أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الصبّار- لريتا عودة














المزيد.....

حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الصبّار- لريتا عودة


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 02:31
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ تتشظى فيه الأرواح وتضيع الهوية بين متاهات الخراب الخارجي والداخلي، تنبعث رواية "إلى أن يُزهر الصبّار" كأنها صلاة خافتة، صلبة، تعاند الريح، وتتلو تراتيل الصبر والاحتراق والقيامة. ريتا عودة، الكاتبة التي لم تتخلّ يومًا عن دهشتها رغم قسوة الواقع، تنسج من الشوك قصيدة، ومن الرماد امرأة.

الرواية لا تقول: "هذا ما حدث"، بل "هكذا شعرتُ حين حدث"، وبهذا تمارس طقس البوح وتفتح جرح الإنسان الفلسطيني كامرأة، وكابنة وطن يُمحى تاريخه كل يوم. في عالمٍ تتداخل فيه الأسلاك الشائكة مع الأقدار، تعيد عودة رسم الجغرافيا، لا بالخرائط، بل بالنبض.

"كتبتُ لأتحرّر من القيد... ولأضمّد جرحَ الوطن بي."
(ريتا عودة، إلى أن يُزهر الصبّار)

هنا نبدأ.

المرأةُ كأيقونة مقاومة نفسية وفلسفية
المرأة في هذه الرواية ليست كائناً بوجعٍ جانبي، بل هي الوجع ذاته. هي الأرض التي يُنتهك كيانها كل يوم وتُجبر على أن تنبت رغم شظف العيش. البطلة التي تمضي بنا الكاتبة من خلالها ليست ضحية، بل حارسة لذاكرتها، ومتآمرة على هشاشتها.

فرويد يرى أن الكتابة شكل من أشكال العلاج النفسي (Freud, Creative Writers and Day-Dreaming, 1908)، وفي هذا السياق يمكننا اعتبار النص كله مساحة استشفاء، لا فقط للشخصية، بل للكاتبة نفسها، وللقارئ الذي يرى ذاته في هذه الصفحات. عودة لا تكتب عن المرأة، بل تكتب المرأة، بكل هواجسها وأحلامها وانكساراتها.

اللغة: بين الشعر والفجيعة
اللغة في الرواية لا تخضع لبنية السرد التقليدي، بل تتراقص على حواف الشعر. تتعمد عودة أن تجعل القارئ يتعثر بالجمال، كمن يطأ شوك الصبّار حافيًا. تكتب بجسدها، بذاكرتها، وبأنوثتها المقهورة. اللغة هنا لا تنقل القصة، بل تخلقها.

"كأنني أكتبُ كي لا أنقرض، كي لا أموتُ صامتةً."
(ريتا عودة)

وهذا يتقاطع مع رؤية جوليا كريستيفا التي اعتبرت أن الكتابة النسوية ليست فقط مقاومة للمحتوى الذكوري، بل مقاومة للغة الذكورية ذاتها، فـ"اللغة أداة سلطة، وعلى المرأة أن تُخضعها لصوتها الداخلي" (Kristeva, Desire in Language, 1980).

الصبّار: استعارة كونية
الصبّار ليس نباتًا هنا. هو كيانٌ كامل، هو شخصية، هو فلسطين، وهو الأنثى التي ترفض أن تُقلع من جذورها. عنوان الرواية لا يعد بالزهر، بل يُعلّق الأمل عليه. "إلى أن يُزهر" يعني أننا لم نصل، ولكننا نأمل، وننتظر، ونُراكم الصبر.

وهذا يتوافق مع طرح ألبير كامو في "أسطورة سيزيف"، حيث يعتبر أن الإنسان الذي ينهض رغم عبثية الحياة هو إنسانٌ حر. بطلة ريتا عودة تنهض، تصرخ، وتكتب، لا لأنها واثقة من الخلاص، بل لأنها لا تمتلك خيارًا آخر.

