أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رام الله ، … مدينة القلب والذاكرة














المزيد.....

رام الله ، … مدينة القلب والذاكرة


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 12:43
المحور: الادب والفن
    


رام الله ليست مجرد مدينة تُسجَّل على الخرائط، بل هي وجدان يتنفس، قصيدة مكتوبة بالحجارة والناس، وأغنية تعيدنا إلى جذورنا مهما ابتعدنا. وحين أكتب عن رام الله، أكتب عني، عن العائلة، عن الدفء الذي ألقاه في كل زيارة لأخوالي وخالتي، عن البيت الذي يفتح ذراعيه لي مهما ضاقت الدنيا.

شوارع رام الله… ذاكرة تمشي

في شوارعها: ركب، القدس، الإرسال، تختلط رائحة الخبز الطازج بصوت الباعة وضحكات الأطفال. هناك، يظلّ المشي فعل حبّ للمدينة، لأن كل حجر، كل زاوية، تحفظ في قلبها ذكرى وصدى خطوات.

مقهى “شيشا” في الطيرة… ليل آخر للمدينة

وعندما يهبط الليل، تبدأ رام الله بالبوح في مقاهيها. وفي مقهى “شيشا” في الطيرة، يتجسّد المشهد وكأنه مسرح حيّ.

تجلس الطاولات متقابلة كأنها منصات للحوار، على كل منها أرجيلة تتصاعد منها سحابات دخان كثيفة، تلتفّ في الهواء مثل أفاعٍ من نور، أو مثل أبيات قصيدة غير مكتملة تبحث عن قافيتها. الشباب يضحكون بأصوات عالية، يمررون النرجيلة من يد إلى أخرى كأنهم يتشاركون سرًا قديمًا. في الزوايا، يجلس عشاق يتهامسون، وأمامهم كأس شاي بالنعناع، بينما موسيقى خافتة تنساب من سماعات صغيرة: أحيانًا فيروز، وأحيانًا أغنية وطنية قديمة.

النادل يتحرك بين الطاولات بخفة، يبدّل الفحم المشتعل كمن يحافظ على شعلة أبدية لا يجوز أن تنطفئ. أصوات الزجاج المتصادم في الأرجيلة تمتزج مع رنين الضحكات، ومع أصوات النقاشات السياسية الحادة، حيث يتنقّل الحديث من الشعر إلى القدس، ومن كرة القدم إلى الحلم الفلسطيني الكبير.

في “شيشا”، يصبح الدخان جسراً بين الأرواح، وتصير الأرجيلة طقسًا جماعيًا يشبه صلاة ليلية غير معلنة. هناك، لا أحد غريب. فكل من يجلس حول الأرجيلة جزء من حكاية المدينة، من ليلها الذي يرفض أن ينام، ومن ذاكرة تمتد مثل خيط نور في العتمة.

المتاحف… حفظ الذاكرة

متحف محمود درويش يظل شاهدًا على أن الشعر قد يتحوّل إلى وطن. هناك، يجاور قبر الشاعر قلوب زواره، فيما تتردد كلماته بين الجدران: على هذه الأرض ما يستحق الحياة. في المتحف الفلسطيني ببئرزيت، تتنفس العمارة الحديثة حكايات قديمة، وتستدعي الذاكرة لتعيش الحاضر. أما “السرية”، سرية رام الله، فهي ليست مجرد نادٍ، بل صرح اجتماعي وثقافي ورياضي، حيث تتربى أجيال على الانتماء والهوية.

المساجد والكنائس… تناغم الأرواح

في جامع البيرة الكبير، يرتفع الأذان كدعاء مفتوح للسماء. في كنيسة اللاتين والأقباط، ترتيلٌ ينساب بسلام، وفي كنيسة الأرثوذكس قرب دوار المندلية، الأيقونات تضيء بألوانها الذهبية لتقول إن الحضور المسيحي في المدينة عريق وعصيّ على المحو. هناك، في هذا التنوع الروحي، تتحول رام الله إلى مكان يذوب فيه الهلال مع الصليب في لحن واحد.

