أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - -بين أسوار المعبد وحدود الروح: قراءة وجدانية في رواية دينا سليم سقوط المعبد الأخير-














المزيد.....

-بين أسوار المعبد وحدود الروح: قراءة وجدانية في رواية دينا سليم سقوط المعبد الأخير-


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 08:56
المحور: الادب والفن
    


مدخل: حين ينهار الحجر وتبقى الأسئلة
رواية "سقوط المعبد الأخير" للكاتبة دينا سليم حنحن ليست نصًا يُقرأ على عجل، بل نص يفرض عليك الإقامة في مساحاته، يستدعيك إلى عزلة البطلة، ويحبسك معها في الممرات الباردة التي تعبق برائحة الرطوبة وأصوات النواقيس المتعبة. إنها رواية عن السقوط، لا كسقوط حجارة المعبد فحسب، بل كسقوط الرموز، وسقوط الطمأنينة، وسقوط الإجابات الجاهزة في زمن الأسئلة الفادحة.
المعبد كسجن روحي
منذ الصفحات الأولى، يُشيّد النص عالمًا مغلقًا، محكومًا بجدران عالية وأسوار تحجب الأفق. المعبد هنا ليس مكان عبادة فحسب، بل منظومة سلطوية روحية واجتماعية تُفرَض على الجسد والروح. تقول الراوية:
"أصبحت نزيلـة وحيدة في حجـرة كئيبة بنافذة واحدة، سقفها منخفض وبابها ضيق، حجـرة خابية، خمدت فيها الحياة."
البطلة أودينيـل تعيش داخل هذه الأسوار ككائن نصف حي، تتنفس هواءً مشبعًا بالتراتيل والحرمان، لكنها في الوقت ذاته تحمل في أعماقها بذور الشك والرغبة في الخروج.
الطهارة أم الحرية؟ معضلة أودينيـل
أكثر ما يلمس القارئ هو الصراع الداخلي الذي تعيشه البطلة: أن تبقى في المعبد محافظةً على طهارتها، أم تخرج إلى العالم الذي قد يسلبها هذه الطهارة. تقول:
"أنا طاهرة، أنا مثل الملائكة، لكني أخشى العقوبة… العقوبة الإلهية وعقوبة الآخرين."
هذه الجملة تكثف معضلة الرواية: الطهارة هنا ليست مجرد قيمة روحية، بل قيد ثقيل يجعل البطلة تسائل ذاتها: هل الفضيلة تكتمل بالعزلة؟ وهل الحرية تستحق ثمن السقوط؟
الشخصيات كأصوات داخلية
الرواية تزخر بشخصيات ثانوية تحمل أبعادًا رمزية عميقة:
العم نور، بملامحه الحزينة وصمته المشوب بالحنان، ظلّ الأب الغائب الحاضر.
أم هذا، العجوز الغامضة التي تمارس طقوسًا غريبة، تمزج بين البركة والرهبة:
"قصّت بعض الشعرات من جبهتها الأمامية، وضعتها على قمة هرم خشبي، ثم تمتمت بكلمات غير مفهومة."
الأطفال اليتامى، الذين يذكّرون البطلة دومًا بجذورها المقطوعة.
سقوط المعبد كسقوط داخلي
العنوان "سقوط المعبد الأخير" لا يصف حدثًا ماديًا فقط، بل يشير إلى انهيار داخلي في وعي البطلة. المعبد هنا رمز للمنظومات المغلقة التي تسقط أمام رغبة الفرد في الخروج من القيد. تقول أودينيـل وهي تتأمل مصير صديقتها أليسا التي خرجت ولم تعد:
"هل يعقل أن كل من يخرج من صومعة المعبد يفقد طهارته؟ لن أخرج… ولـن أستسلم لأفكاري التعيسة."
لكن هذه المقاومة لا تمنع تسلل الحنين إلى المجهول، وكأن السقوط أصبح قدرًا ينتظر لحظة الانفلات.
لغة الرواية – الشعر في خدمة السرد
لغة دينا سليم مشحونة بالصور البصرية والحسية: الأشجار المغطاة بالثلوج حتى تصير كالزجاج، صوت الناقوس الذي يهز الجدران، الفراشات التي تهرب من اليد الصغيرة. من أجمل المقاطع التي تجسد قوة الوصف قولها:
"غطت الثلوج بتلات الأشجار، وأصبحت مثل الزجاج… وصوت الناقوس النحاسي يقرع بعنف، يتأرجح دون توقف."
الحوار قليل لكنه مكثف، والصمت يأخذ دور الراوي الخفي، فيما يقوم المونولوج الداخلي بحمل الرسالة الوجودية للنص.
خاتمة: ما بعد السقوط
"سقوط المعبد الأخير" ليست حكاية فتاة وحسب، بل مرثية لكل إنسان حُشر بين جدران صنعها لنفسه أو صنعها له الآخرون. المعبد قد يسقط، لكن الأسوار الداخلية قد تبقى، والأسئلة التي زرعتها الرواية ستظل تنبض في ذهن القارئ طويلًا:
"إلى متى سأبيت حبيسة الجدران… وماذا أنتظر؟"
بهذه الأسئلة المفتوحة، تمنحنا دينا سليم نصًا يصلح أن يُقرأ كاعتراف، وكحلم، وكصرخة في وجه كل سلطة تريد أن تُؤبِّد الإنسان في حجرته الضيقة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تُطهى الصفقات على جمر فلسطين ، نص: فوز فرنسيس ، قراءة وج ...
- “ما راح أنسى”… شهادة رئيفة داود صليبا أبو منّه – كركر كما وث ...
- حين يصرخ الصمت... رواية دينا حنحن تكتب بالحزن والنجاة قراءة ...
- قراءة في نص إياد شماسنة –
- ثمن الفستان… وثمن الوهم قراءة وجدانية في قصة “رجل فاشل” ل عا ...
- نشيد الوحدة في حضرة النور
- شهيدة وطن
- “أيام الغبار”: حين تُحبّك البلاد كما تُجففك
- قراءة زاخرة وجدانية فلسفية لنص “صهيلُ السؤال في زمنِ الصمت”
- حين تُشرعُ الكلمات نوافذ الحوار _ فوز فرنسيس ورانية مرجيّة
- خبزُها... كتب، وصلاتُها... قصائد
- قراءة لديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟” للشاعر يحيى السماوي
- حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الص ...
- حين يُصبح النقد مرآةً للروح والشعر: قراءة في دراسة إيمان مصا ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- يا نارَ الانقسامِ، كُفّي
- من أين أملك لغتي؟
- الكاتب الكبير... الذي لا يكتب!
- -نكبتنا لم تَغِب... بل كبُرت معنا-


المزيد.....




- سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت ...
- فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
- رواية كردية شهيرة
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...
- ساهم في فوز فيلم بالأوسكار.. فيديو فلسطيني وثق مقتله على يد ...
- -هجوم على ذاكرة شعب-.. حظر الكتب في كشمير يثير مخاوف جديدة م ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - -بين أسوار المعبد وحدود الروح: قراءة وجدانية في رواية دينا سليم سقوط المعبد الأخير-