أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود














المزيد.....

حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 14:30
المحور: قضايا ثقافية
    


أن تكون في هذا العالم هشًّا، شفافًا، مرهفًا، يعني أنك في خطر دائم. خطر لا يأتي من الطبيعة ولا من القدر، بل من الإنسان ذاته. من كلمات تُلقى كالرصاص، من نظرات تنغرس كسكاكين، من سخرية لا يُراد بها الضحك بل الإلغاء. نحن لا نُقتل دومًا بالرصاص، أحيانًا نُقتل بالكلمات، بالتجاهل، بالهمس الجماعي، بالتنمر.
التنمّر ليس سلوكًا عابرًا ولا مجرد "مزحة ثقيلة"، بل هو اغتيالٌ بطيء للروح. ومتى ما تم اغتيال الروح، لا يعود الجسد إلا وعاءً فارغًا يبحث عن لحظة خلاص… عن موت.
في الفلسفة الوجودية، يُقال إن الإنسان وُجد ليخلق ذاته، ليختار ويتمرّد على القوالب، ليُثبت وجوده في عالم عبثي. لكن ماذا عن ذاك الطفل أو المراهق أو الراشد الذي تكسّرت هويته قبل أن تتكوّن، لأنّ زملاءه في الصف أو في العمل أو على منصات التواصل أصرّوا أن يكون مرآةً لتشوهاتهم هم؟
هل بقي له ما يختاره؟ وهل من عدالة في أن يُترك ليقرّر الموت لأن الحياة خانته مرارًا؟
كم من فتاة كرهت شكل جسدها لأنهم نعتوها بالقبح؟
كم من صبي خجل من صوته، من ضحكته، من مشيته، من اسمه؟
كم من مثليّ الهوية، أو طفل مصاب بطيف التوحد، أو شاب فقير، أو لاجئ، تم التنكيل بوجوده حتى ضاق عليه نفسه؟
هل يعقل أن العالم الذي يتغنّى بالحرية والقبول والكرامة، لا يزال يسمح بأن يكون التنمر ظاهرة مسكوتًا عنها حتى تقع الفاجعة؟
الانتحار، في جوهره، صرخة مبحوحة أخيرة ضد عالم لم يُصغِ. وهو في أحيان كثيرة، ليس خيارًا حرًا كما يتوهم البعض، بل هروب اضطراري من جحيم يومي يخلقه مجتمع عديم التعاطف.
فمن أين يأتي اليأس إن لم يكن من إحساس عميق بالنبذ؟
ومن يمنح هذا الإحساس، إن لم نكن نحن، بصمتنا أحيانًا، أو بتواطئنا العلني؟
إن الموت الناتج عن التنمر هو إعلان إفلاس أخلاقي جماعي، وصك اتهام ضدنا جميعًا، نحن الذين رأينا ولم نحرك ساكنًا، سمعنا وضحكنا، تجاهلنا أو شاركنا. كل من سكت على تنمّر، هو جزء من الجريمة. كل من شاهد فيديو تنكيل وسوّقه كـ"ترند"، هو قاتل غير مباشر.
علينا أن نُعيد صياغة وعينا الجمعي، أن نربّي أبناءنا على أن الكلمات سلاح، وأن اللسان يمكن أن يقتل أكثر من السكين.
علينا أن نعلّم أطفالنا كيف يكونون مختلفين ولكن متعاطفين. أن نغرس فيهم فكرة أن الآخر هو امتدادنا، لا نقيضنا.
التنمر ليس مشكلة فرد، بل وباء مجتمعي يحتاج إلى مواجهة شاملة. ليس بالعقوبات فقط، بل بالحب، بالاحتواء، بالحوار، وبالتربية على القيم لا على الإنجاز فقط.
دعونا لا ننتظر المزيد من المآسي لنُدرك أن كل ضحية للتنمر تحمل في قلبها كل ما فشلنا نحن في فعله.
دعونا لا ندفن أرواحهم مرتين، مرة تحت التراب، ومرة في صمتنا الجبان.
لنجعل من الألم دعوة للوعي.
ولنجعل من كل صرخة مختنقة بذرة لحياة أخرى، أكثر رحمة.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التوحد: بين دهشة الاختلاف وجمالية التنوع الإنساني
- تقمّص الأرواح: ما بين سرّ الوجود وحكمة التكرار
- سحر خليفة تُضيء -مصابيح أورشليم-: رواية تكتب الوجع المقدسي ب ...
- بين التعميم والتضليل والتحريف... حين تُغتال الحقيقة بأيدٍ نا ...
- **الحرية الحقيقية: تأملات فلسفية في جوهر الوجود**
- غسان كنفاني... حين تصبح الكلمة بندقية واللاجئ نبيًّا
- الأدب الفلسطيني بين 1995 و2024: بين النزيف والنهوض
- أمام الله، بكل قوتي-
- الفوضى التي تصنعنا ، كيف تُهندس الصدمات ملامح أرواحنا ،
- “لأنني لا أملك رفاهية الصمت”
- في حضرة التقاعد: خمسة أصوات تتداخل في مرآة رجل واحد
- كن إنسانًا أولاً… ثم حدّثني عن الدين
- “أصابع اليد… وأوهام الصحاب”
- الساخر الذي فضح المأساة: نبيل عودة قلمٌ من نار ومرآة من ضمير
- أيمن عودة… حين يُقصى الصوت الحر من كنيست الاحتلال
- “بيني وبين الدبلوماسية ألف ميل وميل” أكتب بوضوح… لا أتملق
- نحن مسيحيون ولسنا نصارى
- الحمد لله على نعمة الإنسانية
- “الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة”
- سوريا… وترتيلةُ الدم في كنيسة مار إلياس


المزيد.....




- فيديو يظهر كيف غيّر ترامب مواقفه باستمرار بشأن أوكرانيا
- التعرف على هوية جثة الرهينة العاشر الذي عاد إلى إسرائيل من غ ...
- العراق يستعد لانتخابات برلمانية وسط مقاطعة التيار الصدري وتح ...
- الولايات المتحدة: توقيف فلسطيني متهم بالمساعدة في تنفيذ هجوم ...
- عاجل | مسؤول حكومي أفغاني للجزيرة: 17 قتيلا و14 جريحا إثر غا ...
- ما حقيقة الحرس الوطني ومدى تحكمه بمفاصل السويداء؟
- لا ملوك في أميركا.. ترامب على موعد مع -زحف غاضب-
- أجنحة عارضة الأزياء من أصول فلسطينية بيلا حديد تشعل تفاعلا ب ...
- الأردن: توقيف51 طالبا على خلفية مشاجرة واسعة في جامعة
- إليكم 3 مؤشرات على سبب استمرار صمود وقف إطلاق النار في غزة ح ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - حين يُدفن الصوت قبل الجسد – التنمّر والانتحار في مرآة الوجود