رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 02:45
المحور:
الادب والفن
نكتب عن التوحّد كثيرًا، لكن قلّما نصغي له.
نقترب من هذه العوالم الخفية ونحن نحمل معنا ضجيج التفسيرات الجاهزة، أو خرافات التربية، أو فزع المجتمع من “الاختلاف”… ولكن، ما أروع أن نصمت للحظة، ونحدّق — لا بعين العطف، بل بعين الاعتراف.
ذوو التوحّد ليسوا متأخرين، بل سابقين…
ليسوا باردين، بل صافيين حدّ اللمعان…
ليسوا خارج الحياة، بل في عمقها، حيث لا يجرؤ كثيرون على الغوص.
في هذه القصيدة، أحاول أن أقترب — لا لأفسّر، بل لأفهم.
أن أرى العالم من خلال طفل لا ينطق، لكنه يعرف معنى النشيد.
أن أقرأ على الجدران ما لم يُكتب، وأن أُصغي لرجفة الضوء حين يلمس قلبًا لم نعتد على نبضه.
وإليكم القصيدة…
⸻
💙 في عالَمِهِ الأزرق
في عالمِه الأزرقِ،
لا يُشبهُ الأزرق الذي نعرفه…
ليس لونَ البحر،
ولا ظلَّ السماء،
بل هو الارتجافُ الخفيُّ للروحِ حين تصمتُ طويلاً… وتبصر.
•
ذاك الطفلُ
الذي لا يركضُ معنا
في سباق الكلمات،
يركضُ داخلَ ذاته
كمن يسابق الضوءَ إلى أصله،
يسألُنا بلا لسان:
“لماذا تُكثرون الكلامَ
وأنتم لا تفهمون الصمت؟”
•
ينظرُ إلى الجدار،
فأحسبُه شارداً،
ثمّ يبتسم…
فأدركُ أن الجدارَ كان قصيدةً
لم أستطع قراءتها.
•
هو لا يتلعثمُ،
بل يحتجُّ على فوضى المفردات،
كلّ ما في داخله نقيٌّ جداً
ليُقالَ بلغةٍ مكسورة.
•
حين يلمس الأشياء،
فهو لا يلمسُها بيده فقط،
بل يعيد اكتشافها كما لو كانت المرة الأولى.
كأنّ الملعقة لا تُستخدم للأكل فقط،
بل لقياسِ مدى انحناء الزمن!
•
في عالمه،
كلُّ لحظةٍ لها طقوسُها،
كلُّ صوتٍ له وزن،
كلُّ نظرةٍ تُمتحن بدقّة،
هو لا يخافُ منّا،
بل من ارتباكنا نحن،
من ضجيج عقولنا
التي نسيت كيف تفكّر ببساطة.
•
وحين يبكي،
يبكي بكاءً نقيًّا
كأنَّ الروحَ خرجت من ضيق الجسد
لترتّل مرثيةً على العالمِ المتعب.
•
قال لي ذات مساء،
وهو يصفّر في الريح:
“أنا لا أحتاجُ للكلام… أنا أسمعُ الصمتَ يتنفّس.”
•
من أنتم؟
يسألنا بعينيه،
من أنتم حتى تحكموا
أنني مختلف؟
ألأنني أرى الموسيقى
وأتذوّق الضوء
وألمس الفراغ
كأنه كائنٌ حي؟!
•
أيها الغريبُ الذي يسكنني،
أيها القريبُ من المعجزة،
علّمني كيف أكونُ أنا
كما أنتَ أنت.
•
علّمني أن أخلع قناع “الطبيعيّ”
وأدخل إلى وعيي كما تدخله أنت:
بلا مرآة، بلا تصفيق، بلا خوف.
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