أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - يا أبيضّ يا أسود














المزيد.....

يا أبيضّ يا أسود


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 12:05
المحور: الادب والفن
    


في تلك المدينة البعيدة، حيث تُقسَّم الأرواح كما تُقسَّم الطرقات، لم يكن مسموحًا للإنسان أن يرى إلا بلونين: أبيضٌ ناصع يرمز للنقاء المزعوم، أو أسود قاتم يُصنَّف كظلامٍ مطلق. أما باقي الألوان، فكانت تُعَدّ أوهامًا خطيرة تهدّد النظام.



كان الطفل حين يولد يُعلَّق على معصمه سوارٌ يحدّد مصيره: أبيض أو أسود، ومنذ تلك اللحظة، يَحمل داخله قيدًا لا يُكسر. المدارس، البيوت، أماكن العبادة، وحتى المقابر… كلها مفصولة بخطّين متوازيين لا يلتقيان.



غير أن سلمى، الطفلة التي وُلدت بسوار أبيض، حملت سرًّا لم تستطع دفنه. كانت ترى ما لم يُرد لها أن تراه. ففي الصباح، كانت تلمح أن ضوء الشمس ليس أبيض خالصًا، بل يتشعّب في زرقة وذهبيّة وأرجوان. وحين تهطل الأمطار، كانت تتابع القطرات وهي ترسم على التراب لوحةً تنبض بألوان لم تُسمَّ في كتب مدينتها.



سألت والدها يومًا، وهي تحدّق في السماء:

ــ أبي، هل قوس قزح حقيقي؟

نظر إليها بحدة، وقال:

ــ قوس قزح كذبة يا سلمى. من اخترعه أراد إفساد عقول الناس. العالم بسيط: أبيض أو أسود. لا تتركي الخيال يضلّلك.



لكن قلبها لم يعرف الطمأنينة.



تمرّد الطفلة

كبرت سلمى وهي تزداد قناعة أن الحقيقة أوسع من الثنائية القاتلة. كانت ترسم خفيةً على جدران غرفتها: بقعة خضراء كغصن زيتون، خطًا أزرق كالبحر، وهالة حمراء كنبض القلب. وكلما رسمت لونًا جديدًا، شعرت أن روحها تتنفّس.



وذات ليلةٍ حالكة، حين كانت المدينة نائمة على بياضٍ وسواد، خرجت إلى الساحة الكبرى تحمل دلوًا من الألوان التي خبأتها طويلًا. رفعت الدلو وسكبته في قلب الساحة. فجأةً انفجر المكان بفيضٍ من الألوان: الأصفر يجاور البنفسجي، والأزرق يعانق البرتقالي، والأحمر يمتد كاللهب.



ارتجّت المدينة. بعضهم صرخ: “خيانة!”. آخرون ارتجفوا خوفًا. غير أن الأطفال، ببراءتهم، اقتربوا يلمسون الجدار الملوّن، وضحكاتهم تتعالى. كانت تلك اللحظة أول تصدّع في جدار الصمت.



الاضطهاد والولادة

لم تغفر لها المدينة فعلتها. طُردت من مدرستها، وأُدخلت “سجن الألوان الممنوعة”. جُرّدت من سوارها الأبيض، وأُلصق عليها لقب “المتمرّدة”. لكن ما لم يفهمه الحاكمون أن البذور التي نثرتها كانت قد بدأت تنبت.



في الليل، تسللت نساءٌ يخبزن خبزًا بزينةٍ من بذور ملونة. شبابٌ رسموا خطوطًا صغيرة من الأزرق والأخضر على وجوههم. أما الأطفال، فقد صاروا يركضون في الأزقة يبحثون عن بقايا اللون. كان الكبت الطويل قد انفجر، وصار الناس يرون أن بين الأبيض والأسود مساحات رحبة من حياة لم يذوقوها من قبل.



انتصار الألوان

مرت سنوات. انهار السور الفاصل بين الحارتين البيضاء والسوداء، وبدأت المدينة تتحول شيئًا فشيئًا إلى فسيفساء من ألوان. صارت الساحات لوحات، والجدران دفاتر، والوجوه مرايا للحرية.



وحين كبرت سلمى وصارت جدة، جلست ذات مساء تحكي لحفيدتها الصغيرة. سألتها الطفلة بعينين متوهجتين:

ــ جدتي، لماذا يسمّونك “أم الألوان”؟

ابتسمت سلمى، رفعت يديها العجوزتين كأنها تحمل قوس قزح في راحتيها، وقالت:

ــ لأنني رفضتُ أن أختصر العالم في يا أبيضّ يا أسود. آمنتُ أن الحياة كلها ألوان، وأن شجاعة الإنسان تكمن في أن يرى ما بين النهايتين، فيخلق مساحته الحرّة، ويمنح نفسه حقّ أن يكون كلّ الألوان.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يموتُ الموتُ يومًا؟
- ورقة بيضاء
- “غزة… أسطورة الشهداء التي لا تنطفئ”
- مقدمة لكتابي جدلية الروح والكلمة.
- شمس المعارف: بين وهج الروح وخطر السحر
- حين يختبئ الحلم خلف جناح عصفور
- سجاير
- تجدّد الروح… حين يتحوّل الألم إلى قيامة
- في الطريق إلى الجنة –
- حين مشت العكازات
- سِدرَة المُشتهى… معراج الكلمة بين السماء والأرض
- نقد منمّق لنص “💘سهمٌ من حنان💘” للشاعر العراق ...
- حين تصير الريشة شقيقة السنان… قراءة وجدانية في “عُهُودُ الأس ...
- كاظم حسن سعيد… النهر الذي لا ينضب
- الكتاب الجيد… الكلمة حين تتخذ هيئة حياة
- بوذا… حين يصمت القلب ويستنير الوعي رحلة نحو السلام الداخلي ع ...
- “البدء من عينيكِ”.. حين تتحول الأنوثة إلى مجرّة تدور حولها ا ...
- -بين أسوار المعبد وحدود الروح: قراءة وجدانية في رواية دينا س ...
- حين تُطهى الصفقات على جمر فلسطين ، نص: فوز فرنسيس ، قراءة وج ...
- “ما راح أنسى”… شهادة رئيفة داود صليبا أبو منّه – كركر كما وث ...


المزيد.....




- ثبتها وتابع أحدث البرامج الثقافية على تردد قناة ناشيونال جيو ...
- التربية تفتح ابواب النقل امام طلبة معاهد الفنون الجميلة لغاي ...
- المترجم يحيى مختار: رحلة أكثر من 30 كتابًا للأدب الصيني بنبض ...
- الرياض تقرأ.. والسعودية تكتب المستقبل (فيديو)
- أسطورة الشطرنج بوبي فيشر.. البيدق الأميركي الذي هزم السوفيات ...
- القضاء الأمريكي يحكم على مغني الراب -ديدي- بالسجن أربع سنوات ...
- محمد صلاح الحربي: -محتاج لحظة سلام- بين الفصحى واللهجة
- سياسات ترامب تلقي بظلالها على جوائز نوبل مع مخاوف على الحرية ...
- مئات المتاحف والمؤسسات الثقافية بهولندا وبلجيكا تعلن مقاطعة ...
- ساحة الاحتفالات تحتضن حفلاً فنياً وطنياً بمشاركة نجوم الغناء ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - يا أبيضّ يا أسود