونسكًا يوحي بالقداسة. لم يكن الناس يعرفون عنهم سوى ما يتناقله الخيال: أيادٍ تشفي، كلمات تبارك، وأعشابٌ تُباع سرًا لتُطفئ أوجاعًا استعصت على الطب.

القرية القريبة كانت تتعامل معهم بحذرٍ مبطنٍ بالخوف، كأنهم حُماة أسرار لا يحق للناس العاديين الاقتراب منها. كانوا يخرجون مع الفجر ليقطفوا نباتات نادرة، ويعودون قبل أن تشرق الشمس كاملة. لم يبتسموا يومًا، ولم يذرفوا دمعةً علنًا، وكأنهم تماثيل مقدسة فوق الأرض.

لكن الحقيقة لم تكن كما تخيّلها أحد.

شابٌّ فضولي، ضاق صدره من الحكايات المبهمة، قرر أن يخترق جدار الصمت. تسلّل ليلًا إلى الدير، وتوارى خلف جدرانه العالية، مترقبًا ما سيفعله الرهبان بعد أن تُطفأ المصابيح.

وهناك، في قلب الليل، انكشفت أمامه مشاهد لا تليق بالملائكة ولا حتى بالشياطين. مائدة خشبية عظيمة، فوقها جماجم صغيرة تلمع في ضوء الشموع، جلود يابسة وأعشاب غُمسَت بدم أسود كثيف. رهبانٌ بأثوابهم السوداء ينشدون تراتيل غامضة، يشربون من كؤوس ملوثة بالدماء، يضحكون بلا صوت وكأن أرواحًا أخرى تسكن أجسادهم.

ارتجف قلب الشاب، كاد يصرخ، لكن همسًا تسلل إلى أذنه:
– "لم يكن عليك أن ترى هذا."

التفت مذعورًا، فإذا بالراهب الأكبر يحدّق فيه بابتسامة باردة، عيناه تلمعان كالنار في جوف الكهف. حاول أن يهرب، لكن أجراس الدير دقت من تلقاء نفسها، والرهبان أحاطوا به كأطيافٍ لا تُقاوم.

وفي الصباح… أعلنت القرية أن الدير استقبل راهبًا جديدًا.
كان هو الشاب نفسه، بوجهه المألوف، لكن بعينين لا تعرفان الرحمة.

الخاتمة النقدية

هذه القصة ليست عن الرهبنة بحد ذاتها، ولا عن الدين بمعناه الروحي النقي، بل عن الوجه الآخر للسلطة حين تخلع عنها إنسانيتها وتختبئ خلف قناع القداسة. إنّها صرخة رمزية في وجه كل منظومة تستغل الخوف والإيمان لتُخضع الناس، وتحوّل الطهر إلى لعنة، والبراءة إلى قيد جديد.

فالقداسة الحقيقية لا تكمن في الجدران الحجرية، ولا في طقوسٍ معزولة عن البشر، بل في الإنسان نفسه حين يختار الحقّ على الباطل، والنور على الظلمة، والرحمة على الجبروت.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سماء حديدية
- انفصام – قصة رمزية فلسفية
- الدروز بين “حلف الدم” و”حلف الحياة”: قراءة في نص سعيد نفاع
- خوة وأكثر إلى إخوتنا الدروز في فلسطين والجولان… أنتم الهوية ...
- الأديبة السورية بسمة الصباح يا جبل ما يهزك ريح
- فقدتُ طلقة واحدة
- ما يدور في السماء: اعترافات الكائن الأزلي
- سيكولوجيا الأحلام: حين يتكلّم اللاوعي بلغة الرموز
- رام الله ، … مدينة القلب والذاكرة
- الشيطان يضحك
- هلوسة الجنة
- هلوسة النار
- المتجددين
- حين يعلو الصوت وتخفت الروح
- الصلاة الغامضة
- عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية ...
- دراسة تحليلية أكاديمية في كتاب -إبليس في التحليل النفسي- لسي ...
- أمي، هل تخبرينا عن الحياة في السماء؟
- دمعة وابتسامة… سرّ إنسانيتنا
- الأصدقاء… صدى الغياب


المزيد.....




- أبرز إطلالات النجمات في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- أبو حنيحن: الوقفة الجماهيرية في الخليل حملت رسالة الالتزام ب ...
- ميغان تشوريتز فنانة جنوب أفريقية عاشت الأبارتايد ونبذت الصهي ...
- السنوار في الأدب العالمي.. -الشوك والقرنفل- من زنازين الاحتل ...
- شعوذة.. طموح.. حب.. موسيقى وإثارة.. 9 أفلام تعرض في سبتمبر
- قصة ملك ليبيا محمد إدريس السنوسي الذي أطاح به القذافي
- كيف أصبح مشروب شوكولاتة للأطفال رمزا للاستعمار الفرنسي؟
- المخرج الأميركي جارموش مستاء من تمويل صندوق على صلة بإسرائيل ...
- قطر تعزز حماية الملكية الفكرية لجذب الاستثمارات النوعية
- فيلم -ساحر الكرملين-.. الممثل البريطاني جود تدرّب على رياضة ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رهبان ولكن حين تتحوّل القداسة إلى لعنة