أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - العائدون من الموت إلى الحياة: شهادات الروح حين تتجلّى














المزيد.....

العائدون من الموت إلى الحياة: شهادات الروح حين تتجلّى


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8411 - 2025 / 7 / 22 - 02:51
المحور: الادب والفن
    


أحيانًا لا يحتاج الإنسان إلى نعشٍ كي يموت، ولا إلى معجزة كي يعود.
بين الموت والحياة، ثمّة لحظة، يرى فيها البعض الحقيقة، ثم يعودون… لا كما ذهبوا، بل وقد خلعوا عن أرواحهم ظلال الغفلة، وعادوا أنقياء كأنهم وُلِدوا من جديد.
في هذا الشرق المنهك، حيث يمرّ الموت قرب النوافذ، ويهمس في آذاننا بلغةٍ نعرفها، يكون للعائدين من الموت صوت آخر:
صوتٌ لا ينطق بالعجائب، بل بالحكمة.
من الدروز، من المسلمين، من المسيحيين، من هذا الفسيفساء الذي نحيا فيه، جمعتُ هذه القصص — لا لأرويها فقط، بل لأتأملها معكم: هل الحياة حقًا تبدأ بعد الموت؟
1. عائد من الجبل: حكمة الشيخ الدروزي
(من الجليل الأعلى)
في مساء بارد، جلس الشيخ نائل قرب الموقد يتأمل جمرةً حمراء، كأنّه يرى فيها عمره كلّه.
فجأة، سكنت عيناه، وسكن الجسد.
ثلاثة أيام وهو بين الحياة والغياب.
وفي اليوم الرابع، فتح عينيه وقال:
"كنت واقفًا بين جبلين، نور من خلفي، وصمت أمامي. سمعت صوتًا يقول: لم يحن الوقت... عد."
عاد، لكن ليس كما كان.
لم يعد يرفع صوته في المجالس، ولا يُبدي رأيًا إلا همسًا.
تنازل عن زعامة المشيخة، وقال لحفيده:
"الموت ليس غريبًا، بل صديق صامت... يُخبرك أن تبدأ من جديد."
2. صلاة من حنجرة راهبة
(من بيت لحم)
ماريا، راهبة صامتة صارمة، عُرفت بانضباطها في الدير أكثر من دفئها.
في خريفٍ بعيد، أصيبت بنزيف دماغي، ودخلت غيبوبة لأيام.
ظنّ الجميع أن رحيلها بات قريبًا.
لكنها عادت، وبدلًا من الصمت، غنّت.
رنّ صوتها بأول ترنيمة طفولية نسيتها منذ عقود:
"السلام لكِ يا مريم، يا أمّ الرجاء..."
قالت لاحقًا:
"كنت في حقل زيتون. يسوع كان هناك. لم يتكلم. ابتسم فقط، وأشار إلى السماء. فهمتُ: غنّي، فالغناء صلاة أخرى."
ومنذ ذلك اليوم، صار صمتها موسيقى.
3. حكواتي من نور: الصوفي الذي ابتسم للموت
(من يافا)
عبد السلام، صوفيّ بسيط، يروي الحكايات في مقهى شعبي، في ليالي رمضان.
ذات مساء، وهو يحكي عن لقاء موسى والخضر، انقطع صوته وسقط مغشيًا عليه.
غاب ليلتين.
وعاد، حالمًا، ساكنًا، مبلّلًا بدموع لا تشبه الحزن.
قال:
"كنت أمشي في صحراء بيضاء، خالية من الصوت، إلا من دعاءٍ كنتُ أظنه نسيته. سمعت أمي المتوفاة تهمس: عد… ما زال فيك حكاية لم تُروَ."
ومنذ ذلك اليوم، لم يعد يحكي عن الملوك أو الحروب.
صار يحكي عن الله في أرغفة الفقراء، وعن الرحمة في يد امرأة تُطعِم قطّة.
كان إذا صمت، بكت المدينة من خشوعها.
4. ولادة من موت: حين أنقذ الجنين أمّه
(من الرملة)
هالة، في شهرها التاسع، صعدت الحافلة بعد زيارة لعيادة في اللد.
نزفت فجأة وسقطت ممددة، والركّاب يعتقدون أنها فقدت حياتها.
حين وصلت إلى الطوارئ، كانت فاقدة للوعي، دون نبض واضح.
لكن الجنين... تحرّك.
أجرى الأطباء عملية عاجلة، فصرخ الطفل لحظة ولادته — وبتلك الصرخة، بدأ قلب هالة ينبض من جديد.
حين استعادت وعيها، قالت:
"كلّ ما سمعته هو صوت يشبه أمي حين كانت توقظني لصلاة الفجر: قومي، الحياة تناديك."
وسمّت طفلها "نجا"، لأنه نجا بها، ونجت به.
5. الغفران الأخير: كاهن ينقذ روحه
(من الناصرة)
الأب جورج حمل في قلبه وجعًا خفيًّا.
في شبابه، طرد شابًا مثليًا من الكنيسة، ظنًّا منه أن الطهارة تُقاس بالشكليات.
لكن حين داهمته نوبة قلبية، رأى نفسه أمام المذبح...
ورأى الشاب ذاته يبتسم ويقول:
"ليتك علمت أن الله لا يطرد أحدًا."
عاد الكاهن وقد غفر لنفسه.
وفي عظته الأولى، قال:
"كلنا بحاجة إلى مغفرة، لكن لا أحد يُعطينا إياها إن لم نعطِها لأنفسنا أولًا."
تغيّر صوته، ومضى نحو شيخوخةٍ يغسلها الحبّ.
في الختام: العائدون الحقيقيون
ليس كل من نجا من الموت عاد حقًا.
البعض يعود كما كان، وبعضهم لا يعود أبدًا…
لكن العائدين الحقيقيين، هم الذين رأوا ظلّهم على جدار الغياب، فأدركوا أن الحياة أقصر من الكراهية، وأطول من الغضب.
هم الذين يهمسون لنا بلا كلمات:
عِش كما لو أنك وُلدت الآن. سامح كما لو أن قلبك جديد. وامضِ… كما لو أن الموت ما زال خلفك بخطوة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة التي نزفت: يحيى السماوي يكتب الوطن بجسده
- حين تمشي يدُ الله في الحقل
- بين سماءٍ وأرض
- وصمة الدم… لا الطُهر
- مناديل من حرير الكلمات: مزامير العاشق الروحاني
- -فراديس إنانا-: تجلّيات الخلاص والموت في شعر يحيى السماوي قر ...
- قراءة في قصة -خمّ الديوك- – لنبيل عودة
- الله يعرفني… وأنا أعرفه… وهذا يكفي
- أن تكون إنسانًا أولاً
- خمسةُ أشهرٍ من الغياب… وكبرُ الحنين
- نظرة من الداخل: المتوحدون وذوو الإعاقات الذهنية التطورية... ...
- البُعدُ أجمَل
- شتّان بين من مهنتهم الأيديولوجيا... وبين من حوّلوها إلى فنٍ ...
- وجعٌ يقاومهُ وجع
- العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-
- -الديك والانتخابات الديمقراطية-
- في حضرة الشراكة: أبطالٌ في قلب الوطن
- بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية
- “أطياف أم-


المزيد.....




- التحديات التي تواجه التعليم والثقافة في القدس تحت الاحتلال
- كيف تحمي مؤسسات المجتمع المدني قطاعَي التعليم والثقافة بالقد ...
- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - العائدون من الموت إلى الحياة: شهادات الروح حين تتجلّى