رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 13:20
المحور:
الادب والفن
لم تكن السيجارة التي أشعلها صباحًا مجرّد لفافة تبغ، بل كانت طقسًا يوميًا يوقّع به على بداية نهار جديد، كأنه عقد مع الحياة… أو ربما استسلام لها.
يجلس على كرسيه الخشبي المتهالك قرب النافذة، يراقب دخانها وهو يتلوّى في الهواء، كأفعى تبحث عن مخرج من قفص زجاجي. كان يرى في ذلك الدخان صورة روحه؛ تتصاعد حرة للحظة، ثم تتلاشى في فضاء لا يرحم.
قالت له يوماً جارته العجوز، وهي تمسح على خد حفيدها:
“السجائر تقتلك ببطء.”
ابتسم ولم يرد، فهو يعرف أن هناك ما يقتله أسرع من النيكوتين… اسمه الانتظار.
كان ينتظر رسالة لم تصل، واعتذارًا لم يُكتب، ووجوهًا غابت خلف حدود مغلقة. كل سيجارة كانت جسراً نحو ذكرى، أو قاربًا يطفو فوق بحر الوحدة.
السيجارة الأولى في الصباح تحكي عن الشباب الذي ضاع، والثانية بعد الظهر تروي قصة الثورة التي لم تكتمل، أما الثالثة في الليل فهي اعتراف صامت بأنه لم يعد يملك ما يخسره.
في أحد الأيام، بينما كان يشعل سيجارته العاشرة، شعر بطَرقٍ على الباب. نهض ببطء، فتح، فوجد صبيًا يمدّ له ظرفًا أبيض.
قرأ الإسم على الظرف… كان اسمه. فتحه، فوجد بداخله ورقة قصيرة:
“لقد أُغلقت الدائرة… انتهى الأمر.”
جلس، أشعل سيجارة جديدة، ولم ينتبه أن أصابعه ترتجف.
وفي اللحظة التي انطفأت فيها آخر جمرة حمراء، سقط هو أيضًا، تمامًا كما سقطت سيجارته، ممدّدًا على الأرض، والدخان يتصاعد من صدره الأخير
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