أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين الوجدان الفلسطيني














المزيد.....

الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين الوجدان الفلسطيني


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 10:42
المحور: الادب والفن
    


هل يولد الإنسان ناقدًا بالفطرة؟
هل يُمكن لمعلّم في قرية جبلية أن يصبح شاهدًا على قصيدة وطن؟
هل للترجمة القدرة على إنقاذ الذاكرة من الغرق؟
للإجابة على هذه الأسئلة الوجودية، يجب أن نصغي لمسيرة رجل استثنائي، الذي علّمنا أن الكتابة ليست مجرد حرفة، بل هي خلاص. والانتماء ليس مجرد شعار، بل عمق ممتد في اللغة والتاريخ والرؤية.
إنه الدكتور نبيل طنوس، مولود في قرية عين الأسد خلال نزوح عائلته، وعادوا إلى قريتهم المغار بعد الهدوء. وُلِد ليكون شاهداً على التهجير، لكنه قرر ألا يكون لاجئًا في المعنى، بل مقيمًا دائمًا في جوهر الكلمة، حارسًا لهوية تتصارع يوميًا كي لا تُمحى.
في عالمٍ أدمن الضجيج، اختار طنوس درب الصمت العميق، صمت يحفر في العمق ويستخرج ما تراكم في طبقات النصوص من ألم وضوء. لم يكن ناقدًا يصفق، ولا أكاديميًا يجترّ النظريات، بل مفكرًا حرًا، يُمسك القصيدة كما يُمسك الجراح المِبضع، لا ليمزقها، بل ليكشف ما فيها من نبض وشقاء وجمال.
عند قراءة كتاباته عن محمود درويش، لا تشعر أنه يكتب عنه فقط، بل كأنه يُنصت له وهو يهمس من قبره: "احذر يا طنوس، لا تمدحني كثيرًا، بل افهمني". وهذا ما يفعله طنوس: لا يصف، بل يفهم، لا يُنظّر، بل يُعانق، لا يستهلك النص بل يُقيم فيه. في دراساته عن درويش وسميح القاسم وراشد حسين، يذهب إلى البعيد البعيد، ليكشف عن فلسطين كحلم مقاوم، وكقلب ينزف دون أن يستسلم.
لقد رأى طنوس في القصيدة مرآة للكينونة الفلسطينية، وفي كل بيت شعر، نبضًا لشهيد أو شهيدة، أو لروح أمّ لم تجف دمعتها منذ دير ياسين وحتى جنين. لذلك، لم تكن قراءته جمالية فقط، بل وجودية، تستفهم النص لتفهم الذات، وتُعيد تموضع السؤال: من نكون حين نُحاصر؟ وما المعنى حين يُمنع عن الكلام؟
أما الترجمة، فهي عند نبيل طنوس ليست نقلاً لغويًا، بل فعل مقاومة ثقافية. لم يترجم من العبرية أو إليها كمجرد وسيط، بل كمن يُعيد تعريف الجسر بين الشعوب. وكأن كل ترجمة قام بها، كانت محاولة خجولة لإنقاذ فلسطين من أن تُقرأ بخطأ أو تُفهم بسطحية. لقد قاوم عبر اللغة، لأن الهوية تبدأ من الكلمة، و"الآخر" لا يُهزم بالبندقية فقط، بل بالفكرة.
وعندما دخل عالم التربية، لم يُرِد أن يكون مُربيًا نمطيًا، بل موجهًا للأرواح. نال الدكتوراه من جامعة موسكو، لكنه لم يسكن البرج الأكاديمي، بل بقي ابن التراب، ابن الجبل، ابن المدرسة الأولى، حيث الطالب ليس رقمًا، بل مشروع وعي. أراد أن يكون التعليم تجربة تحرر، لا منظومة تلقين، وأن يكون الفكر مفتاحًا للكرامة، لا بابًا للمسخ. في كتابه "التربية الاجتماعية اللامنهجية"، جعل من الهامش منهجًا، ومن المسكوت عنه بوصلة.
نبيل طنوس ليس فقط ناقدًا، بل هو ذاكرة تمشي على قدمين. رجل لم تُغره الأضواء، ولم يسعَ يومًا للمنصة، بل جعل من كل ورقةٍ يكتب عليها منبرًا، ومن كل حوارٍ تربوي صلاة سرية. هو من القلائل الذين فهموا أن النقد لا يعلو على النص، بل ينحني له، احترامًا لا خنوعًا، وأن من يقرأ درويش دون وجع، لم يقرأ شيئًا بعد.
اليوم، في زمن الغرق الجماعي، نحتاج إلى مَن يُعيد للكلمة نُبلها، وللنقد رسالته، وللهوية معناها. نحتاج إلى نبيل طنوس آخر، لا ليُكرر طنوس الأول، بل ليواصل ما بدأه: أن يكون الإنسان ابن لغته، وأن تكون فلسطين أولًا وأبدًا في القلب، وفي النص، وفي الحبر.
هو ليس أسطورة، لكنه استثناء.
هو ليس نبيًا، لكنه نذير المعنى.
في زمن تكثر فيه الأصوات وتقلّ فيه الحكمة، يبقى نبيل طنوس بوصلةً لمن أراد أن يكتب لا ليُبهر، بل ليُغيّر.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الظلام لا يُحاور النور… فلماذا أفتح نوافذي له؟
- حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا
- الأدب الفلسطيني بين 1995 و2024: بين النزيف والنهوض
- أمام الله، بكل قوتي-
- الفوضى التي تصنعنا ، كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا ،
- “لأنني لا أملك رفاهية الصمت”
- في حضرة التقاعد: خمسة أصوات تتداخل في مرآة رجل واحد
- كن إنسانًا أولاً… ثم حدّثني عن الدين
- “أصابع اليد… وأوهام الصحاب”
- الساخر الذي فضح المأساة: نبيل عودة قلمٌ من نار ومرآة من ضمير
- أيمن عودة… حين يُقصى الصوت الحر من كنيست الاحتلال
- “بيني وبين الدبلوماسية ألف ميل وميل” أكتب بوضوح… لا أتملق
- نحن مسيحيون ولسنا نصارى
- الحمد لله على نعمة الإنسانية


المزيد.....




- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...
- من القبعات إلى المناظير.. كيف تُجسِّد الأزياء جوهر الشخصيات ...
- الواحات المغربية تحت ضغط التغير المناخي.. جفاف وتدهور بيئي ي ...
- يحقق أرباح غير متوقعة إطلاقًا .. ايرادات فيلم احمد واحمد بطو ...
- الإسهامات العربية في علم الآثار
- -واليتم رزق بعضه وذكاء-.. كيف تفنن الشعراء في تناول مفهوم ال ...
- “العلمية والأدبية”.. خطوات الاستعلام عن نتيجة الثانوية العام ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - الدكتور نبيل طنوس: حين تصبح الكلمة وطنًا، ويصير الناقد أمين الوجدان الفلسطيني