أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - الحمد لله على نعمة الإنسانية














المزيد.....

الحمد لله على نعمة الإنسانية


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 02:57
المحور: المجتمع المدني
    


في زمنٍ يضجّ بالصخب والتشظي، حيث تحوّل الإنسان إلى رقم في الإحصاءات، وصورة عابرة في نشرات الأخبار، نحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أن نتوقف، أن نغلق الشاشات، ونفتح القلب والعقل على تأملٍ بسيط لكنه جوهري: الحمد لله على نعمة الإنسانية.

قد يبدو هذا القول تكرارًا دينيًّا عابرًا، لكنه في جوهره إعلانُ وجود، واحتفاءٌ بنعمةٍ غابت عن وجداننا تحت ركام التكنولوجيا والاستهلاك والتنافر الطبقي والطائفي والعرقي. أن تكون إنسانًا، ببساطة، لا يعني أنك حيّ فقط، بل أنك تحمل في داخلك بوصلة أخلاق، ونبض تعاطف، ووهج ضمير، وكلها عناصر أصبحت اليوم من الكنوز النادرة.

فالإنسانية ليست مجرد هوية بيولوجية، بل هي حالة من السُمو، تتجلّى حين يشاطر الغني خبزه مع الجائع، حين يحتضن الطبيب مريضه وكأنّه أمه، حين يسهر معلّمٌ على فهم طالب لا يملك كتابًا، حين يهبّ شابٌّ لإنقاذ طفلٍ وسط قصف لا يرحم.

نعم، الحمد لله على هذه القدرة العجيبة التي وهبها لنا دون سائر المخلوقات: أن نشعر، أن نتألّم، أن نحزن لحزن الآخر، وأن نفرح لفرحه كأنّ الفرح لنا. إنها الهبة الإلهية التي تجعلنا أسمى من غرائزنا، وأقرب إلى وجه الله في الأرض.

في خضمّ عالمنا الحديث، حيث اختلطت المفاهيم، وأصبح النجاح يُقاس بعدد المتابعين لا بعدد الأيادي التي صافحتها بلطف، يصبح التمسك بالإنسانية فعلاً ثوريًّا. كيف لا، ونحن نرى كيف تتحول المجازر إلى مادة للمناكفة السياسية، وكيف يُختزل الفقراء في صورة استعطاف لا أكثر، وكيف يُترك المرضى في طابور طويل من التجاهل واللا مبالاة؟

إن الإنسان في جوهره ليس ما يملك، بل ما يمنح. فالفقر لا ينفي الإنسانية، بل أحيانًا يعمّقها، حين ترى فقيرًا يقتسم قطعة الخبز مع قطّ جائع. والغنى لا يؤكّدها، بل يفضحها أحيانًا، حين يتقوقع الغني داخل قصره زاهدًا في العالم الخارجي، يظن أنه نجا من العالم، بينما هو في الحقيقة مجرّد جثة تمشي على أقدام الذهب.

فما معنى أن نحيا دون أن نُحبّ؟ وما معنى أن نعمل دون أن نُشفق؟ وما جدوى العلم إن لم يشفِ جرحًا؟ وما قيمة الدين إن لم يوقظ فينا الحنان على الآخر، لا الكراهية نحوه؟

الإنسانية ليست رفاهية. إنها الدين الصحيح، والسياسة الأخلاقية، والفلسفة التي لا تتعالى على آلام الناس. وهي أيضًا، للأسف، أكثر ما يُستهلك بالشعارات، ويُفتقد في الواقع. كم من أنظمة تتشدّق بحقوق الإنسان وهي تنتهكها كل يوم؟ كم من رجال دين يعلون من شأن المحبة وهم يزرعون الضغينة باسم الإيمان؟ كم من مفكرٍ يدافع عن الحرية على الورق، لكنه يستعبد كل من حوله باسم العقل؟

لهذا نقول: الحمد لله على نعمة الإنسانية، حين نمارسها فعلاً لا شعارًا، حين نحملها داخلنا رغم كل ما يكسرنا، حين نصرّ على أن نُبقيها حيّة في زمنٍ يريد لنا أن نصبح آلات لا مشاعر لها، وأن نتعوّد على الظلم كأنه جزء من ديكور الحياة.

