رانية مرجية
الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 03:00
المحور:
الادب والفن
في القدسِ،
لا تبدأ الحكايةُ من باب العمود،
ولا تنتهي عند ظلِّ القبةِ الذهبيّة.
القدسُ ليست مدينةً فقط،
بل وردةٌ تنبتُ في خاصرةِ الغياب
ولا تموت… حتى في مقابرِ الكتب.
في القدسِ،
تُغنّي الأرواحُ بلا صوت،
وتبكي السماءُ بلا مطر،
وتضحكُ الطيورُ رغم القيود،
لأن كلّ شيءٍ فيها
يُصلّي ولو بصمتِ العيون.
**
هناك،
في سوقِ العطّارين،
عطرُ الأرضِ لا يُشترى،
بل يُشمُّ من كفِّ امرأةٍ
تبيعُ أوراقَ النعنعِ
كأنها تبيعُ آياتٍ مقدّسة،
وعينُها معلّقةٌ
بصورةِ شهيدٍ لم يرجع من المدرسة.
في سوقِ اللحّامين،
اللحمُ أقلّ وجعًا من السؤال:
“متى تنتهي هذه الحربُ؟”
والعابرون لا يشترون ما يأكلون،
بل يشترون قُبلةً مؤجلةً
من وطنٍ خُذِل.
**
وفي كنيسةِ القيامة،
تصعدُ أرواحُ العشاقِ
قبل أن تموت أجسادُهم،
وفيها،
يركعُ الحنينُ على ركبتيهِ،
يخلعُ حذاءه،
ويمشي على رؤوسِ الملائكةِ.
المسيحُ لا يزال هناك،
يحملُ صليبهُ كلّ مساء،
ويمسحُ دمعَ العذارى
من على وجهِ الأحجار.
يقول: “سلامٌ لكم”
فتفتحُ النوافذُ أبوابَها.
**
وفي المسجدِ الأقصى،
يُغنّي الصمتُ للقبلةِ الأولى،
ويَشهقُ السجادُ حين يسجدُ طفلٌ
بعمرِ التين.
القبابُ لا تشيخ،
والمآذنُ لا ترتعش،
فهي تعرف أن اللهَ… هنا.
كلُّ حجرٍ هناك،
يحفظُ آيةً،
وكلُّ ظلٍّ… يحملُ ذاكرةَ صلاة.
**
يا قدسُ،
أهلكِ لا يشبهون إلا أنفسَهم.
هم مَن يصنعون الشاي بالمرارة،
ويشربونهُ كأنّه نبيذُ انتظار.
وجوهُهم خرائطُ صمت،
وخطواتُهم رسائلُ إلى الغيم.
هم ليسوا شهداءَ فقط،
ولا مجدولينَ على حبالِ العتمة،
بل هم نُسخةٌ أبديةٌ من الرجاء،
يركضونَ إلى النور،
ولو كُسِرَتْ أرجلُهم بالحجارة.
**
يا قدسُ،
يا امرأةً تحملُ في رحمِها
كلَّ هذا الحُزن… وتلدُ نورًا،
يا صلاةً لا تنقطعُ
ولو مُنعَتِ الآذانُ من البكاء،
نحن فيكِ،
لا لأننا أبناءُ ترابكِ فحسب،
بل لأننا أبناءُ حُلمِكِ،
حُلمِ الحريّة.
يا قدسُ،
ما بينَ القيامةِ والأقصى
جناحان من نارٍ ونور،
فيكِ… يسكنُ الله،
وفيكِ… يسكنُ كلّ من أُبعدوا عن الله
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