مقبرة ياسر عرفات… الضريح الذي لا يصمت

في قلب رام الله يرقد ياسر عرفات في ضريح أبيض متواضع، لكنه يحمل ثقل التاريخ كله. الزوار يقفون أمامه وكأنهم يحاورون رمزية رجل لم يغادر ذاكرة الوطن. الضريح ليس مجرد قبر، بل هو شهادة على أن الحلم لا يموت.

دوار المنارة… أسود تحرس الذاكرة

في وسط المدينة، يقف دوار المنارة بأسوده الأربعة. تماثيل صامتة لكنها ناطقة بتاريخ طويل: هتافات، مسيرات، أفراح، ودموع. المنارة قلب رام الله، ملتقى الناس جميعًا، رمزها الذي لا يشيخ.

رام الله… بيت وعائلة

رام الله بالنسبة لي ليست مجرد مدينة، إنها بيت. ففيها أخوالي وخالتي، وفي كل لقاء معهم أستعيد شيئًا مني، شيئًا من الجذر، من الهوية، من الوطن الذي لا يُمحى. معهم أشعر أن رام الله ليست مكانًا فحسب، بل حضنًا، عائلة، ذاكرة تنبض.

رام الله تعرف كيف تحتضن كل شيء: الشارع والمقهى، الأذان والأجراس، المتاحف والميادين، العائلة والأصدقاء، القهوة والأرجيلة. إنها مدينة لا تعيش فقط في المكان، بل في القلب، في الذاكرة، في كل نفس دخان يتلوى من أرجيلة في مقهى شيشا ويصعد عاليًا، كأنه يحمل معه حلمًا واحدًا: الحرية



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيطان يضحك
- هلوسة الجنة
- هلوسة النار
- المتجددين
- حين يعلو الصوت وتخفت الروح
- الصلاة الغامضة
- عامر عودة وتجديد أفق القصة الفلسطينية: قراءة نقدية في «بداية ...
- دراسة تحليلية أكاديمية في كتاب -إبليس في التحليل النفسي- لسي ...
- أمي، هل تخبرينا عن الحياة في السماء؟
- دمعة وابتسامة… سرّ إنسانيتنا
- الأصدقاء… صدى الغياب
- الذاكرة العاطفية… حين يتذكّر القلب ما ينساه العقل بين فرويد ...
- مرايا الروح والجروح
- خيبات
- قراءة ادبية في نص الشاعرة رانية مرجية ألوان الروح القدس ، بق ...
- قراءة أدبية في قصة ” حين مات الإنسان … وأوفى الكلب : وصمة عا ...
- لا يموتون… بل ينبتون
- يا أبيضّ يا أسود
- هل يموتُ الموتُ يومًا؟
- ورقة بيضاء


المزيد.....




- سحر الطريق.. 4 أفلام عائلية تشجعك على المغامرة والاستكشاف
- -الكمبري-.. الآلة الرئيسية في موسيقى -كناوة-، كيف يتم تصنيعه ...
- شآبيب المعرفة الأزلية
- جرحٌ على جبين الرَّحالة ليوناردو.. رواية ألم الغربة والجرح ا ...
- المغرب.. معجبة تثير الجدل بتصرفها في حفل الفنان سعد لمجرد
- لحظات مؤثرة بين كوبولا وهيرتسوغ في مهرجان فينيسيا السينمائي ...
- مهرجان البندقية السينمائي.. دعوات للتنديد بالأفعال الإسرائيل ...
- رحلة حزب الله من البيئة الفكرية إلى الساحة العسكرية والسياسي ...
- محمد ثروت نجم احتفالية الأوبرا في ذكرى المولد النبوي على الم ...
- ماذا وراء -أكبر سرقة كتب في أوروبا منذ الحرب العالمية الثاني ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - رام الله ، … مدينة القلب والذاكرة