أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة وجدانية – نفسية – جمالية في قصيدة كاظم حسن سعيد














المزيد.....

“النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة وجدانية – نفسية – جمالية في قصيدة كاظم حسن سعيد


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 00:22
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ تتكاثر فيه الأنهار المسمومة وتضمحلُّ الجداول الرقراقة، تأتينا قصيدة “النهر المتصحر” للشاعر العراقي كاظم حسن سعيد كصرخة وجد، وكأنين ذاكرة تجلد نفسها قبل أن تُدين الغزاة والجلادين. القصيدة ليست مجرد نص، بل هي مأتم لغوي، حيث يتحوّل النهر من رمزٍ للحياة إلى شاهدٍ على الموت، من مجرى للعذوبة إلى مصبّ للألم، من حضن الوطن إلى قاع السبي والخذلان.



🌀 تعوي الجماجم… حين يتحوّل الوطن إلى جمجمة

يفتتح الشاعر نصّه بنداء جنائزي:
“تعوي الجماجم هل رأيت حجارة / ذئبية رنت لغير المعول”
فلا بدايات ناعمة هنا، ولا استعارات حالمة. بل نُلقى فورًا في قلب العدم، حيث الجمجمة تعوي، والحجر يُسمَع، والمعول غائب. وكأننا في أرضٍ مهجورة نادت أهلها، فلم يجيبوا. هنا الخيبة وطنية، لكنها أيضًا نفسية وجودية.

وفي قوله:
“وتصحر النهر المؤبد سيله / إن مسه الزيف المعمق ينزل”
تصبح الصورة الشعرية إعلان موت روحي، فالنهر – هذا الكائن الأبدي – ينضب لا لعجزٍ طبيعي، بل لأن “الزيف” تسرّب إليه. كأن الشاعر يعيد تعريف الخيانة: ليست خيانة السلاح، بل خيانة القيم، خيانة الذات.



🌊 حين يُصبح النهر بطاقة هوية

“وها أنت مرسوم في بطاقتي الشخصية مشكّلاً هويتي وجيناتي وسمرتي”
في بيت شعري من العيار الوجودي، يخلع الشاعر عن النهر صفته المائية ويمنحه معنى بيولوجيًا: النهر هو الجين، السحنة، الشخصية، الأصول. لكنه سرعان ما ينقلب على هذا الرمز حين يصرّح بمرارة:
“ولكنك أصبتني بالوباء… وحجبت عني جمال الفجر”

إنها مرارة مَن أحب وطنه حتى الهلاك، فإذا بالوطن ينقلب عليه. أيُّ صراعٍ نفسيّ هذا الذي نحبّ فيه من يُميتُنا؟! وما أشبه هذا البيت بأحوال شعوبنا التي لا تكفّ عن الدفاع عن أوطانٍ هجرتهم، أو حُكّامٍ صمّوا آذانهم.



🪨 “أنا المشرد قد حسبتك منزلي”

بيت يكاد يختصر المأساة بأكملها:
“وأنا المشرد قد حسبتك منزلي”
هذه ذروة الخيبة النفسية، حين يصبح الحُلم هو الخدعة، ويصبح النهر – الذي ظنناه ملاذًا – مصدرَ الضياع.



🧠 النهر كخزان جماعي للذاكرة

في الجزء الثاني من القصيدة، يأخذنا الشاعر في سردٍ شعري كثيف، كأنه شريط وثائقي طويل من الوجع والحنين والتاريخ والمفارقات:
من الطلاب ودراجات الأطفال، إلى الراقصات والأمهات الثكالى، مرورًا بجنود الهنود، والحجاج، والأرمنيات، والبسطاء الذين ظنّوا أنهم في “فسحة” فانتهوا في “مأتم”.

كل ما مرّ فوق النهر، سقط فيه أو ترك ظلاله عليه. لا يتكلم النهر، لكن الشاعر يسمعه، يقرأه، يشمّه، يتذكّره:
“اشم أعماقك وأقرؤك…”
النهر صار كتابًا مفتوحًا، دفترًا لتاريخ الخيبات المسكوت عنها، وعار الطقوس المقدسة حين تختلط بالدماء.



🎭 تأريخ الهزائم في جغرافيا الماء

النص يكشف البعد الرمزي – الجمالي للنهر:
لم يعد ماءً يسقي، بل قبرًا يحوي كل شيء: من دماء الأطفال، إلى طقوس الصابئة، إلى خناجر الخونة، إلى صرخات الضحايا.
وهنا يكمن الجمال المأساوي للنص: ما من شيءٍ غريب على النهر… لأنه شهد كل شيء، لكنه عاجز عن ردّ أي شيء.



💔 هل نملك الشجاعة لحضور جنازة النهر؟

يختم الشاعر نداءه بفجيعة موجعة:
“لا تتركوني وحيدًا أؤبّنه وألقي في حضرته قصيدة رثاء”
إنه لا يطلب مقعدًا في جنة الشعر، بل يدعو لصحوةٍ جماعية، أن نعود جميعًا لنرثي أنفسنا، لأن النهر لا يموت وحده، بل يأخذ معه ما تبقى فينا من الحياة.



✨ خاتمة: القصيدة التي تستحق أن تُدرّس

قصيدة “النهر المتصحر” ليست فقط نصًا شعريًا، بل وثيقة أدبية، بمثابة نشيد حدادٍ طويل لوطنٍ يُذبَح كل يوم، دون أن نمتلك حتى دموع الرثاء.
تحية للشاعر العراقي كاظم حسن سعيد، لأنه لم يكتب، بل نزف، وجعل من النهر “نصًا خالداً عن الفقد والخذلان والهوية الممسوخة”.




#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة الزُرقة النقية
- ما بين الحُبُورِ والوجع
- ✦ بين الحبر والنبض: حين وجدتُ ذاتي بين القراءة وقلوبه ...
- � في السماء السابعة… أمي 🌿
- � رثاء فيروز لزياد 💠
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- الحياة في زمن العار والنفاق
- فلسطين في عام 3000
- -حين غاب زياد-
- 🌾 دمٌ أصفر
- حب على الحاجز
- من ينظر إليّ كإنسان، هو من سيبقى 🌿 – فلسفة القلب في ز ...
- الراهب الطيب صانع المعجزات
- استيقظتُ نفسي: من نور ونار وسماء
- شاهدة قبر من رخام الكلمات: كتابة على حافة الوجع والبعث
- الوجود يتقيأني… وأنا أبتلع القيامة
- الموروث الشعبي والتربية ، تحليلاً من خلال هويتنا الفلسطينية
- قوس الرمل
- 🌿 تراتيلُ العارفين 🌿
- قصيدة: فَكِّرْ بِنَفْسِكَ وَأَنْصِفْهَا


المزيد.....




- حماس: تصريحات ويتكوف مضللة وزيارته إلى غزة مسرحية لتلميع صور ...
- الأنشطة الثقافية في ليبيا .. ترفٌ أم إنقاذٌ للشباب من آثار ا ...
- -كاش كوش-.. حين تعيد العظام المطمورة كتابة تاريخ المغرب القد ...
- صدر حديثا : الفكاهة ودلالتها الاجتماعية في الثقافة العرب ...
- صدر حديثا ؛ ديوان رنين الوطن يشدني اليه للشاعر جاسر الياس دا ...
- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة وجدانية – نفسية – جمالية في قصيدة كاظم حسن سعيد