أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها














المزيد.....

العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها


رانية مرجية
كاتبة صحفية وموجه مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 16:21
المحور: قضايا ثقافية
    


في زوايا الحياة التي لا تلمع، في الأزقة المنسيّة من قلوب البشر، يولد نوع نادر من العطاء… عطاء لا يحمل هالة الأبطال، ولا تُزَفُّ له الكلمات، ولا يُرفع لأجله الستار. إنه العطاء الموجع، ذاك الذي ينهض من أعماق الألم، من قلبٍ جُبل على الخسارات، من يدٍ ترتعش لكنها لا تزال تمتدّ نحو الآخرين، رغم النزيف.
العطاء الموجع ليس حكاية وردية تُروى في الأمسيات ولا شعارًا على الجدران. إنه حالة وجودية، فعل حبٍ متوحّد مع الحزن، اختيارٌ واعٍ أن نُضيء شمعة في روح غيرنا ونحن نحترق. هو تضحية ليست استعراضية، بل خفيّة، خجولة، ترتدي ثوب التواضع، وتسير حافية في طرقات الحياة.
إنه عطاء الأمّ التي تجوّع لتُشبع أبناءها، ولا تنام لترعى بكاءهم. عطاء المُربّي الذي يزرع في عقول الأجيال نورًا وهو مغمور بالعتمة. عطاء المناضل الذي يرفع قضيته على كتفيه وهو محاطٌ بالخذلان. عطاء المحبّ الذي يسامح مرة ومرتين ومئة، لا لأنه ضعيف، بل لأنه يُحب بصمتٍ يُبكي الملائكة.
العطاء الموجع لا ينبع من فائض المال ولا من رفاه القلب، بل من القلة، من الشقوق التي لم تُرمَّم، من تعبٍ لم يُفهم، ومن صبرٍ اختُبر مرارًا. هو نوعٌ من الصلاة المتجسّدة، صلاة من نوع آخر، تتسلل إلى الوجود لا من شفاهنا بل من جراحنا.
دينياً، هو أعلى مراتب التقوى والمحبة، ذاك الذي تحدّث عنه السيد المسيح حين قال: "ليس حبٌ أعظم من هذا: أن يبذل الإنسان نفسه لأجل أحبائه". وهل من بَذلٍ أقسى من أن تهبَ قلبك كلّه وأنت تعلم أنه قد لا يُحتضن؟ أن تعطي دون أن تتوقع شيئاً؟ ذاك هو جوهر الإيمان، أن نمنح بوعي، بإرادة، لا من ضعف بل من قوة تُمتحن في الظلال.
في البعد النفسي، العطاء الموجع يطرح معضلة: كيف نعطي من قلوبٍ مثقلة؟ كيف نستمر في الإضاءة ونحن نغرق في العتمة؟ والإجابة ليست سهلة، لكنها تكمن في المعنى. حين يجد الإنسان أن ألمه ليس بلا فائدة، أن انكساره يُثمر، يصبح عطاؤه طريقًا للخلاص. ذلك النوع من العطاء لا يستهلكه فقط، بل يخلقه من جديد، يعرّيه ويعيد تشكيله على هيئة إنسانٍ أكثر نقاءً، أكثر حكمة، وأكثر حضورًا في الوجود.
فلسفياً، إنه تمرد على منطق المصلحة. هو تكسير لجدار الذات المغلقة، وهو القفز الحر في فضاء الآخر. حين نُعطي بهذا العمق، نكسر قيود "الأنا" ونتحدّ مع العالم من خلال "نحن". يصبح الإنسانُ، في لحظة العطاء تلك، جزءًا من نهر الحياة الكبير، من الطهارة الكونية التي لا تحتاج لتبرير.
نحن في عصرٍ يشجّع على الأخذ، على الاحتفاظ، على التملّك. يُقال لنا إننا نستحق، وإننا يجب أن نحصل على كل شيء، ولو على حساب أرواح الآخرين. لكن ماذا لو كان الخلاص الحقيقي، السلام العميق، لا يُولد من الأخذ بل من العطاء؟ من التخلّي؟ من هذا العطاء المؤلم الذي يجعلنا أكثر بشرية؟
العطاء الموجع هو صوتُ الضمير حين يصمت العالم، وهو حضنُ الأم حين تنهار الأمان، وهو يدُ الغريب التي تمتدّ بلا مصلحة، وابتسامة من فقد كل شيء لكنه لا يزال يبتسم للسماء.
إننا لا نولد عظماء… بل نصبح كذلك حين نختار العطاء في لحظة الانهيار، حين نحبّ رغم الألم، ونعطي رغم الخوف، ونغفر رغم الطعنات.
فلْنُكرم الذين يعطون من أعماق وجعهم، لأنهم وحدهم يُبقيهم الله في الذاكرة. لأنهم، من دون أن يعرفوا، يصنعون المعجزات في خفاء قلوبهم.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -نحنُ الملحُ الباقي... والجرحُ النّديّ-
- -الديك والانتخابات الديمقراطية-
- في حضرة الشراكة: أبطالٌ في قلب الوطن
- بعد موت الأمل: حين يصير القلم موطناً للروح المنفية
- “أطياف أم-
- في مهبِّ الجوع… غزةُ تصرخ
- -صليلُ الوشاةِ... ونحيبُ القلوب-
- -بسمة الصباح وظلّ خالد: حين يتحوّل الحزن إلى حارس-
- الخلاص بالنعمة... حين تتكلم النفس بلغة بولس
- عدالة السماء بعد الانتقال والسماء السابعة في الفكر المسيحي
- اتحبني؟
- دراسة فلسفية وجدانية لقصائد الشاعرة فوز فرنسيس ،
- مدرستي... منارةُ القلبِ والعقل
- نعمة الامتنان والشكر: دهشة الوعي وارتقاء الروح
- هناك من يقتل فخرا وهناك من يقتل جهلا
- الحياة بعد الموت : حين تشتاق الأرواح إلى بيتها الأول ،
- الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين ...
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني


المزيد.....




- نتنياهو يعلق على وصف ترامب له بأنه -ليس أسهل شخص يمكن التعام ...
- المغرب بلد أفريقي؟
- احتجاجات جيل زد 212 في المغرب: السجن بين 3 و15 عاما لـ17 شخص ...
- غزة:ما الذي يهدد اتفاق وقف الحرب؟
- إدريس اليزمي : حركة جيل زد 212 حريصة على التحرك السلمي وستسا ...
- حميميم وطرطوس.. البصمة العسكرية الروسية في سوريا
- الشرع في الكرملين: زيارة تاريخية تعيد رسم خريطة العلاقات الس ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. القسام تسلم جثتي أسيرين وترامب يهدد ...
- لو ديبلومات: صراع نفوذ دولي على الصومال يقوض الرهان على استق ...
- -كتائب القسام- تصدر بيانا لتوضيح سبب عدم تسليم جميع رفات الر ...


المزيد.....

- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - العطاء الموجع… حين تُزهِر الأرواح من دموعها