العشق في ظلّ الاحتلال: انفجار داخلي مزدوج
الجانب العاطفي في الرواية لا يُقدَّم كملاذ، بل كمرآة للكسر الأكبر. الحب لا يُحرّر البطلة، بل يعرّيها. إنها تحب كما تُصلّي، وتُصلَب كما تُحب.

الوجودية هنا تتجلّى في أوضح صورها، كما يرى جان بول سارتر أن "الإنسان مشروع لا يكتمل إلا بفعل"، والبطلة بفعلها، بكتاباتها، برفضها للانصياع، تصير. إنها ليست ضحية، بل مشروع تمرد مستمر.

الرواية كفعل تحرّر وطني
لا يمكن فصل الذات الفردية في الرواية عن الجماعية. فالوطن حاضر لا كخلفية، بل ككائن حي، كجسدٍ مُنتهك، كأمٍ تُقاوم النسيان. وهذه المقاربة تتماهى مع رؤية إدوارد سعيد الذي اعتبر أن "الكتابة الفلسطينية يجب أن تكون جسرًا بين الحنين والمقاومة" (Reflections on Exile, 2000).

ريتا عودة تعي هذا الدور جيدًا. هي لا تتأمل الوطن من مسافة، بل تكتبه كما يُكتبُ الجسد في لحظة ارتعاشٍ أو نزف.

خاتمة: حين يصبح الألم تراتيل خلاص
"إلى أن يُزهر الصبّار" ليست رواية، بل مرآةٌ مهشّمة نرى فيها وجوهنا. نقرأها فننزف، ونبتسم، ونرتبك، وننهض. ليس لأننا أقوياء، بل لأننا لا نملك ترف السقوط. الكاتبة هنا لا تمنحنا إجابات، بل تفتح الباب لأسئلتنا. ونحن، في مواجهتنا لهذه الصفحات، نعيد كتابة ذواتنا.

تمامًا كما قالت البطلة في أحد فصول الرواية:

"أكتبُ لا لأشكو، بل لأحيا."

وأيُّ حياةٍ أصدق من تلك التي تُكتَبُ بالدم، ويُسقيها الصبّار؟



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- يا نارَ الانقسامِ، كُفّي
- من أين أملك لغتي؟
- الكاتب الكبير... الذي لا يكتب!
- -نكبتنا لم تَغِب... بل كبُرت معنا-
- توجيه مجموعات للمتوحدين: عبور إلى عالمٍ آخر
- دوائر الظلم
- الله منحك الحرية… فلا تسلّمها لأحد
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- “النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة و ...
- في حضرة الزُرقة النقية
- ما بين الحُبُورِ والوجع
- ✦ بين الحبر والنبض: حين وجدتُ ذاتي بين القراءة وقلوبه ...
- � في السماء السابعة… أمي 🌿
- � رثاء فيروز لزياد 💠
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- الحياة في زمن العار والنفاق
- فلسطين في عام 3000
- -حين غاب زياد-


المزيد.....




- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...
- الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام ا ...
- نقل الفنان المصري محمد صبحي إلى المستشفى بعد وعكة صحية طارئة ...
- تضارب الروايات حول استهداف معسكر للحشد في التاجي.. هجوم مُسي ...
- ديالا الوادي.. مقتل الفنانة العراقية السورية في جريمة بشعة ه ...
- مقتل الفنانة ديالا صلحي خنقا داخل منزلها بدمشق والتحقيقات تك ...
- القنبلة الذرية طبعت الثقافة اليابانية بإبداع مستوحى من الإشع ...
- بوليود بين السينما والدعاية.. انتقادات لـ-سباق- إنتاج أفلام ...
- الغيتار تحوّل إلى حقيبة: ليندسي لوهان تعيد إحياء إطلالتها ال ...
- سكان وسط أثينا التاريخية منزعجون من السياحة المفرطة


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الصبّار- لريتا عودة