نحمد الله، لأن فينا أمًّا ما زالت تسهر على جرح ابنها، وفيًّا لم يغدر رغم المغريات، عجوزًا يُطعم قطط الشارع من معاشه الزهيد، شابًّا يُنقذ غريقًا لا يعرفه، طبيبةً تسهر في ممرات المستشفى رغم كل التعب، ومعلّمًا يشرح الدرس لأطفالٍ بلا حذاء.

نحمد الله، لأن بقايا النور لم تنطفئ، ولأن الإنسان، رغم كل شيء، لم يُقتل فيه تمامًا الإحساس بالآخر. ولأن كل دمعة حقيقية، كل ضمة أم، كل لمسة حنان، كل قبلة على جبين فقير، هي ردّ جميل لخالقنا الذي نفخ فينا من روحه، ومنحنا هذه القدرة العجيبة على أن نُحب، ونتألّم، وننهض، ونُعطي.

فلتكن الإنسانية ديننا، ومحرّكنا، ومقياسنا في كل ما نقوله ونفعله. فالله لا يُعبد فقط في المساجد والكنائس، بل في قلب كل فعل رحيم، وكل ضمير يقظ، وكل إنسانٍ لا يزال يتمسّك بآدميته رغم كلّ هذا الخراب



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- “الإبداع لا يُختَصر في جماعة: دعونا نتحرر من الشليلة”
- سوريا… وترتيلةُ الدم في كنيسة مار إلياس
- ✦ مسيحيو الشرق: ملح الأرض ونورها
- من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟
- من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! — دماء مار إلياس تصرخ في شوارع ...
- الرملة واللد ويافا: ثلاثية الجرح الفلسطيني من النكبة إلى معر ...
- الإصغاء كفعل مقاومة: من دورة توجيه المجموعات في مركز ريان، إ ...
- -همسات من الوطن العربي-- قصص قصيرة جداً
- أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه
- أمي، هل تسمعينني الآن؟
- ارتعاش الخلاص
- حين تنطق الأرض وتبكي السماء
- وصايا لعصر تائه
- يا مَن كُسِرَ قلبه ولم يصرخ، الربُّ معك!
- ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
- كيف تفقد وزنك؟
- قلمي
- ⟡ صلاة الأرواح وأهازيج الغياب ⟡
- كيف تصبح وزيرًا في دولة عربية؟
- قراءة في حكمة الفناء من منبر الإنسان الباحث


المزيد.....




- داعش في التشيك؟ اعتقال 5 مراهقين يشتبه أن التنظيم جندهم عبر ...
- قضية وليد عبود.. حرية التعبير في مواجهة الترهيب الرقمي
- بعثة إيران لدى الأمم المتحدة: منطق الحرب قد فشل
- -الأغذية العالمي-: أدخلنا مساعدات أقل من حاجة غزة ليوم واحد ...
- الاحتلال يصدر 600 أمر اعتقال إداري في أسبوعين
- رايتس ووتش: تصاعد خطير للعنف والانتهاكات يدفع مليون هايتيّ ل ...
- إسرائيل تصدر 600 أمر اعتقال إداري في أسبوعين
- مأساتي من فقدان الزوج والابن البكر ورعاية أبنائي ذوي الإعاقة ...
- الأغذية العالمي: أدخلنا مساعدات أقل من حاجة غزة ليوم واحد من ...
- الأونروا: نواجه وضعا مروّعا يعيشه الفلسطينيون بقطاع غزة


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رانية مرجية - الحمد لله على نعمة الإنسانية